رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
حملة (خلي بالك علي بلادك)

تأثير آليات البث المشترك في تشكيل الوجدان العربي تجاه القضايا القومية

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *

صدر قرار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بتعيين الصديق العزيز، المخرج المتميز (خالد شبانة)، رئيسًا لقطاع القنوات المتخصصة، ويسعدني أن أُعرب عن خالص شكري وتقديري للمفكر والإعلامي القدير (أحمد المسلماني)، صاحب الرؤية النافذة، الذي أحسن الاختيار ومنح هذا الفنان المهني مكانته المستحقة.

لقد أسعدني هذا القرار على المستوى الشخصي والمهني، لأن (خالد شبانة) لم يكن مجرد مخرج مبدع، بل كان أحد الأبطال الحقيقيين في إنجاح أكبر مشروع إعلامي قُمتُ بإطلاقه في حياتي، والذي يُعد اليوم نموذجًا ومدرسة في الإعداد والتنفيذ البرامجي والبث الفضائي المشترك، ويُدرّس كمثال يُحتذى به في كليات الإعلام ومعاهد التدريب المتخصصة.

(يوم التضامن مع غزة) – أعظم بث فضائي مشترك في تاريخ الإعلام العربي والعالمي، في هذا اليوم التاريخ  الذي كان توثيقا لفكرة البث المشترك الذي يخدم قضايانا القوميه من خلال مبادرات (احنا العرب كلنا بنحب مصر – وخلي بالك علي بلادك – ويوم التضامن مع غزة، ويوم التضامن مع السودان – ويوم التضامن مع بيروت ويوم القدس عربيه عبر القرون الخ هذه المبادرات القومية، التي أطلقها الاتحاد العام للمنتجين العربي).

تحققت ملحمة إعلامية نادرة بمشاركة 52 قناة فضائية من 15 دولة عربية، في بثٍ متزامن وموحّد دام 12 ساعة كاملة بلا انقطاع، كان ذلك أول وأكبر بث عربي مشترك من نوعه، بديكور موحّد، وشعار موحد، ومحتوى منسّق، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والبصرية لكل دولة عبر ملابس مقدمي البرامج وتنوع الأغاني والمداخلات.

أعددت وأشرفتُ شخصيًا على تنفيذ هذا المشروع القومي، ابتداءً من فكرة البرنامج وتصميم المحتوى، مرورًا بالتنسيق الفني والهندسي، وصولاً إلى إدارة لحظة البث الدقيقة بين الاستوديوهات المنتشرة من المحيط إلى الخليج.

وكان المخرج (خالد شبانة) هو المايسترو الحقيقي لهذه السمفونية الإعلامية الكبرى، في تجربتها الأولي وطن واحد.. إعلام واحد.. من أجل نصرة غزة، حيث تولى تنفيذ الرؤية الإخراجية ببراعة، عبر أكثر من خمسة عشر ستوديو، عمل فيها عشرات المعدين والمخرجين والمقدّمين والضيوف المحليين، كلٌ في بلده، ضمن منظومة واحدة متكاملة.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
أظهر (خالد شبانة) مهارة استثنائية في إدارة لحظة تسليم القنوات لبعضها البعض

الأثر والنتائج

وقد أظهر (خالد شبانة) مهارة استثنائية في إدارة لحظة تسليم القنوات لبعضها البعض وكأنها تنبعث من ستوديو واحد، رغم تباعد آلاف الكيلومترات.. لم نشهد انقطاعًا واحدا في هذا السياق الوحدوي والتضامني الإنساني لشعب مسلوب إرادته معتدي عليه مع عدو غاشم قاسي لحد بلادة المشاعر.

بث مباشر لم تُبث فيه نشرة إخبارية واحدة، ولم تُعرض علي شاشاته إعلانات طوال فترة البث.. حتى التنويهات والمقدمات والموسيقى والغرافيك تم توحيدها بشكل لا مثيل له، جمعنا به وجدان الأمة العربية بكل أطيافها السياسية والعقائدية في مشهد لم ولن يتكرر إلى يومنا هذا.

