رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!
فقرة مصورة عن ما يسمى بمشروع (قانون الإيجارات القديمة)

بقلم المستشار: محمود عطية *

ما سأرويه ليس مشهدًا من رواية بوليسية ولا جزءًا مقتطعًا من مسلسل سياسي محبوك بل هى واقعة واقعية بامتياز مع (فضائية)، عشت تفاصيلها كاملة بكل ما فيها من قبح وفضيحة وسقوط أخلاقي ومهني للمنظومة الإعلامية التي باتت أداة قذرة في يد المستفيدين والمتآمرين على هذا الشعب المطحون.

ولن أبدأ الحكاية بتشويق مفتعل فالقصة لا تحتمل مزيدًا من الزيف والبهرجة، لقد تلقيت اتصالًا من أحد البرامج بقناة (فضائية) شهيرة جدًا قناة تتصدر قوائم الأعلى مشاهدة ويتعامل معها الناس على أنها منابر الرأي والتنوير والمهنية الزائفة، وقد طلبوا مني بإلحاح أن أشارك في فقرة مصورة عن ما يسمى بمشروع (قانون الإيجارات القديمة) المقدم من الحكومة.

قبلت الدعوة وأنا مدرك تمامًا لحجم المؤامرة وأبعادها وما أعلمه من حقائق ومستندات، لم يكن في بالي أنني سأُستدعى لتلميع المشروع ولا لتمرير الخديعة، ولكن ظننت واهمًا أن هناك نافذة صغيرة ما تزال مفتوحة لصوت آخر مختلف صادق وموثق لكن يا لغبائي ويا لسذاجتي!

فقد كنت ذاهبًا إلى حفرة لا منبر ذاهبًا إلى مكيدة، لا مناقشة شاركني في الفقرة أحد رموز مؤامرة القانون تلك الوجوه التي تطل علينا في كل مناسبة لتسوّق الأكاذيب وتدّعي الحرص على العدالة الاجتماعية، وهم في الحقيقة وسطاء مصالح ونشطاء شبكات وتحالفات مدفوعة ومدفوعة الأجر.

بدأ الحوار، ولم يكن هناك أي تجاذب مباشر بيني وبين هذا الشخص كل منا أدلى بدلوه في هدوء، ولكن الفرق كان شاسعًا بين حديث مبني على المستندات والدستور والمنطق وبين كلام إنشائي محشو بالشعارات والدجل.

وما قلته لم يكن تحليلاً شخصيًا ولا موقفًا عاطفيًا بل هو استعراض موثق لتاريخ المؤامرة على هذا القانون، ومتى بدأت ومن حركها ومن سوقها للرأي العام فقد قلت إن أحد أعضاء هذه العصابة ويدعى (ح.ع) ظهر في برنامج على قناة (دريم) عام 2017 مع الإعلامية (رشا نبيل).

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!
أشرت في مداخلتي عبر تلك الـ (فضائية) إلى تصريح كارثي صدر من أحد هؤلاء الأعضاء

فضيحة موثقة بالصوت والصورة

وقال بفخر إنه قدم هذا المشروع للوزير المعني حينها، وذكر أن الوزير تمنى أن يخرج القانون في عهده – وهى فضيحة موثقة بالصوت والصورة – ولم أذكر اسم الوزير لأن الهدف ليس شخصنة المعركة بل كشف التنسيق المبكر بين جهات يفترض بها الحياد والاستقلال والحرص على حقوق المواطنين.

وبين حفنة من المنتفعين قررت أن تفتح معركة جديدة ضد المستأجرين الضعفاء، بعد أن باعت المصانع والشركات والأراضي، ولم يتبق سوى منازل الغلابة لتكمل المسرحية.

ثم أشرت في مداخلتي عبر تلك الـ (فضائية) إلى تصريح كارثي صدر من أحد هؤلاء الأعضاء في برنامج آخر يقدمه صحفي وإعلامي معروف بلقب (الفقيه الدستوري)، هذا الرجل تحدث بفم مليء وبثقة ووقاحة أن دستور 2014 أسقط حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر عام 2002 والذي ينظم امتداد عقد الإيجار لجيل واحد فقط وكأن الدستور وُضع خصيصًا لهذا الغرض.

فأين أحكام المحكمة الأخرى ولماذا لم تُسقطها الروح الجديدة للدستور؟، وإذا كان الدستور الجديد ألغى هذا الحكم فمن يضمن ألا يتم غدًا إلغاء باقي الأحكام بمجرد أن تتعارض مع مصالح حفنة من الملاك والمستثمرين؟

كل هذا ذكرته بهدوء وموضوعية، وقلت إن الرائحة فاحت وأن المؤامرة لم تعد خافية على أحد، وأن من يقودون هذه الحملة يستندون على تحريف الدستور وتسويق الأكاذيب، ويتحدثون عن العدالة وهم منغمسون حتى أعناقهم في شبكات المصالح والتربح.

انتهت الفقرة وشكرني القائمون على برنامج تلك الـ (فضائية) بكلمات الثناء، وقالوا إن المداخلة كانت قوية ومميزة، بل وأرسلوا لي تسجيلًا أوليًا لبعض اللقطات وكنت أعتقد أنني قد استطعت أخيرًا أن أضع لبنة حقيقية في مواجهة هذا الطوفان الزائف.

لكن بعد أربع ساعات فقط جاءني الاتصال الفضيحة صوت أحد القائمين على البرنامج يكلمني باعتذار مرتبك، وقال لي إن الفقرة لن تُذاع بحجة أن حديثي كان قويًا جدًا ومباشرًا، وأن الإدارة خافت من ردود الأفعال.

