
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
تذكرني واقعة المطرب (راغب علامة) والقرار التاريخي العبثي لنقيب الموسيقيين مصطفى كامل بمشهد في أحد الأفلام الدينية لا اتذكر اسمه، لكنه كان يعرض دائما في رأس السنة الهجرية أو المولد النبوي، عندما كنا أطفالا.
في ذلك المشهد يحاول أحد كبار المشركين تأليب العبيد على دعوة نبي الإسلام محمد، فيقيم مؤتمرا جماهيريا حاشدا للعبيد في باحة مهيبة بمكة، ويأتي بأحدهم على المنصة، إذا جازت التسمية ليسأله أحدهم أمام حشد من العبيد الغاضبين (من قتل أباك؟).
يرد العبد (خزاعة)، يعود ليسأله (من قتل أمك؟) مرة ثانية، يجيب العبد (خزاعة)، لكن الشريف الكافر يفاجئنا جميعا عندما ينهي الحوار بهتاف يقول فيه (إذن فالويل لمحمد!).
لم أفهم وقتها ما هو الرابط بين تورط (خزاعة) في قتل والدي العبد وبين إعلان الحرب على سيدنا محمد، ربما كان هدف المؤلف إظهار تربص المشركين بالدعوة وصاحبها، لدرجة تأليب الناس ضده بأدلة عبثية مثل تلك التي ظهرت في ذلك المشهد.
نفس العبثية غلفت حيثيات ومبررات القرار العبثي لنقيب الموسيقيين في منع المطرب (راغب علامة) من الغناء في مصر، واستدعائه للتحقيق في الصورة التي انتشرت له وهو يتعرض لقبلة من إحدى المعجبات، خلال أو بعد حفل له في الساحل الشمالي.

حامي حمى الفن
أفهم أن يصدر قرار مثل هذا إذا كان (راغب علامة) هو من تحرش بالفتاة أو قبلها رغما عنها مثلما فعل مثل (روبياس) رئيس الاتحاد الأسباني لكرة القدم مع لاعبة منتخب (لاروخا)، حين فاجأها بقبلة في فمها خلال الاحتفال بالفوز بلقب بطولة أوروبا لمنتخبات السيدات.
لكن أن يتجاهل السيد النقيب الواقعة ويغض الطرف عن تصرف الفتاة التي كانت من بادر بتقبيل المطرب اللبناني (راغب علامة)، مثلما فعل عشرات المعجبين مع فنانين ومطربين آخرين قبل ذلك، ويقرر النقيب معاقبة المجني عليه بدلا من معاقبة الجاني،
فذلك هو التصرف الغريب الذي لا يختلف كثيرا عما فعله كافر قريش.
كان يجب على النقيب الأمر بالتحقيق مع الجهة المنظمة للحفل لبيان مسؤوليتها عن تأمين المطرب من احتكاك الجمهور به سواء وهو على المسرح يؤدي فقرته، أو في طريقه للخروج من المكان بالكامل متوجها الى سيارته.
يمكن تفهم وكذلك احترام رغبة (كامل) في الظهور بمظهر حامي حمى الفن والموسيقى المصرية، منذ أن نجح في مطاردة النقيب السابق (إيمان البحر درويش) في أروقة النقابة، حاملا مسدس في عام 2012، في واحدة من الوقائع التي لا يمكن إزالة ما تركته من إساءة على جبين الفن المصري.
لكن في المقابل على النقيب إدراك أن ثقافة التفهم والاستيعاب هى التي يجب أن تكون هى السائدة في إدارته لنقابة تخاطب الإحساس والذوق، وليس التهديد بالقتل والمنع والحرمان وحمل المسدسات، لأن ذلك لا يليق بنقابته.

التصرف مع (عمرو دياب)
وإذا كان النقيب والنقابة مستيقظين بهذا الشكل المشرف ويتابعون ما يجري في الحفلات الغنائية التي تقام في مصر، لضبط أي خروج على النص يحدث فيها، فهل يمكن أن يخبرنا ماذا كان تصرفه مع (عمرو دياب) بعد انتشار فيديو له وهو يصفع معجبا على وجهه، حين حاول التقاط صورة معه في حفل زفاف؟!
أم أن (مصطفى كامل) يختصر دور النقابة في الحفاظ فقط على عفة الحفلات الموسيقية ومن يغنون فيها وكذلك من يحضرونها من الجمهور؟!، وكأن هناك من منحه صكا للإشراف على الأخلاق في الحفلات الفنية؟!، وهل ذلك منصوص عليه في لائحة النقابة، أم أن النقيب يسعى لتحويلها الى هيئة جديدة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
وفي هذه الحالة ربما عليه أن يبتعد هو أولا عن الفن والموسيقى وكل ما يتعلق بهما، سواء التلحين والغناء اللذين يعمل بهما وهما مصدر دخله، أو تصدر المشهد الموسيقي في مصر من خلال توليه منصب نقيب الموسيقيين.
اذا كان كلامي هذا يحمل قدرا من القسوة فهي قسوة الناصح قبل أن يصل غيري إلى نتيجة أخرى مدفوعا بفكر تآمري فيرى في تصرف نقيب الموسيقيين خطوة (مدفوعة مسبقا) لإبعاد المطربين العرب عن القاهرة، وتحويلهم إلى عواصم عربية أخرى مجاورة.
وبالتالي إفقاد مصر جاذبيتها وسمعتها التي اكتسبتها على مدى السنوات من كونها هوليوود الشرق، ضمن المخطط الذي يجري تنفيذه منذ سنوات ويهدف لتجريدها من أحد أهم مصادر قوتها الناعمة.