وقد تجاوز البث الجانب الفني والإعلامي ليصبح أداة حقيقية للتأثير والتغيير؛ إذ ساهم البرنامج في جمع أكثر من مليار جنيه لصالح غزة، ورفع منسوب التلاحم الشعبي والرسمي في دعم القضية الفلسطينية في لحظة مفصلية من تاريخها.

تمت دراسة هذه التجربة إعلاميًا ومجتمعيًا من خلال تقارير ميدانية وردت من القنوات المشاركة في 15 دولة عربية، وتم تحليل تأثيرها في تشكيل الوجدان العربي من خلال عينات مجتمعية حقيقية، ما منحني قاعدة بيانات موثقة استخدمتها لاحقًا في رسالتي لنيل درجة الدكتوراه من إحدى أهم الجامعات في هولندا (القسم العربي).

وقد نلتُ بتوفيق الله درجة الدكتوراه عن هذه التجربة الفريدة بعنوان: (تأثير آليات البث المشترك في تشكيل الوجدان العربي تجاه القضايا القوميةدراسة تحليلية في سياق الإعلام العربي المعاصر من خلال تجربة البث الفضائي المشترك).

وكانت هذه الرسالة ثمرة جهد جماعي لمبادرة وطنية تحت شعار: (وطن واحد.. إعلام واحد.. من أجل قضايانا الوطنية).

ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أُجدد اعتزازي بهذه التجربة، وفخري بكل من ساهم فيها، وعلى رأسهم (خالد شبانة) الذي أعتبره بحق أحد أبرز أبطالها، مهنياً وأخلاقياً، ومثالًا يُحتذى به في الإخلاص والابتكار.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
لم يكن (يوم التضامن مع غزة) مجرد بث فضائي مشترك

كيف لحدث إعلامي أن يهزّ وجدان الأمة؟

لم يكن (يوم التضامن مع غزة) مجرد بث فضائي مشترك جمع 52 قناة من 15 دولة، بل كان زلزالًا وجدانيًا استعاد به الشارع العربي شيئًا من يقينه بوحدة الهدف والمصير.

في ذلك اليوم، اصطفت الشعوب خلف الشاشات من المحيط إلى الخليج، يتنقلون بين القنوات المختلفة فلا يشعرون أنهم في دول متباعدة، بل أمام شاشة واحدة، وقضية واحدة، وأمة واحدة.

في أعقاب هذا الحدث، بدأت ردود الفعل تتدفق من كل حدب وصوب: تقارير عاجلة، اتصالات هاتفية، برقيات تقدير، تحليلات إعلامية، وحتى مشاعر جمهور عاديّ عبّر عنها برسائل إلكترونية ومداخلات تليفزيونية وكتابات على وسائل التواصل.

أولى المؤشرات: تقارير القنوات المشاركة، بمجرد انتهاء البث الذي استمر 12 ساعة متواصلة بلا انقطاع، بدأنا نتلقى تقارير من القنوات المشاركة، تناولت الجوانب التالية:

  • مدى التفاعل الجماهيري داخل الدول: ارتفاع نسبة المشاهدة بشكل غير مسبوق، تفاعل الشارع، امتلاء الساحات التي نصبت بها شاشات عامة للبث.
  • تأثير وحدة الشكل والمحتوى على الإحساس الجمعي بالانتماء: سلوجن موحّد، ديكور موحّد، تنويعات لغوية وملابسات محلية تخدم رسالة واحدة.
  • فعالية الرسائل الفنية والموسيقية التي تم بثها، واختيار الأغاني والمقدمين والضيوف بما يتماشى مع الحس العام والذوق الشعبي في كل بلد.
إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
من الجزائر إلى سلطنة عمان، ومن بيروت إلى الخرطوم، ومن الرباط إلى بغداد

من الميدان: الجماهير تتفاعل

من الجزائر إلى سلطنة عمان، ومن بيروت إلى الخرطوم، ومن الرباط إلى بغداد، رُصدت ردود فعل ميدانية حيّة، كان أبرزها:

  • تجمّع المواطنين في الساحات العامة حول شاشات كبيرة لمتابعة البث رغم البرد أو الحر أو المطر.
  • موجات تبرّع غير مسبوقة: أكثر من مليار جنيه تم جمعها، بعضها خلال ساعات البث نفسها، في مشهد قلّ نظيره في الإعلام العالمي.
  • ردود فعل مؤثرة لأهالي غزة أنفسهم: فقد تلقيت شخصيًا شهادات من إعلاميين فلسطينيين وعائلات في القطاع، قالوا فيها إنهم شعروا لأول مرة أن العالم العربي معهم بحق، لا بالكلمات فقط.

