رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية
كيف جعله صناعه مميزا من بين كل الأعمال التاريخية والدرامية

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

خلال الأيام الماضية تم عرضه بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو، ولم أصادفه على أي قناة تلفزيونية، إلا وتوقف الريموت في يدى ثابتاً لمتابعته؛ من بدايته أو منتصفه أو آخره؛ فقد كان ظاهراً كم بذلوا في فيلم (ناصر 56) من مجهود ولو اتسع المقام لذكرنا كل أسماء المشاركين في هذا العمل الضخم الذي لا يمكن أن تمل من مشاهدته.

مهما تكرر عرضه دون شرط أن تكون مفتوناً بعبد الناصر أو حتى ممن يرددون حكمة (له ما له وعليه ما عليه) وبدون أيضاً أن تشارك في المنادب الموسمية مع كل مناسبة بثرثرة مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت ممن استحقوا وصف الروائي والمفكر الإيطالى إمبرتو إيكو بـ (فيالق الحمقى).

ففي فيلم (ناصر 56) لأول مرة أكتشف وأشعر بأن هناك دوراً للبطولة في فيلم سينمائي، قام به عنصر غير بشري.

حقاً.. سبق أنه كثيراً ما يكون أحد أبطال الفيلم من عناصر غير بشرية، كحيوان مثلاً أو آلة أو كائن خرافي، لكن هنا يمكن أن نطلق عليه أنه (فكرة عبقرية) أعطت للعمل الفنى بعداً مختلفاً وطعماً خاصاً، مع أنه في حال غياب هذه الفكرة، لم يكن لأحد أن يلاحظ فقدان شيء ذي بال، غير أن هذا العنصر منح الفيلم كمالاً لن تشعر بحاجة الفيلم إليه، إلا أن تدرك كيف يكون الحال، لو لم يتم على هذا الوجه!.

وكيف جعله مميزا من بين كل الأعمال التاريخية والدرامية.

ولهذا وجب الوقوف تحية للمخرج الكبير المبدع الأستاذ محمد فاضل، على فكرته تلك، لاتخاذه هذا القرار الجرئ في إخراج فيلم (ناصر 56) بدون ألوان، ليصبح هو الفيلم المصري الوحيد الذي تم إنتاجه أبيض وأسود في زمن لم يخطر على بال أحد العودة إلى عصر ما قبل الألوان، وكأنك رجعت إلى تليفزيونك القديم الذي تخلصت منه لأنه لم يعد لك حاجة إليه بعد دخول زمن الألوان!.

فما فعله (محمد فاضل)، كان هو النموذج الحقيقي لما يسمى بالتفكير خارج الصندوق، وهو كذلك كسر للتبعية العمياء لفكرة الركض وراء كل ما هو حديث!

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية
في سنة إنتاج الفيلم (1996) كان قد مضى 20 عاماً على بدء الإرسال التلفزيوني الملون

دلالة إنتاجه في 1996

في سنة إنتاج الفيلم (1996) كان قد مضى 20 عاماً على بدء الإرسال التلفزيوني الملون و46 عاماً على عرض أول فيلم مصرى بالألوان، فلم يخطر على بال أحد مجرد طرح فكرة العودة إلى الأبيض والأسود، وإلا كان يمكن أن يتهم بالجنون، باعتبار أن ذلك ينتمى إلى عهد مضى ولن يعود!

لكن عودة (فاضل) بدت في منتهى العقل، وكأنها عودة حقيقية اخترق بها حاجز الزمان، حتى أنك تدخل إلى النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، فترى وتسمع وتلمس وتشم وتعايش الأحداث كواقع حقيقي، وكأن الناس وكل الأشياء حولهم طغى عليهم الأبيض والأسود.

لكن لا طغيان العدمية ولا الكآبة، ولكنه لون الذكريات المجسدة الحية النابضة، لون وطعم وملمس لرائحة الحنين إلى أيام مجيدة عاشتها مصر في تلك السنة الفاصلة والدقيقة في عمر مصر!.

لم تكن بطبيعتها أبيض وأسود، ولكن كما ذكر (فاضل) نفسه في حديث بالسنة الماضية، مع المذيعة (إنچى علي)، أننا لم نشاهد جمال عبد الناصر إلا من خلال الأبيض والأسود.

ثم تعال معى إلى قرار آخر اتخذه فاضل كمخرج لفيلم (ناصر 56) لا يقل شجاعة عن قرار العودة إلى الأبيض والأسود، وهو اختيار (الفتى الأسمر) أحمد زكي لتجسيد شخصية جمال عبد الناصر، فلا شك أن الشبه بعيد جداً ما بينهما، من حيث الملامح ولون البشرة، حتى مع تصوير الأبيض والأسود سيظل الاختلاف قائماً.

ومع ذلك تجاوبت العبقرية التشخيصية (أحمد زكي) الفذة، مع العبقرية الإخراجية عند محمد فاضل، لنجد أنفسنا أمام ناصر الشاب الحقيقي، ذلك الشاب الذي تحدى أكبر إمبراطوريات العالم، بقرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية!

والقرار كان صفعة على وجه الغرور الاستعمارى لقوة ذاهبة ممثلة في العرش البريطاني الذي بدا كالأسد الجريح والذي تبدو شراسته أكبر مما يبدو عليه الأسد الصحيح، كذلك وكان تحدياً سافراً للهيمنة الأمريكية وهى القوة الصاعدة والوريثة الوحيدة للإمبراطورية البريطانية، بعدما غابت عنها الشمس لتشرق في واشنطن.

فقد تحدى (أحمد زكي) الفروق الواضحة بينه وبين جمال عبد الناصر، ونجح نجاحاً مبهراً حتى أنه اقنعنا جميعاً بأنه هو بشحمه ولحمه (ناصر 56)!

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية

محمد شمروخ يكتب: (ناصر 56).. وفكرة فاضل العبقرية
نجاح هذا الفيلم ليس فقط كان نتاجاً لجهد وعبقرية زكي وفاضل

جهد وعبقرية زكي وفاضل

ونجاح هذا الفيلم ليس فقط كان نتاجاً لجهد وعبقرية زكي وفاضل، بل شاركهما أيضاً قطاع الإنتاج في التليفزيون تحت إدارة ممدوح الليثي، ليشكل الثلاثة مع رابعهم المؤلف الأستاذ محفوظ عبد الرحمن، أول مجموعة قتالية اتسعت، لتصبح كتيبة تخطيط وإعداد.

ثم مالبثت أن صارت فرقة مدرعة محاربة، ضمت كل من وردت أسماؤهم في تترات الفيلم، من ممثلين برع كل منهم في دوره؛ كل في دائرته؛ بما لا يقل عن أداء (أحمد زكي) كبطل للفيلم!

الأمر لم يقتصر على الممثلين، بل وكل طاقم العمل من تصوير وإضاءة وموسيقى وماكيير وملابس وغير ذلك، فلهذه الأسباب كان لابد أن يتوقف الريموت كنترول و(يحرن) في يدى كلما مر بقناة تعرض (ناصر 56)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.