رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
نشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية تقريرا عن رغبة هؤلاء المشايخ المزعومون
(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

فجأة ومن دون مقدمات، تسابقت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية لتسليط الضوء على رغبة 5 مشايخ من جبل الخليل  بالضفة الغربية المحتلة يريدون إنشاء (إمارة الخليل) بالتوافق مع اليمين الإسرائيلي، فى فصل جديد من فصول التعاون بين تل أبيب وواشنطن للتآمر على الشعب الفلسطينى.

بداية نشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية تقريرا عن رغبة هؤلاء المشايخ المزعومون، في خطوة ضد السلطة الفلسطينية وضد الشعب الفلسطينى، وعلى الفور أشاع بعض متابعي الشأن الفلسطيني تقديرات بانتقال ظاهرة  المدعو (ياسر أبو شباب) – المدعوم من الإحتلال الإسرائيلي في القطاع – من غزة إلى الضفة الغربية.

من دون تلميح إلى هامشية هؤلاء (المشايخ) من جهة، وحتى من دون ربط التقرير بزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) إلى واشنطن في اليوم ذاته.

ولا تقل أهمية عن ذلك حقيقة أن (نتنياهو) يعتزم قيادة دعوات لربط قضايا متعددة، ليس فقط بشأن مصير الحكم في قطاع غزة، بل أيضا لدفع مطالب فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة من الضفة الغربية، وفور أن انتشر التقرير وتلقفته وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية.

وشاع خبره في الأوساط الفلسطينية، دانت هذه الأفكار، وتبرأت من أصحابها، الزعامات العشائرية الفلسطينية، ليس فقط من (عائلة الجعبري)، بل شمل ذلك أيضا زعامات العشائر الأخرى في جبل الخليل.

إذ شددت هذه الزعامات كلها على أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني، وتطمح مثل الجميع لقيام دولة فلسطينية مستقلة تحقق المطامح الوطنية، كذلك فهِم كثيرون دوافع توقيت نشر هذا التقرير، وأنه ليس بعيدا عن الإيحاء بوجود أفكار مختلفة للحل السياسي، غير حل الدولتين.

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
(وديع الجعبري)

المدعو وديع الجعبري

يتصدر هذه الدعوة المقيتة المزعومة شخص يدعى الشيخ (وديع الجعبري)، وهو أحد الشخصيات المثيرة للجدل في الخليل، وقُدمت لوزير الاقتصاد الإسرائيلي (نير بركات)، الذي استضاف الشيوخ في منزله، والتقاهم أكثر من 10 مرات منذ فبراير الماضي، إذ يطلبون منه إحالة الرسالة إلى رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، وينتظرون رده.

وجاء في الدعوة: ستعترف (إمارة الخليل) بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وستعترف دولة إسرائيل بـ (إمارة الخليل) كممثل للسكان العرب في قضاء الخليل، وهناك كلام عن مشروع اقتصادي لتشغيل أهالي المنطقة في إسرائيل، ضمن نوع من السلام الاقتصادي الذي طالما دعا إليه (نتنياهو).

سرعاً ما أن تلقف الفكرة عضو الكنيست (أوهاد طال)، رئيس كتلة الصهيونية الدينية، الذي قال إن (الوطنية الفلسطينية خرافة، ولا تُجسّر الفجوات الثقافية والقبلية بين عرب نابلس وعرب رام الله والخليل، لقد أخفقت اتفاقيات أوسلو، ويجب تفكيك السلطة الفلسطينية الإرهابية، وتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

وإقامة تعاون مع شيوخ المنطقة، مع تجريد هذه المناطق من السلاح والنزعة النازية. ثمة فرص عظيمة تنتظرنا، وعليه فمن الواضح أن الدعوة لإنشاء (إمارة الخليل) ليست نبتا من دون تربة، ولم تنطلق من دوافع تعني المشايخ آنفي الذكر، وليست من بنات أفكارهم.