من أهم ما ترتب على هذه المبادرة، أنها أصبحت بعد ذلك أساسًا لرسالة الدكتوراه الخاصة بي، التي نلتها من إحدى أعرق الجامعات في هولندا – القسم العربي، وقد تضمنت الرسالة فصلاً تحليليًا كاملاً حول الأثر الميداني للمبادرة، من خلال ما يلي:

  • تحليل مضمون الفقرات الموجهة لكل بلد وفق خصوصياته الثقافية والدينية والاجتماعية، ومدى تقبل الجماهير لها.
  • قراءة ميدانية في العينات المستهدفة من الجماهير (في 6 دول على الأقل)، من خلال استبيانات ومجموعات نقاش، أكدت في معظمها:
  • ارتفاع الشعور بالوحدة القومية.
  • زيادة الثقة في الإعلام العربي إن أحسن التكتل.
  • تصاعد التفاعل مع القضية الفلسطينية في الأجيال الشابة.

ملاحظات نوعية وردتني من التقارير:

  • في المغرب، لوحظ تفاعل فني خاص حين تم بث فقرات موسيقية بالأمازيغية والعربية.
  • في لبنان، عبّر بعض المشاركين عن أن البرنامج كان “أكثر وحدة قومية من كل بيانات الجامعة العربية”.
  • في مصر، ارتفعت نسبة التبرعات الفردية بعد عرض فقرة طفل فلسطيني يحكي قصة فقدانه لعائلته.
  • في السودان، طلبت إذاعات محلية إعادة بث الفقرات في أوقات أخرى بسبب كثافة الطلب من المستمعين.
إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
كان (يوم التضامن مع غزة) نموذجًا نادرًا لما يمكن أن يفعله الإعلام

مواقف إنسانية لا تُنسى

  • إحدى القنوات العربية أرسلت شهادة من مذيعة شابة قالت فيها: (أول مرة أشعر أنني أنتمي إلى أمة لها إعلام يليق بها)
  • طفل فلسطيني اتصل مباشرة خلال البث من غزة، ووجه الشكر لكل من قال (أنا معكم).

في النهاية، كان (يوم التضامن مع غزة) نموذجًا نادرًا لما يمكن أن يفعله الإعلام إذا تحرّر من الأنانية المؤسسية، والخطوط السياسية المتباعدة.

لقد أسسنا يومها لمفهوم جديد من الإعلام الجمعي:

  • (وطن واحد.. إعلام واحد.. من أجل قضايا أمتنا)، وكنت أنا، بفخر، المشرف على هذه السيمفونية العربية.
  • (في هذا اليوم شعرت أن شاشاتنا تخاطبني أنا، لا جمهورًا افتراضيًا.. كانت الصورة مرآة للعروبة).
  • هالة بدر، مذيعة بالتلفزيون السوري، من استوديو دمشق: (لم أرَ في حياتي المهنية تنفيذًا بهذه الدقة والالتزام والتنسيق عبر هذا العدد من الدول).
  • م. فواز عبد الرحمن، مهندس البث في قناة اليمن الفضائية.

الجمهور تفاعل معنا وكأننا في غزة نفسها.. أحد المشاهدين طلب التبرع بذهب زوجته على الهواء.

  • عبد الحق بوطالب، معد البرنامج في استوديو الجزائر.

كانت هذه اللحظة من عمر التلفزيون العربي لحظة كرامة، وعزّ، ووحدة.

  • د. محمود الشناوي، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، ومراجع لاحقًا لرسالة الدكتوراه.