ضحكت حينها ضحكة مرة وسألته سؤالًا بسيطًا: هل أنتم برنامج رأي وتحليل أم مصلحة عقارية؟، هل أنتم صوت الشعب أم مندوبوا تسويق لملاك العقارات؟، قال لا والله بس إحنا ما نقدرش نزعّل الناس الكبار.

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!
وهنا فهمت كل شيء لم تكن دعوة الـ (فضائية) إلا فخًا لتسجيل المواقف ومعرفة ما سأقوله

لغة الدستور لا يفهمونها

وهنا فهمت كل شيء لم تكن دعوة الـ (فضائية) إلا فخًا لتسجيل المواقف ومعرفة ما سأقوله، وربما كانوا يأملون أن أكون أكثر مرونة وأن أساير الخط العام وأن أمارس التجميل اللفظي للمشروع، كما يفعل كثير من الضيوف ممن لا يخجلون من بيع ضمائرهم بثمن بخس.

لكن الحقيقة أنني صدمتهم لأنني تكلمت بلغة لا يفهمونها لغة الدستور والمنطق والحقوق لا لغة المصالح والتمويل والتعليمات، لم يكن يهمهم النقاش الحقيقي بل كانوا يبحثون عن من يزين لهم القبح ويُمرر الكارثة.

وكان واضحًا أن الطرف الآخر في الحوار استخدم نفوذه ومنصاته لإلغاء المداخلة لأنهم لا يتحملون صوتًا آخر يفضحهم، ولا يرغبون في من يسحب البساط من تحت أكاذيبهم.

لقد قررت الحكومة رغم كل التحفظات أن تعيد تقديم مشروع قانون أسوأ من السابق متجاهلة كل التوجيهات الرئاسية بإعادة النظر متجاوزة كل مبادئ العدالة والمواثيق الدستورية، ومتحججة مرة بالاستثمار وأخرى بالحق في الملكية.

لكن الحقيقة أن هناك تحالفًا شيطانيًا بين أطراف عديدة سياسية وإعلامية واقتصادية كلهم يريدون الوصول إلى العقارات التي يسكنها البسطاء ليجعلوا منها سلعة يتاجرون بها حتى آخر لبنة.

والإعلام الذي من المفترض أن يكون سلطة رقابة وتحقيق أصبح اليوم شريكًا في الجريمة بين مذيع متواطئ ومذيعة مأجورة وزوجة كومبارس تلعب دور النخب الإعلامية، وهى لا تفرق بين نص المادة وسطر من سيناريو كلهم شركاء في الوأد الكلي لكل صوت حر يفهم ويعي ويمتلك الجرأة على قول الحقيقة.

ما حدث معي هو نموذج على (فضائية) العار مصغر لما يحدث كل يوم مع كل من يحاول أن يصرخ في وجه التيار الفاسد صوتك ممنوع، إن كان حقيقيًا وممنوع، إن كان موثقًا وممنوع إن لم يكن ضمن أوراق السيناريو المعتمد

ولا أبالغ حين أقول إن هذه الواقعة رغم قسوتها إلا أنها جعلتني أكثر يقينًا أن المعركة ليست فقط قانونًا معيبًا، بل هي منظومة فساد كاملة من رأسها حتى أخمص قدميها منظومة لا تحتمل من يواجهها بل تقطع لسانه قبل أن يصل صوته.

الفضائيات لم تعد منابر بل مصارف للتوجيه الإعلامي المصنوع بمكياج صارخ ومذيعين بلا أعصاب ومؤسسات تخاف من الحق وتخضع للباطل مثل هكذا (فضائية) متواطئة.

محمود عطية يكتب: حكاية (فضائية) معي!

الكارثة واقعة لا محالة

وإذا كان ما قلته في الفقرة ملغومًا بالحقيقة فهذا لا يدينني بل يدينهم، وإذا كانت كلماتي مزعجة فعيبهم أنهم لم يعتادوا سماع صوت مختلف.

وما دمنا في دولة تكمم الأفواه وتكافئ (الكومبارسات) على حساب العقول فاعلموا أن الكارثة واقعة لا محالة، لأن كتم الحقيقة لا يصنع سلامًا بل قنبلة موقوتة تنفجر في وجوه الجميع.

لكن صوتنا باقٍ مهما دفنوه ومهما حذفوا فقرتنا من العرض، فلن يستطيعوا حذفها من الذاكرة لأن الحق لا يُلغى بقرار إنتاج ولا يُمنع بمكالمة هاتفية.

هذه حكايتي مع الإعلام المدجن الذي كتم صوتي لأنه كان صريحًا، والدرس أن من يملك الحقيقة عليه أن يجهز نفسه للعقاب، لأنهم لا يريدون الحق بل من يطبل له!

أما نحن فلن نطبل بل سنصرخ.. سنكتب.. وسنفضح إلى آخر نفس، لأن هذه الأرض تستحق أن تُحمى لا أن تُباع بالتقسيط تحت ستار قوانين مفخخة، وهنا أناشد السيد الرئيس ان ينقذ عشرات الملايين المهددون في أربع جدران تحميهم وأبناؤهم.

وأقول: سيادة الرئيس، إن المستأجرين الاصليين مازالوا على قيد الحياه الذين دفعوا دم قلوبهم خلوات للمسكن، في وقت كانت الدوله تدعم المالك بمجرد استخراج رخصة البناء.

النهاية مفتوحة لأن الفضيحة لم تنته بعد..

* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.