

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
بعد مشاهدتي المتأنية، حيث استمتعت بقصته وأبطاله وإخراجه، أستطيع القول براحة تامة، أن مسلسل (كتالوج) دراما إبداعية غاية في الإتقان، تبدو في رسالتها الواعية والعميقة حول أهمية التواصل الأسري وقوة الأمومة حتى بعد الرحيل، على الرغم من قصر حلقاته التي لاتتجاوز الثماني حلقات.
(كتالوج).. بناء درامي قوي يؤكد أن الأبوة ليست مهمة فردية أو رحلة تبحث عن الكمال، بل هي تجربة يومية مليئة بالمحاولات والتعلم. يوضح المسلسل أن الحضور الصادق للأب، والإصغاء لأبنائه، والمشاركة في حياتهم.
هى الأساس في بناء علاقة قوية وصحية معهم، حتى في ظل غياب (الدليل المثالي) لتربية الأطفال.. يكفي أن يكون الأب قلبًا نابضًا بالحياة بجانب أبنائه، لا باحثًا عن الكمال، بل عن المعنى الحقيقي للأبوة.
درات أحداث مسلسل (كتالوج) حول (يوسف/ محمد فراج)، الذي تنقلب حياته رأسًا على عقب إثر وفاة زوجته أمينة / ريهام عبد الغفور) بشكل مفاجئ.. يجد (يوسف) نفسه فجأة مسؤولًا مسؤولية كاملة عن طفليه الصغيرين: كريمة (ريتال عبد العزيز) ومنصور (علي البيلي).
في بداية الأمر، يواجه (يوسف) صعوبات بالغة في التأقلم مع دوره الجديد كأب أرمل، فالمسؤوليات اليومية لتربية الأطفال، والتي كانت (أمينة) تتولى معظمها، تصبح عبئًا ثقيلًا عليه، خاصة أنه كان بعيدا عن تفاصيل حياتهما.. يعيش (يوسف) حالة من الارتباك والضياع، ويجد صعوبة في التواصل الحقيقي مع أبنائه.
لكن نقطة التحول في حياة (يوسف) تأتي عندما يكتشف سلسلة من مقاطع الفيديو التعليمية التي سجلتها (أمينة) قبل وفاتها.. هذه الفيديوهات، التي كانت تنشرها (أمينة) على قناتها الخاصة تحت اسم (كتالوج) تحتوي على نصائح وإرشادات حول تربية الأطفال وكيفية التعامل مع تحديات الأبوة والأمومة.

(كتالوج) حقيقي يرشد يوسف
تصبح هذه المقاطع بمثابة (كتالوج) حقيقي يرشد يوسف في رحلته كأب.. كل حلقة من المسلسل تركز على فيديو معين من فيديوهات (أمينة)، مما يساعد (يوسف) على فهم أعمق لأطفاله، والتواصل معهم بشكل أفضل، واكتشاف جانب جديد من شخصيته كأب لم يكن يعرفه من قبل.
يمزج مسلسل (كتالوج) ببراعة بين الدراما العاطفية التي تتناول موضوع الفقدان وتحديات الأبوة المنفردة، وبين المواقف الكوميدية الخفيفة التي تنبع من طبيعة الحياة اليومية داخل الأسرة.
حظي مسلسل (كتالوج) باستقبال إيجابي كبير فور عرضه على (نتفليكس) التي عرضت مسلسلا اجتماعيا غاية في الروعة، على عكس سياستها التي تتعلق بعرض مسلسلات تركز على الغيبيات والتحرس الجنسي والمثلية، وغيرها من موبقات الدراما التي تحاول فرضها على الجمهور العربي مطعمة بقدر من سمومها القاتلة.
تصدر مسلسل (كتالوج) قوائم المشاهدة في العديد من الدول العربية، وحظي بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أشاد النقاد والجمهور على حد سواء بالأداء المميز للممثلين، وخاصة (محمد فراج وريهام عبد الغفور)، بالإضافة إلى الأداء المذهل لسماح أنور التي وصفت شخصيتها بأنها من أبرز نقاط القوة في المسلسل.
كما أثنى الكثيرون على السيناريو المحكم لأيمن وتار، الذي نجح في تقديم قصة إنسانية مؤثرة بقالب متوازن يجمع بين الضحك والبكاء، والإخراج المتقن لوليد الحلفاوي، الذي استطاع نقل المشاعر بصدق وعمق.
هذا إلى حد أن اعتبر البعض أن (كتالوج) يقدم نوعية جديدة ومطلوبة من الدراما الاجتماعية التي تلامس القلوب وتطرح قضايا حياتية واقعية ومهمة للأسرة.
يحسب للمسلسل قدرته على تناول موضوع الفقدان والأبوة المنفردة بحساسية وعمق، الفكرة المحورية لـ (كتالوج) ترتكز على الفيديوهات التي تتركها الأم الراحلة لتوجيه زوجها في رحلة تربية الأبناء هي فكرة مبتكرة وذكية، وتضفي بعدا عاطفيا فريدا على السرد.. هذا الكتالوج الافتراضي لا يمثل مجرد دليل عملي، بل يجسد استمرارية الأمومة وحضورها حتى بعد الرحيل، مما يضيف طبقة من الحنين والأمل للقصة.

