
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
(ست) في نظر المصريين القدماء؛ هو طاغية اغتصب عرش مصر وانهار بالدولة الحضارية التي أسسها أوزير، وأصبح الشعب المصري في فقر ومهانة ، إذ أن كل ما يعني (ست) الجلوس على عرسي الحكم ، بصرف النظر عن مصلحة مصر والمصريين.
وتعامل المسرح المصري على إظهار صورة الانتقام من هذا الطاغية (ست)، من خلال فن التمثيل، المعتمد على الجهاز الحسي لدى المشاهد، والجهاز الحسي هو مجموعة الحواس الخمسة، والذهن ، والشعور لدى المشاهد والفنان.
وتعرض المسرح المصري إلى تقديم صورة تمثيلية، تعرض هلاك الطاغية والتخلص من استبداد (ست) وإرجاع مصر إلي صورتها الحضارية، وهذا قد تم في مسرحية (انتصار حورس)، وفي هذا العرض يتم التعرض إلي التخلص من هذا الطاغية عن طريق (حورس).
من خلال المواجهة المباشرة في معركة حامية الوطيس بين الاثنين، فلم يتعرض حورس إلي فعل مؤامرات للتخلص من (ست)، كما فعل (ست) الذي اغتصب الحكم عن طريق المؤامرات والدسائس من أخيه (أوزير) دون مواجهة مباشرة مع أوزير.
فالعرض يتعرض إلي الحل السياسي الناجح في التخلص من الطاغية الخسيس (ست)، عن طريق المواجهة المباشرة المتمثلة في البطل (حورس)، بمعاونة أمه، وشعب المستنقعات الذى تربى بينهم (حورس)، ونتعرض إلى بعض الأمثلة لنتعرف على الطريقة التمثيلية الحسية، التي تفذ إلي الجهاز الحسي للمشاهد:

مشهد الحافز الأمومي
إيزيس: لقد نذرت ثوبا لإلهة المراعي
وإلى ربات الصيد: تابت وشدت وسوتيس وجايت
ثبت رجليك ضد هذا الفرس النهري، واقبض عليه بيدك
وإن كنت قد اصبحت تابعا فلسوف تقضى على هذا الأذى
وتسئ معاملة الذى أساء معاملتك
أي حور ولداه
فلتمضي على الشاطئ في يسر دون أن توقفك عقبات.
في هذا المشهد يتعامل العرض على حاسة البصر والذهن لدى المشاهد، فيقدم الأم المحفزة لابنها، لكي يقوم بمحاربة هذا الوغد ست بطريقة مباشرة، ونلحظ أن (إيزيس)، تحفزه على المواجهة المباشرة، وتضع له بعض النصائح القتالية لهذه المواجهة.
فتنصحه بتثبيت قدماه، وأن يقبض عليه بقوة، وتقول له سر على الشاطئ دون أن توقفك عقبات، وهذه العبارة الأخيرة تعني أن يسير على الشاطئ أمام الجميع ليواجه هذا الرعديد الخسيس (ست)، ليكون الانتقام منه أمام الجميع (المواجهة المباشرة).
وهذا المشهد يدخل إلي المشاهد عن طريق حاستي السمع والبصر، ليحلله في ذهنه، ويعرف أن الطريق الصحيح للقضاء على الطاغية هو المواجهة المباشرة، ويرى أم البطل (حورس) تحفزه، وترسم له الخطط وتكمل المشهد :
ولتعبر الماء دون أن يسوخ الرمل تحت قدميك، و دون أن يجرحهما الشوك
أو يظهر وحش الماء حتى يحس بقوتك
وتغيب حربتك في جسده
أي حور ولداه
ها أنت على شاطئ لا أعشاب به
وعلى ضفة نهر لا ينمو فيه العوسج
ستطير سهامك وسط النهر
كما تطير أوزة وحشية إلى وليدها.
أطلق.. أتوسل إليك.. وسط النيل
وأغرس حربتك فيه
أي حور ولداه
وهكذا يتعرض الجهاز الحسي لدى المشاهد إلي التحفيز في الوقوف في مواجهة الطاغية، فالمشاهد يرى الحل عبر الأم وابنها، ولكن ما دور الشعب في هذه المواجهة؟ بالطبع لا، لابد للجميع مواجهة هذا البغيض، وفي براعة مدهشة قدم المؤلف شعب المستنقعات في صورة الجوقة، وهذا الشعب ساعد حورس ، كما فعلا أمه:
مشهد الشعب يحفز حورس:

فرقة المغنين (الكورس – الجوقة)
إن حليك المتخذة من شعر النعام لجميلة
وكذلك أحبولتك التي هي أحبولة الإله ) مين)
وسهمك الذي هو سهم حربة الإله أنوريس
وذراعك كانت أولى من رمى بالمقمعة..
وهؤلاء الذين على الشاطئ يفرحون عند رؤيتك
كما يفرحون عند طلوع الزهراء في أول العام
وعندما يشاهدون أسلحتك تمطر في وسط النهر
كأشعة القمر عندما تكون السماء صافية.
وإن (حور) في قاربه مثل ونتي حينما يبطش بأفراس البحر من سفينته البحرية
فرقة المغنين والمتفرجين:
اقبض بشدة يا حور، اقبض بشدة!
ومن هذا المشهد ينفعل الجهاز الحسي لدى المشاهد، ويحلل الذهن تلك الصورة، ويعين المشاهد أن البطل المحارب في مواجهة هذا المغتصب اللعين؛ لن تتم دون معاونة شعبية حقيقة للبطل، ويتصاعد الغضب الشعبي محفزا حورس:
حور : إن المقمعة الثانية قد ارتشقت بشدة] في جبهته، وشجت أم رأس الأعداء هكذا..
فرقة المغنين: اقبض بشدة على المقمعة.
وتنفس هواء خميس يا سيد مسن و يا آسر فرس البحر و يا خالق السرور
والصقر الطيب الذي ينزل قاربه ويسبح في النهر في سفينته الحربية رجل أول ورقة بشنين.. حور المحارب، ورجل أول ورقة بشنين.
وأولئك الذين في الماء يخافونه
والوجل منه في قلوب الذين على الشاطئ
أنت يا مخضع كل واحد، وأنت يا من.. قوي
والخبيث الذي في الماء يخافك
وإنك تضرب وتجرح كأن حور هو الذي يرمي بالخطاف
والثور المنتصر رب البطولة
وإن ابن( رع )قد عمل لحور كما عمل حور نفسه (حقٍّا
أن ابن رع قد عمل بالمثل
دع مخالبك تقبض المقمعة الثانية.
فرقة المغنين والمتفرجين: اقبض بشدة يا حور.. اقبض بشدة!
وفي هذه الصورة الثانية لتحفيز الشعب لحورس، تنفعل جميع الحواس لدي المشاهد ، ويعي بذهنه الحدث ، ويعرف أن له دور في معاونة البطل الشعبي حورس ، وربما انفعلت مشاعر المشاهدين وصاحت قائلة (اقبض بشدة يا حور.. اقبض بشدة) وكأنهم مشاركين في العرض المسرحي.
ومن مسرحية (انتصار حورس)، قدم المسرح المصري القديم طريقة الحل السياسي في مواجهة الطغاة، وهى المواجهة المباشرة، وبهذا يكون المسرح المصري القديم من أوائل المسارح في العالم القديم الذي يقدم عرضا مسرحيا سياسيا يتضمن حلول في مواجهة الطغاة والمستبدين، ويقدم حل المواجهة المباشرة.