كما أن صحيفة (وول ستريت جورنال) ذاتها في تقريرها لم تخف الجهات التي تقف خلفها، وبينها رئيس مجلس المستوطنات في الضفة، (يوسي داغان)، ووزير الاقتصاد من حزب الليكود (نير بركات)، وقد أشار التقرير إلى الشخصين بالاسم وإلى علاقاتهما مع (المشايخ) المذكورين وإلى طموحاتهما في القضاء على السلطة الفلسطينية واعتبارهما الدولة الفلسطينية – أيا كانت – شرا مستطيرا.

كما أن صحيفة (معاريف) وغيرها من الصحف الإسرائيلية رأت في ذلك جزءا من محاولات إسرائيل لتفكيك السلطة الفلسطينية، والتشكيك في مستقبلها ومدى قبولها من الشارع الفلسطيني.

وذكرت (معاريف) أن الحكومة الإسرائيلية تُجري أيضا محادثات مع شيوخ وقبائل أخرى في جميع أنحاء الضفة، بهدف جلي: (إظهار أن المجتمع الفلسطيني ليس كيانا واحدا، وأن هناك اختلافات كبيرة في اللغة والثقافة والهوية بين سكان الخليل ونابلس وجنين ومناطق أخرى.. كل مدينة كبيرة تحكمها عائلات وقبائل مركزية، تتمتع بسلطة اجتماعية وسياسية كبيرة، ويمكنها أن تُشكّل قيادة محلية).

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
بعض المنتمين إلى اليمين السياسي في إسرائيل يرون في المبادرة فرصة لتفكيك السلطة الفلسطينية تدريجيا

الانقلاب على السلطة

وأضافت الصحيفة أن أحد السيناريوهات المحتملة للحل الشامل – في نظر اليمين – يتمثل في الاعتراف السياسي بإمارات محلية، ستعترف بإسرائيل، مقابل السيادة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة (ج) والمناطق غير المأهولة في المنطقة (ب).

وأوضحت أن بعض المنتمين إلى اليمين السياسي في إسرائيل يرون في المبادرة فرصة لتفكيك السلطة الفلسطينية تدريجيا، من دون فراغ حكومي أو الحاجة إلى تنازلات إقليمية من جانب إسرائيل.

المثير للسخرية هو أن رسالة المشايخ طالبت بوضع جدول زمني للمفاوضات للانضمام إلى (اتفاقيات أبراهام)، والتوصل إلى ترتيب (عادل وسليم) ليحل محل اتفاقيات أوسلو، التي يقولون إنها (لم تجلب سوى الضرر والموت والكوارث الاقتصادية والدمار).

ويقولون إن اتفاقيات أوسلو، الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، (جلبت لنا السلطة الفلسطينية الفاسدة، بدلا من الاعتراف بالقيادة التقليدية والأصيلة – العشائر).

وهذه أيضا حجة الوزير الإسرائيلي (بركات) بأن عملية السلام القديمة قد فشلت، ومن ثم فإن (هناك حاجة إلى تفكير جديد)، وهو يتصرف بعلم الحكومة الإسرائيلية، ونتنياهو يدعم المبادرة بحذر، لكنه ينتظر ليرى كيف ستتطور، وحسب (بركات)، فإنه الآن، بعد أن قدم (الشيخ الجعبري) هذه المبادرة علنا، يبدو أن الوقت ينفد.

كما يشار في ذات السياق، وكدليل على أن الأمر ليس بالهزل، بل يآخذ حيز كبير من التفكير الإسرائيلي والأمريكي، أوضح (كوبي ميخائيل)، الباحث في معهد (ميسغاف للأمن القومي الإسرائيلي)، في سياق تحليل له (أن  مبادرة بعض قادة العشائر في مدينة الخليل بالانفصال عن السلطة الفلسطينية، والاعتراف بإسرائيل تسعى لتعاون اقتصادي واسع النطاق مع إسرائيل مقابل الاعتراف بهم كممثلين للسكان والمنطقة.

