
* الصحفي محمد بديع سربية وتداعيات خبر زواج بليغ وصباح
* جنّد (موسى صبري) عدداً من الصحفيين لفتح ملف شائك بدا ظاهرياً دينياً واجتماعياً

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *
في لحظة تجلٍّ صحفي لا يُشبه سواها، أمسك (محمد بديع سربية) قلمه، لا ليكتب مجرد خبر، بل ليصنع من جلسةٍ فنية عابرة، سهرةً قومية، ومن طرفةٍ على الهامش، بيانًا رسميًا يتناقله الوسط الفني والاجتماعي والديني كما يتناقل العشاق أسرارهم.
وللتاريخ، فإن (محمد بديع سربية)، هو رائد الصحافة الفنية اللبنانية والعربية، وصاحب المدرسة الأولى في صناعة الخبر الفني، لم يكن مجرد ناقل للحدث، بل صانعًا له.
حاك قصصًا، رتّب مواقف، التقط اللمحات، ونفخ فيها من خياله وخبرته حتى غدت واقعًا اجتماعيًا أو فنيًا يغيّر مصائر نجوم، ويعيد تشكيل صورتهم في وجدان الناس بأخبارهم، لا بسيرهم الذاتية، كتب لهم مجدًا من حبر، وخلّدهم على صفحات المجلات قبل أن تخلدهم الشاشات.
ومن بين تلك الحكايات، ما جرى في تلك الليلة التي جمعت الموسيقار (بليغ حمدي) بالفنانة اللبنانية (صباح)، في سهرة ترفيهية بدعوة من المطربة (سميرة سعيد) جمعت بعض الأصدقاء بجلسات فنية بريئة.
ضحك ومزاح وتبادل الاخبار الفنية والمشاريع الإنتاجية بالعالم العربي، ورقة عابرة تحوّلت فجأة إلى عقد زواج عرفي، كنوع من المزاح الثقيل أو الخيال الفني الجامح، شهد على الورقة ثلاثة: (محمد بديع سربية، المنتج إبراهيم أبوذكري، والموسيقار هاني مهنا).
لكن ما كان مزاحًا ليليًا، صار في الصباح خبرًا صادمًا: (زواج بليغ حمدي من صباح)، وفي صباح اليوم التالي لهذه السهرة نسي كل الأطراف ما حدث في المساء.. إلا (محمد بديع سربية) والذي نشر على عدة صفحات من مجلته الموعد خبر زواج بليغ بصباح ومع الخبر صورة لعقد الزواج العرفي بينهما وتوقيع الشهود (محمد بدیع سربيه وهاني مهني وإبراهيم أبو ذكري).



(محمد بديع سربية) نشر الخير
منشور على صفحات مجلة (الموعد) مرفقًا بصورة من (العقد) وتوقيعات الشهود.. وحده (محمد بديع سربية) لم ينسَ ما جرى، بل خلّد اللحظة بمهارة (الصانع) لا (الراوي).
لم يكن أحدٌ من الحاضرين يدري أن هذا الزواج الباطل، سيفتح بابًا لجحيم من القصص الصحفية الدرامية، التي تحمل في طياتها الغيرة، والحب، والانتقام، والخسارات مقدمة لقصص صحفية درامية مرعبة ومخيفة.
وفي وقت هذا الزواج المازح بين (بليغ وصباح) كانت هناك قصة حب عنيفة تدور في كواليس الصحافة والفن، بين الكاتب الكبير (موسی صبري)، الذي يشغل رئيسا لمجلس إدارة (أخبار اليوم) والمطربة اللبنانية (صباح).
أو بالأصح هذا الخبر المنشور بالموعد بقلم الساحر (محمد بديع سربية) أحيا قصة حب قديمة تعود الى الستينات بين الشاب موسی صبري نائب رئيس تحرير الأخبار في ذلك الوقت والفتاة الشابة الجميلة الوجه الجديد القادم من لبنان صباح الفتاة اللبنانية التي تُدهش كل من رآها.