(محمد فراج).. أداء استثنائي
أداء (محمد فراج) في دور (يوسف) كان استثنائيا ومقنعا للغاية.. فقد نجح (فراج) في تجسيد رحلة الأب المضطرب الذي يكافح للتأقلم مع مسؤولياته الجديدة، والانتقال من الارتباك إلى النضج الأبوي بشكل طبيعي ومؤثر.. تفاعله مع الطفلين (كريمة، ومنصور) بدا حقيقيًا وملموسًا، مما جعل المشاهدين يتعاطفون معه خطوة بخطوة.
في البداية، أظهر (فراج) بشكل مقنع حالة الارتباك والضعف التي يمر بها الأب الأرمل، وعجزه عن التعامل مع المهام اليومية للأبوة، لكنه سرعان ما عكس أداءه ضعفًا إنسانيا صادقا، مما جعل الجمهور يتعاطف معه ويشعر بأنه شخصية حقيقية وليست مثالية.
تدرج (فراج) في إظهار تطور شخصيته مع كل حلقة، وكيف يبدأ في فهم أبنائه والتواصل معهم، وصولا إلى مرحلة النضج الأبوي، وتبدو كانت كيمياءه واضحة مع الطفلين (علي البيلي، ريتال عبد العزيز) طبيعية ومؤثرة، مما أضاف مصداقية للعلاقة الأسرية، ومن ثم أداء فراج أكد على قدرته على تقديم أدوار مركبة وعاطفية تلامس قلوب المشاهدين

(ريهام عبد الغفور).. صدق وعمق
أما (ريهام عبد الغفور)، فعلى الرغم من ظهورها المحدود في مشاهد (الفلاشباك) وفيديوهات (الكتالوج)، إلا أنها تركت بصمة لا تُمحى.. حضورها الطاغي، وصوتها الدافئ، وابتسامتها المعبرة، جعلت شخصية (أمينة) حية في ذاكرة المشاهدين ومحورا أساسيا للأحداث.
على الرغم من ظهورها الخاص والمحدود، تركت (ريهام عبد الغفور) بصمة عميقة في دور (أمينة).. شخصيتها كانت بمثابة (الأم الحاضرة الغائبة) من خلال فيديوهات (الكتالوج) التي سجلتها قبل وفاتها، استطاعت (عبد الغفور) أن تخلق ألفة كبيرة مع المشاهدين من خلال ظهورها القصير، مما جعلهم يشعرون بحضورها الفعال في حياة يوسف وأطفاله حتى بعد رحيلها.
ولذا قدمت في (كتالوج) شخصية الأم الواعية والمحبة التي تستبق الأحداث وتترك دليلاً لزوجها، وأدت هذا الدور بصدق وعمق، جعل تأثيرها على القصة هائلاً، على الرغم من قلة مشاهدها، إلا أن كل ظهور لها كان له تأثير عاطفي قوي، مما يؤكد على موهبتها في إيصال المشاعر المعقدة.

(سماح أنور).. أداء عفوي
الشخصية التي لا يمكن تجاوزها هى (أم هاشم) التي جسدتها (سماح أنور) ببراعة وانسيابية عالية جدا، عبر أدائها العفوي، الذي يجمع بين الحكمة المصرية الأصيلة والطرافة المحببة، وهو ما أضاف للمسلسل لمسة كوميدية خفيفة وواقعية، وكانت بمثابة ركيزة دعم ليوسف.. شخصيتها كانت بمثابة البلسم الذي يخفف من حدة الدراما، ونالت إشادة واسعة لتميزها.
كان أداء (سماح أنور) في دور (أم هاشم) مفاجأة حقيقية للجمهور والنقاد.. شخصية المربية الصارمة ولكن ذات القلب الحنون، أضافت بعدا فريدا للمسلسل: حيث أتقنت (سماح أنور) الموازنة بين اللحظات الكوميدية الخفيفة التي تنبع من طبيعة الشخصية، واللحظات الدرامية المؤثرة التي تكشف عن حكمتها وعطفها.
وفي النهاية قدمت أداء عفويا وواقعيا للغاية، جعل شخصية (أم هاشم) محببة وقريبة من قلوب المشاهدين، وكأنها شخصية نعرفها في الواقع.. فقد كانت (أم هاشم) بمثابة السند ليوسف، ليس فقط في رعاية الأطفال، بل في تقديم الدعم المعنوي والفكري له بطريقتها الخاصة والمميزة.
من جانبه قدم (خالد كمال) في (كتالوج) أداء قويا ومؤثرا في دور (حنفي) شقيق يوسف الأكبر.. شخصيته الهادئة والحكيمة كانت بمثابة السند الثابت ليوسف، فقد جسد دور الأخ الأكبر الذي يقدم الدعم والمشورة ليوسف دون إصدار أحكام، مما عكس عمق العلاقة الأخوية، فبدا أداء (كمال) واقعيا جدا، مما جعل المشاهدين يلمسون وجود هذه الشخصية الداعمة في حياة البطل.