ومقابل التزامهم بمحاربة المقاومة، وعدم دعمها، وتم التوقيع على هذه الوثيقة من قبل قادة محليين يمثلون نسبة من سكان مدينة الخليل، الأكبر في الأراضي الفلسطينية من حيث المساحة وعدد السكان، وتم نقلها كوثيقة رسمية عن طريق وزير الاقتصاد الاسرائيلي (نير بركات) إلى رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو).

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
خريطة لجعرافيا الإمارة المزعومة

مبادرة مماثلة للحكم الذاتي

مشيراً إلي أن بيانا شهدته الأراضي الفلسطينية نشر مؤخرا عارض المبادرة، ورفضها، ولعلها تحركاً مضاداً من جانب السلطة الفلسطينية، التي تخشى هذا النوع من المبادرات، وتعتبره تهديدا حقيقيا لبقائها، وتخشى من توسع الظاهرة لمناطق إضافية، وتطور ديناميكية قد تخرج عن السيطرة، خاصة في حال تبنّتها الحكومة الإسرائيلية، وربما أيضاً الإدارة الأمريكية.

وأوضح أنه (منذ حرب 1967، شهدنا عددا من المبادرات المشابهة، معظمها بقيادة إسرائيل، حتى أن وزير الدفاع الأسبق (موشيه ديان) التقى عددا من الزعماء الفلسطينيين المحليين، وطرح معهم مبادرة مماثلة للحكم الذاتي المحلي، وفي وقت لاحق، نتذكر مبادرة جمعية القرية التي أطلقها البروفيسور ميلسون، وشجعها وزيرا الحرب السابقَين (حاييم وايزمان وأريئيل شارون)، ولكن تم إحباطها في وقت لاحق.

وبين أنه (هذه المرة، يتعلق الأمر بمبادرة محلية، رغم أنها ولدت وتطورت نتيجة حوار بين الوزير نير بركات وزعماء محليين في المنطقة، وتم تقديمها كمبادرة مستقلة، وتبرر الانتقادات اللاذعة للسلطة الفلسطينية، وفسادها، وسوء أدائها، وفشلها في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، مع أن الدافع وراء هذه المبادرة، من بين أمور أخرى، هو اليأس الذي يشعر به أصحابها إزاء احتمال التغيير.

ورأى أن محافظة الخليل تتميز بشكل أكثر بروزًا من غيرها من محافظات الضفة الغربية، بتمردها وعنادها واستقلاليتها، وهى محافظة كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان، ارتبطت على مر السنين بارتباط عميق بالقبائل البدوية والمملكة في جنوب الأردن.

وأصبحت على مر السنين مركز قوة مهم وخطير بالنسبة لحماس، ولم تقبل عائلاتها الكبيرة السلطة الفلسطينية بشكل كامل، وكانت تعمل في ظل زعماء القبائل/ العشائر الكبيرة، مع حرصها على الحفاظ على استقلال المحافظة، وسلوكها.

وأشار إلى أن (هذه الخطوة التي اقترحتها مجموعة من الزعماء المحليين تهدف لأن تؤدي فعليا لإنشاء حكم ذاتي غير تابع للسلطة الفلسطينية، وتتوافق مع فكرة الإمارات التي طرحها المستشرق مردخاي كايدر، لكنها أيضاً مستقلة بذاتها، ومن المشكوك فيه إلى حد كبير أن يتحقق هذا الهدف في النهاية.

ولكن حتى لو لم يتحقق، فمن المؤكد أنه مهم ومؤثر، لأن تأثيرها الأساسي هو تطبيع الأفكار أو النماذج البديلة لنموذج الدولتين بروح اتفاقات أوسلو، التي فقدت صلاحيتها، وتتطلب نموذجا جديدا ليحل محلها.