وانتهت القصة آنذاك كما تنتهي القصص في الزمن الخطأ، لكن في تلك الأيام، كانت شرارتها تعود للاشتعال وبعنف بعد أكثر من ثلاثين سنة، وكانت هذه القصة مصدر تندر من الكاتب الراحل (مصطفى شردي) رئيس تحرير الوفد، والذي كان في معركة طاحنة مع (موسي صبري)، فقد كان صديقا وعاشقا للمطربة (صباح) ويغار عليها من الهوا الطائر.
قرأ (موسی صبري)، خبر زواج بليغ حمدي و(صباح) في مجلة الموعد كمن يقرأ نعي قلبه.. شعر أن الجميع يتآمر عليه، واعتبر كل الأطراف يناصبونه العداء، وأن المسالة من أولها إلى آخرها ماهى إلا سهم قاتل لقصة حبه القديم لصباح والذي شعر برعشة تجديد الحب اللي كان.
وبدأت السهام تُصوَّب إلى قلبه، واحدة تلو الأخرى بعد أن رأى فيما جرى ليس مجرد واقعة عابرة أو سهرة خفيفة الظل، بل مؤامرة متقنة، مسرحها الفن وضحاياها الوجدان العام.. فببراعة صياد سياسي مخضرم، راح يبحث عن مدخل للهجوم المقنّع باسم الدفاع عن القيم.

حملة صحفية شرسة
شنّ (موسى صبري) حملة صحفية شرسة، استخدم فيها صحفتي الأخبار وأخبار اليوم، وجنّد عدداً من الصحفيين لفتح ملف شائك بدا ظاهرياً دينياً واجتماعياً، لكنه في العمق كان شخصياً بامتياز.
موضوع الحملة كان (الزواج الهزلي) أو (الزواج على سبيل المزاح أو التمثيل)، ذلك النوع من الارتباط الذي قد يتم وسط سهرة أو جلسة ترفيهية، دون نية حقيقية للزواج، لكنه يُعلن عنه، أو يُوثق أحياناً، في الوسط الفني أو عبر الصحافة، مما يثير تساؤلات دينية وقانونية.
ولأن الشبهات أُثيرت علناً، دخل الأزهر والكنيسة على الخط، لتوضيح موقف كل منهما من مثل هذه الزيجات، فاشتعلت الساحة بفتاوى وبيانات، واختلطت الآراء بين التحريم والتحذير، وامتد الجدل ليطال سمعة كل من شارك أو حضر أو وقّع، بما فيهم الشهود، الذين وجدوا أنفسهم وسط عاصفة تشكك في نواياهم، وتلوّث صورتهم في عيون المجتمع.
مع مرور الأيام تكشف أن الحملة لم تكن فقط بدافع أخلاقي أو ديني، بل حملت أبعادًا شخصية معقّدة، اختلط فيها الحب المرفوض بالغيرة، والرغبة في الانتقام بالسلطة الصحفية والسياسية، وأن الزفاف الهزلي لم يكن مجرد تصرف طائش، بل رمز لمعركة طبقية وفكرية بين النخبة المثقفة، ومراكز القوى التي تسيطر على الإعلام وتستخدمه لتصفية الحسابات.
لكن صاحب الحملة لم يكتفِ بذلك فقد وجه ضربة أكثر شراسة نحو الكاتب الصحفي الكبير (وجيه أبو ذكري)، شقيق المنتج المعروف (إبراهيم أبو ذكري)، الذي أُشيع أنه أنفق بسخاء على تلك السهرة، إكرامًا لفلانة وفلان، فصار الهدف الواضح للسهام الخفية.
(وجيه)، الذي كان أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة تحرير جريدة (الأخبار)، بفضل عموده اليومي المؤثر وضرباته الصحفية التي ساهمت في رفع توزيع الصحيفة، كان أمام خطوة تاريخية في مسيرته، والتقرير الخاص بترشيحه كان قد كُتب، وجاهز للإرسال إلى مجلس الشيوخ لتوقيعه من رئيس الجمهورية نفسه.
