
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
الملهاة عرض مسرحي ساخر، يقدم بهدف السخرية من بعض الأحداث والشخصيات، وتقدم هذه العروض بهدف الإضحاك ، ولكن تحمل في طياتها أبعاد نقدية عميقة، وتكون تحذريه في أغلب الأحيان ، وقدم المسرح المصري القديم هذه العروض، وقدمها في صورة هزلية عن طريق (الجهاز الحسي).
ولكن هذه العروض كانت أبعاد تحذريه، من السلطة الحاكمة المستبدة، وقدم هذه الأعمال معتمدا على (الجهاز الحسي)، الذي كما ذكرنا من قبل مجموع الحواس الإنسانية والذهن والشعور، والترابط بين الجهاز الحسي للمثل والمشاهد في علاقة تأثيرية ، وقد وصل إلينا عرض هزلي يصور ست متخفي بقناع (أبو فيس) بهدف القضاء على رع وهو يبحر في قاربه، وإظهاره بصورة الغبي.
وعن تقديم هذا العرض من خلال (الجهاز الحسي) للمشاهد ، نتتبع هذا العرض في طريقة تقديمة للغباء السلطوي، الذي تمتع به (أبو فيس)، ومن أهم صفات الغباء عند (أبو فيس) هو التخفي، لكي لا يظهر شخصيته الأصلية فيكون ظهوره من خلال قناع، تخفي خلفه، حتي يخدع (رع) ويقضي عليه، ونضرب أمثال القناع وتأثيراته على حساسة البصر.
حاسة البصر وهيئة الشخصية:
(أبو فيس) ثعبان طوله مائة ذراع، فقد اختار (ست) قناع (أبو فيس) بغباء لا يحسد عليه، فعند ظهور شخصية (ست) المتخفي بقناع (أبو فيس)، لا يمكن أن تتناسق الصورة البصرية ، من حيث الحجم فقد اختار ست شخصية ثعبان ضخم الحجم، وهو قصير.
وعند ظهور تلك الشخصية بهذه الطريقة سوف تنفعل حاسة البصر عند المشاهد، وتتأثر بتلك الصورة الغريبة، وعندما تنتقل إلي ذهنه سوف يبدأ في التحليل بين الصورتين بالعمل الذهني لدي المشاهد يتولد الشعور بغباء شخصية (ست)، فيثير في نفس المشاهد السخرية منه ويتأثر وينفعل بالضحك.
ومن هذه الصورة التأسيسية للعرض، يعرف المشاهد أن السلطة الغاصبة من أهم صفاتها الغباء الشديد، ويتبه إلي القادم.
يزاد الانفعال البصري للمشاهد في المشهد التالي :

القبض على أبوفيس (ست)
الحارس القابض على (أبو فيس): إذا تكلمت مسخت الآلهة وجهك، وستنتزع الإلهة أنثي الفهد قلبك، وستشد وثاقك الإلهة العقرب، وستقوم إلهة العدالة بتعذيبك، وتسدد إليك الضربة القاضية.
(أو فيس يرتعش لا يستطيع النطق).
وفي هذا المشهد نري ارتعاش الشخصية، وعندما افتضح أمره، وسمع تهديد الحارس له، وفي هذا المشهد ينفعل المشاهد عن طريق الحوار الذي دار بين الطرفين وينتهي برؤيه ارتعاش (ست)، وتتصل حاسة السمع بالذهن عن طريق (الجهاز الحسي) لتحلل الكلمات التهديدية، وتمزج بالرؤية البصرية لمنظر (ست)، وتعرف أنه غبي وجبان، وهذا من صفات السلطة الاستبدادية التي عاشها ست في الماضي.
وفي المشهد التالي نري (ست) يدعي الجنون.