(أحمد عصام السيد).. موهبة مبشرة
نجح (أحمد عصام السيد) في تجسيد شخصية (أسامة) ببراعة، حيث استطاع أن يلفت الأنظار إلى هذا الدور الهام، ولعل أداء (أحمد) قد تميز بالآتي: الهدوء والعمق الذي قدمه من قبل في المسلسل الرمضاني (عايشة الدور)، حيث قدم (أحمد عصام السيد) شخصية هادئة، لكنها تحمل الكثير من المشاعر والأفكار الداخلية التي تظهر من خلال تعابيره الصامتة ونظراته.
أشاد الجمهور والنقاد بأدائه الواقعي الذي يعكس حال شباب كثيرين يمرون بتجارب مماثلة من الفقد والصراع الداخلي، وهو ما أظهر موهبته الحقيقية في الأداء الترجيدي مصحوبا بلمسات كوميدية ذكية للغاية.
على الرغم من أن شخصيته قد لا تكون محورية مثل (يوسف) أو (أمينة)، إلا أن حضوره كان مؤثرًا، وأضاف بعدا عاطفيا مهما للقصة، خاصة في إظهار تأثير الفقد على الشباب.
كما بدت لي لغة جسده معبرة للغاية ما ينبئ بمستقبل كبير لهذا الممثل الشاب الذي يغزل أدواره بهدء وثقة، وربما ينبع ذلك من كونه نجل المخرج المسرحي (عصام السيد) والممثلة القديرة (حنان يوسف).
في المجمل، يقدم مسلسل (كتالوج) تجربة درامية غنية ودافئة، هو ليس مجرد قصة عن الأبوة، بل هو استكشاف لمفاهيم الحب، الفقدان، الذاكرة، وقوة العائلة في مواجهة التحديات..
المسلسل ينجح في إيصال رسالته بأن (الحضور أهم من الكمال)، وأن الأبوة ليست مهمة تبحث عن الدليل المثالي، بل هى رحلة مستمرة من التعلم والمحبة، والفضل فكل ذلك يرجع إلى الأداء التمثيلي القوي، والسيناريو الذكي، والإخراج الحساس، بحيث يعتبر (كتالوج) إضافة قيّمة للدراما العربية، ويستحق المشاهدة لكل من يبحث عن قصة إنسانية مؤثرة وملهمة.

(وليد الحلفاوي).. فن إدارة الممثل
ولابد لي من الإشادة بالمخرج (وليد الحلفاوي)، فقد لعب الإخراج دورا محوريا في نجاح مسلسل (كتالوج)، حيث بدت قدرته على الوصول إلى قلوب المشاهدين، حيث تولى المخرج (وليد الحلفاوي) مهمة تحويل النص المكتوب إلى تجربة بصرية وعاطفية مؤثرة.
تميز إخراج (وليد الحلفاوي) بقدرته على إبراز الجانب الإنساني العميق للقصة.. لقد ركز على التفاصيل اليومية لحياة الأب (يوسف) وأطفاله، مما جعل المشاهد يشعر بالواقعية والتعاطف مع الشخصيات، ولم يعتمد الحلفاوي على المبالغة أو التكلف، بل قدم الأحداث بسلاسة وبساطة تعكس تحديات الحياة الأسرية الحقيقية بعد الفقد.
ولعل أحد أبرز نجاحات الإخراج في (كتالوج) هو التوازن الدقيق بين المشاهد الدرامية المؤثرة واللحظات الكوميدية الخفيفة، فلم يسمح (الحلفاوي) للدراما بأن تكون ثقيلة ومحبطة بشكل دائم، بل أدرج لمسات من الفكاهة الهادئة التي تنبع من المواقف الحياتية الطبيعية.
برع (وليد الحلفاوي) في إدارة أداء الممثلين، سواء الكبار أو الأطفال.. لقد استطاع أن يستخرج أفضل ما لدى (محمد فراج) في تجسيد شخصية الأب المضطرب ثم الناضج، وظهر ذلك في تعابير وجهه ولغة جسده التي عكست الصراع الداخلي.
كما نجح في توجيه (سماح أنور) لتقديم أداء عفوي ومميز لشخصية (أم هاشم) التي أصبحت أيقونة في المسلسل. أما الأطفال، فقد قدموا أداءً طبيعيًا ومقنعًا، مما يدل على قدرة المخرج على التعامل مع المواهب الصغيرة.
وعلى الرغم من بساطة القصة، إلا أن الإخراج حافظ على إيقاع بصري جذاب.. لم تكن هناك مشاهد زائدة أو مطولة بلا داعٍ.. كما أن اختيار الديكورات والألوان والإضاءة ساهم في خلق جو دافئ ومريح يعكس طبيعة المسلسل العائلية.