(إمارة الخليل).. وفخ الإعلام الإسرائيلي !
إقامة اتحاد فلسطيني ضعيف يتكون من إقليمين في غزة وأراض في الضفة الغربية

خطة الرئيس دونالد ترامب

وأكد أنه (على النقيض من نموذج الدولتين بروح اتفاقيات أوسلو، فإن نماذج بديلة آخذة في الظهور، مثل خطة الرئيس دونالد ترامب للهجرة الطوعية في غزة، ونموذج الحكم الذاتي الإقليمي، وصفقة القرن، وأفكار لمعالجة التطلعات الوطنية الفلسطينية في إطار البنية الإقليمية الجديدة، التي ليس جوهرها بالضرورة دولة فلسطينية بروح التطلعات الحالية للقيادة الفلسطينية.

وضرب على ذلك مثالا من خلال (إقامة اتحاد فلسطيني ضعيف يتكون من إقليمين في غزة وأراض في الضفة الغربية، دون اتصال مادي بينهما، وقد يصبح فيما بعد جزءاً من اتحاد كونفدرالي أردني فلسطيني).

موضحاً أن (أهمية المبادرة لا تكمن بفرص تنفيذها، وهى ليست عالية، بل في النفوذ الذي تخلقها في مواجهة السلطة الفلسطينية، وعندما تصبح هذه الأفكار جزءاً من الخطاب، فإن المطالبة الثابتة بدولة مستقلة، بروح التطلعات الوطنية للقيادة الفلسطينية، تضعف وكأنها الخيار الوحيد، وهو ما يصبح أيضاً، ظاهرياً، نوعاً من العقبة أمام توسيع اتفاقيات إبراهيم وعمليات التطبيع).

وأشار  إلى أنه (في ظل الخيارات الإضافية، تتسع آفاق الاحتمالات ومجال المناورة أمام إسرائيل ودول المنطقة والولايات المتحدة في صياغة الاستجابة للتطلعات الفلسطينية، وبدلاً من ذلك، فإن المبادرات من هذا النوع ستتطلب من السلطة الفلسطينية أن تقدم التزاماً كبيراً وأكثر إلزاماً بعمليات الإصلاح المتوقعة منها.

وليس لإسرائيل أن تتطرق لهذه المبادرة، بل يمكنها أن تكتفي بتأكيد حقيقة وجودها، لأن الموافقة عليها قد يؤدي لخلق نفوذ إضافي لها في تعاملاتها مع السلطة الفلسطينية.

وأضاف أنه (من المهم التأكيد على ما قيل عن محافظة الخليل باعتبارها إحدى مراكز القوة المهمة والخطيرة لحماس في الضفة الغربية، وإن قيام زعماء محليين يمثلون أغلبية كبيرة من سكانها بقيادة هذه المبادرة يعد بمثابة تحدي لحماس أيضاً، وله القدرة على إضعافها، وقدرتها على توسيع صفوفها في المدينة).

خالصاً في هذا السياق إلي أنه حتى لو كان هناك من يقول إن هذه مبادرة لا معنى لها، فمن المهم فهمها في سياق الزمان والمكان والتغيرات الجيوستراتيجية التي حدثت منذ السابع من أكتوبر، وبعد الهجوم على إيران، ومع تنامي فرصة تعميق التغيير في البنية الإقليمية وتعميقها مع قيام إسرائيل، بدعم من الإدارة الأمريكية، بتثبيت مكانتها كمحور مركزي في هذه البنية.

إجمالاً: يمكن التأكيد على أن هكذا ثمة مناورة إسرائيلية جديدة أمام ترامب هذه المرة للالتفاف على الهوية الوطنية الفلسطينية والتهرب من استحقاقات ذلك عبر إغراء (مشايخ) لا يمثلون حتى أنفسهم – في الغالب – بإمارة في الخليل، التي كانت ولا تزال موطن الوطنية الفلسطينية وقلعتها.. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.