(أبو فيس) يصب للعنة على نفسه متنكرا: اسقط يا أبو فيس، اهبط يا أبو فيس يا عدو رع، إن ماذقته أقوى من المذاق الذي يبدو عذابا للإلهة العقرب، وإن ما أنزلته بك لشديد، ولسوف تعاني من معاملتها لك إلى الأبد، لن تفلت بعد ولن تهرب أبدا يا أبو فيس، يا عدو رع .
وفي هذا المشهد، يحلل ذهن المشاهد ما يراه وما يسمعه والكيفية التي يتصرف بها (ست)، ليعي في ذهنه صفه الجبن الدفينة بداخل نفس ست هذا الطاغية المستبد.
وهذا المشهد المؤلف الصري يدخل إلى (الجهاز الحسي) لشخصية ست ليظهر للمشاهد جبن هذ هذه الشخصية وكيفية تصرفه عند افتضاح أمره، مما ينفعل يجعل المشاهد يدخل في حالة من التأثيرية الضاحكة، على هذه الشخصية التي تظهر القوة وبداخلها ضعف وجبن.
ويتصاعد المشهد: لنرى ست (يخاطب نفسه في حالة من المسكنة).
(أبو فيس) مخاطبا نفسه: أدر وجهك فإن رع يفزع من رؤيتك.
إلى الوراء يا من يستحق رأسك أن يقطع ووجهك أن يشوه.
فليحطم رأسك من يأتي على جوانب الطرقات، وليكسر عظامك من يقيم على الأرض وليمزق لحمك، وليسلمك إلى إله الأرض، يا (أبو فيس) يا عدو رع.

هل هذا (ست الطاغية)
وبهذا المشهد ينتقل المؤلف بالمشاهد ليدخل إلى (الجهاز الحسي) لكي يتعرف على طريقة المسكنة التي يظهرها المستبد عن شعوره بقرب نهايته وافتضاح أمره، فيظهر التأثير على المشاهد، فينفجر ضاحكا، فهل هذا (ست الطاغية) الذي قتال (أوزير)، واغتصب الحكم، واستبد الشعب.
وينتقل المؤلف إلي صورة غير هزليه وفي قمة الجديدة، عندما يتم التعرف على هذا المحتل في المشهد التالي:
التعرف على خديعة ست وافتضاح أمره:
(أتوم) يقول: أرفعوا رؤوسكم يا جنود (رع) واطردوا هذا الجبان من صحبتنا.
(جب) يقول: انتبهوا أنتم يا من تشغلون أماكنكم على أنكم ملاحوا مركب خبري تقدموا للأمام وبأيديكم الأسلحة التي أعطيت لكم.
(حتحور) تقول: خدوا سيوفكم .
(نوت) تقول: هيا طاردوا ذلك الهلع الفزع.
وفي هذا المشهد يخاطب المؤلف جميع الحواس لدى المشاهد، وينبهه إلي ما يجب فعله مع هذه الشخصية حين ظهورها، وفي المشهد تتنبه الحواس ويحلل الذهن ما يري بالنسبة للمشاهد، فهذا (أدوم يحاربه، وجب، وحتحور، ونوت)، الجميع في مواجهة (ست) المستبد الجاهل.
وفي هذا المشهد يتأثر الشعور الداخلي للمشاهد ويتنبه إلي أن الشخص المستبد الغاشم، ما هو إلا كائن ضعيف جدا يستخدم بطشة لأنه جاهل ومعتصب للسلطة، ولا يحمل رؤي ولا تفكير بل تفكيره منصب أن يكون على رأس السلطة فقط.
وبهذه الطريقة تعامل العرض الهزلي في مصر القديمة مع (الجهاز الحسي) للمشاهد في إظهار صورة المغتصب للسلطة لست، وتحليل شخصيته تمثيلا، وعلى المشاهد إعمال ذهنه لتذكر (أوزيريس) الحاكم العادل المحب لشعبه الذي علمه الكثير من زراعة، علوم فلكية.. إلخ، حتى وصل به إلي تكوين مدينته الحضرية، واستقرارها.