لكن الغيرة والحقد يكتبان أقدارًا أخرى فحين وقعت الرسالة بين يدي من أراد الانتقام، لم يتردد لحظة.. أمسك بالقلم كما يمسك الجرّاح مشرطه، وشطب اسم (وجيه أبو ذكري)، وكتب مكانه اسم صحفي آخر، أقل موهبة وأضعف تأثيرًا، لكنه أضمن في معادلة الانتقام.
وهكذا، سُحب الحلم في لحظة، وتم الاقتصاص من الشاهد، ومن المنتج، ومن الحب الذي ظن أنه ولد في قلبه، فإذا به يُجهَض بسكين الغيرة.

استبعاد (وجيه أبو ذكري)
على أن (وجيه أبو ذكري) لم يكن فقط ضحية لحملة صحفية، بل خسر فرصة تاريخية كانت ستنقله إلى منصب صحفي مؤثر كان سيغيّر من معادلات الصحافة وقتها.
ولم يكن استبعاد (وجيه أبو ذكري) مجرّد تصفية حسابات بسبب توقيعه كشاهد على وثيقة زواج، ولا انتقامًا مباشرًا من شقيقه المنتج (إبراهيم أبو ذكري)، بل كان أحد الشظايا التي طالت الجميع في معركة مفتوحة، امتدت جذورها إلى أكثر من واقعة، منها ما كان يخص (دعاء الكروان).. لا الرواية، بل المسلسل.
في عام من الأعوام التي كانت الدراما المصرية فيها تتشكل من جديد، بدأ المنتج (إبراهيم أبو ذكري) تصوير مسلسل (دعاء الكروان)، واختار للفنانة شيرين بطولة العمل.
وبعد تسعة أيام من التصوير، نشأت خلافات جوهرية لم يكن الفن وحده محورها، بل العلاقات الزوجية والمهنية المتشابكة.. فقد بدأ زوج الفنانة، المخرج محمد أسامة، بالتدخل في أسلوب الإخراج أثناء التصوير، مما أثار حفيظة المخرج الرئيسي (أحمد بدر الدين)، الذي اشتكى رسميًا من هذه التدخلات.
كان القرار صعبًا، لكنه ضروري: استُبعدت شيرين، واستُبدلت بالفنانة عفاف شعيب.. تقدّمت شيرين بشكوى لنقابة الممثلين، واتخذت القضية بُعدًا إعلاميًا حادًا، خاصة بعدما تولى (موسى صبري)، رئيس تحرير (أخبار اليوم)، الدفاع العلني عنها، وكتب في عموده اليومي مقالات منحازة بصورة فجة ضد (إبراهيم)، مُصوّرًا الأمر على أنه طرد تعسفي للفنانة، وطمس لحريتها الفنية.
تحولت المقالات إلى ما يشبه (رسائل تشهير علنية) قد يطولها نصوص القانون المصري في قضايا القذف والسب العلني عبر وسيلة إعلام، لكن موسى صبري كان يتمتع بحصانة غير مكتوبة، بحكم منصبه وقربه من دوائر النفوذ.
أما في ساحات القضاء، فكانت كلمة الفصل للعدالة كسب (إبراهيم أبو ذكري) القضية، ليس فقط باعتباره منتج العمل، بل كمحترف لديه التعاقدات والدوافع المهنية الواضحة. وحكمت المحكمة بتعويض مالي كبير لصالحه، بعد أن أثبت أن استبعاد شيرين كان قرارًا إنتاجيًا بحتًا، مدفوعًا باعتبارات تخص سير العمل، لا نزوات شخصية.
وفي الحلقة القادمة C 14 :
* نري بشاعة الكلمة في حملة جائرة
* ماذا فعل موسي صبري في بليغ حمدي؟
………………..
* رئيس اتحاد المنتجين العرب