نتائج تحليل ميداني (تلخيص مرفق من دراستك الأكاديمية):

  • أكثر من 78% من العيّنة المستطلعة في 6 دول عربية أكدوا أن البرنامج (أعاد الثقة بالإعلام العربي).
  • 65% قالوا إنهم شعروا (لأول مرة أن هناك قضية قومية تم تقديمها بإجماع إعلامي).
  • 90% ممن شاركوا في التبرع أرجعوا قرارهم إلى التأثر بالمحتوى المعروض خلال البث.
  • هذه المبادرة لم تكن مجرد تجربة إعلامية، بل كانت درسًا في ما يمكن أن نصنعه عندما نضع (الوجدان العربي) في قلب الصورة لا على هامشها.
  • كان ذلك البث المشترك حدثًا عابرًا في التاريخ، لكنه متجذّر في الذاكرة، وسابقة لم تتكرر حتى اللحظة، وشهادة حيّة على أن الإعلام، حين يتحرّك من أجل الحق، يستطيع أن يهزّ الأرض ويصنع الأمل.

(كوادر عربية وراء الكواليس – نُواب المبادرة وأبطالها المجهولون).

في قلب كل مبادرة إعلامية قومية كبرى، هناك أسماء تعمل بصمت، وتُنجز الكثير دون أن تظهر في الواجهة. وفي مبادرة (يوم التضامن مع غزة) – تلك الملحمة الإعلامية الفريدة التي شاركت فيها 52 قناة من 15 دولة عربية – كان لي شرف الاعتماد على خمسة عشر نائبًا من الاتحاد العام للمنتجين العرب، ممثلين عن كل دولة عربية شاركت في البث المشترك، وهم من صنعوا الفارق الحقيقي على أرض الواقع.

هؤلاء الكوادر لم يكونوا مجرد حلقة وصل، بل كانوا العصب النابض الذي جعل من المستحيل أمرًا ممكنًا.. تولّوا بإخلاص إعداد الاستوديوهات، تنسيق المحتوى، ترتيب الضيوف، توحيد الهوية البصرية، وضمان سلامة البث في كل بلد.. لقد نفذوا التعليمات بدقة، وأضافوا من خبراتهم ومهاراتهم ما زاد العمل جمالًا وانسجامًا.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الإعلام (16).. (خالد شبانة) والتضامن مع غزة
الاتصال المباشر والمستمر تليفونيا بي طيلة الـ 12 ساعة كاملة للبث

من بعض مهامهم:

  • الاتصال المباشر والمستمر تليفونيا بي طيلة الـ 12 ساعة كاملة للبث.
  • ضبط الاستوديوهات على (وحدة ديكور) موحدة في الشكل رغم تنوع البيئات المحلية.
  • الإشراف على مقدمي البرامج المحليين وضيوف كل دولة.
  • مراعاة الخصوصية الثقافية والسياسية مع الالتزام التام بوحدة المحتوى.
  • تأمين البث والتنسيق مع الفرق الفنية والهندسية لكل قناة.

ولعل من أهم ما يميزهم أنهم كوادر ميدانية مثقفة ومؤمنة برسالة الإعلام القومي، وهم الذين كنت ولا أزال أعتمد عليهم في معظم المبادرات الإعلامية ذات الطابع التربوي أو الاجتماعي، خصوصًا تلك التي تتجاوز البُعد المحلي إلى الأفق العربي الواسع.

إن الفضل لا يُنكر لهؤلاء النواب، فقد كانوا شركاء في إعداد وتنفيذ هذه المبادرة التي تحوّلت لاحقًا إلى رسالة دكتوراه بعنوان:

(تأثير آليات البث المشترك في تشكيل الوجدان العربي تجاه القضايا القومية).. دراسة ميدانية وتحليلية لأثر الإعلام العربي المشترك في زمن الانقسام.

لكل هؤلاء النواب، الذين لا يسعني هنا ذكر أسمائهم كاملة في هذا الفصل، لهم مني التحية والوفاء، وسأذكر كلًا منهم بالاسم في ملحق خاص، عرفانًا بدورهم، وحرصًا على توثيق هذا الجهد الجماعي غير المسبوق.

* رئيس اتحاد المنتجين العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.