
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
الجمالية المسرحية ترتكز، على العلاقة الجمالية؛ بين (الجهاز الحسي) عند الممثل أو الممثلة، وعند المشاهد، وذكرنا أن هذا الجهاز هو: مجموع الحواس الخمس والذهن والمشاعر الداخلية لدى الإنسان، والعرض المسرحي المصري القديم، قدم عروضه المسرحية من خلال (الجهاز الحسي).
ونركز في مقالتنا هذه على حاسة البصر علاقتها بـ (الجهاز الحسي) في العرض المسرحي المصري، في كيفية التعامل معها بالنسبة للمشاهد، والدخول به في عالم العرض البصري، عن طريق المشاهدة والخيال البصري.
وهذا يتم وفق بنية بصرية، تعتمد على مشاركة المشاهد ، بالصورة المرئية، والصورة التخيلية معا، وهذا نوضحه من خلال بعض المشاهد من العروض المسرحية المصرية القديمة ، ونضرب بعض الأمثلة:
مشهد: من مسرحية (غزو الفرس لمصر).
قصد صفط الحنة وعبر إقليم شنن.
وخرب شجرة النبق المقدسة التي تمثل خضرتها رخاء البلاد.
احتل غيضة ساؤريس المقدسة.
حيث يكثر شدر السنط الذى فيه الموت والحياة معا.
لقد شاء أن يأكل من لحم القط المقدس.
أمام امه باسنت.
أنظر أيضا لقد تغذى بالسمك البوري.
في مدن روح الشرق.
من المشهد السابق نلحظ، وجود طريق جغرافي، عبر من خلاله الفرس إلى مدينة صفط الحنة، وهذا المشهد لم يقم بتمثيله مجموعة من الممثلين يعبرون يظهرون وهم يدخلون المدينة، ولكن هو تمثيل فردي يؤديه ممثل فرد، والمشاهد لم يري دخول الفرس للمدينة.

الكلمة السمعية التصويرية
ولكن اعتمد المسرحي المصري على خيال المشاهد، في تخيل وتصور هذا الحدث، عن طريق الكلمة السمعية التصويرية، فيقول: (لقد قصد صفط الحنة)، وهذه المدينة يعرفها المشاهد ولها في ذاكرته صور مخزنة عنها.
فعند ذكرها يشارك المشاهد بخيالة ويتذكر صورة تلك المدينة، وبعد ذلك يصور له المسرحي ، بكلمات وصفية كيف تم الدخول إلي هذه المدينة، ليشركه في تخيل جيش الفرس بخياله بعبارة : (وعبر إقليم شنن).
وبهذا أسس مسرح الأحداث لهذه المدينة داخل ذهن المشاهد، ليدخله بعد ذلك في تخيل ما فعله الفرس من خراب داخل المدينة، ويسرد الصور التخيلية: (وخرب شجرة النبق المقدسة التي تمثل خضرتها رخاء البلاد، احتل غيضة ساؤريس المقدسة.
وبهذه الصور السمعية البصرية، عمل المسرح المصري على تكوين صورة تخيله داخل ذهن المشاهد، وكأنه مشارك في الحدث يراقب ما يحدث، وكأنه يشاهده، ويدخل بالمشهد إلي عالم التخريب الذي أحدثه:
لقد ارتحل في حملة ضد جبانة طيبة
في وجه رع الذى في السماء
ونعم بمذاق الكبش
في معبد أمون المعظم
ورفع يده على النبات المقدس
في وجه كبش منديس
ويصور للمشهد ما أحدث المحتل بالمعتقدات الخاصة بالمصريين، ويجعله يتخيل ما فعله بهذه المقدسات ، وهذا يؤدي إلي الانفعال الداخلي للمشاهد، لتظهر هذه الصور المتخيلة في تأثيرها على شعور المشاهد، ويستمر هذا التأثير في التصاعد:
وفرض المذابح بين شعب بوزيريس
وفى وجه أونوفريس المبرأ
لقد نعم بمذاق سمك أبدو وأكل من البورى
في قاعة هليوبوليس الكبرى
لقد ألغى الحفل الديني، وسرق القربان
في قصر السيد الفريد الذى لا مثيل له
في قصره يدور الهمس ضد جميع الآلهة
وليس به من يتعبد فى اللحظة المطلوبة
لقد اقتنص الصقر وصاد السمك اتنو
في مواجهة شو وتفنية
أنظر أيضا: لقد أوقع في شباكة العجل آبس.
أمام خالق الكائنات
أتى على لبن البقرة التي ترضع حور
واصطاد البقرة المقدسة أم الإله
لقد ألغى طقوس بحيرة أشجار تمو
وجفت بحيرة البقرة المقدسة
لقد أعد مشروعا لكي يكون قاطع طريق، وشاء أن يفرض نفسه
إن الشقاء ليبدأ في المكان الذي يوجد فيه.

صورة بصرية تخيلية
وفي هذا المشهد: يتصاعد التأثير ليشمل المذابح التي ارتكبها الفرس، والكيفية التي سخر بها الفرس من المعتقدات المصرية القديمة، وفي هذا المشهد بالطبع يتخيل المشاهد كل هذه الصور البصرية، وهذا العرض يعتمد في تقديمة على بناء صورة بصرية تخيلية من خلال ذهن المشاهد وإشراكه في العرض عن طريق (الجهاز الحسي).
وإذا انتقالنا إلي عرض آخر يعتمد على الرؤيا البصرية التمثيلية المباشرة – أي مؤداه من خلال ممثلين: من عرض مسرحية آلام أوزيريس (الأسرار)، يعتمد مخرج العرض على الصورة التمثيلية الصامتة:
ست: يقوم ست مع أعوانه بضرب أوزيريس ضربا مبرحا، وقاموا بتقيده على شجرة الجميز، وقاموا بعمل حبال على الشجرة فيما يشبه المشنقة.
وضع أوزيريس على المشنقة، (ست يشعر بالرضا والفخر)، ست يتلذذ بمشاهدة أوزيريس هو يعاني من سكرات الموت.
ست يخرج الخنجر من وسطه، ويستعد لانتزاع قلب أوزيريس الذي مازال ينبض بالحياة.
ست ينتزع قلب أوزيريس ،وتكون نهاية أوزيريس المفجعة.
وهذه الصورة التمثيلية المباشرة تعمل على إحداث صدمة بصرية، لدى المشاهد ، عند رؤيته لمشهد قتل أوزيريس، وتمثيلها بطريقة التمثيل الصامت، تحدث أثرا عميقا داخل شعور المشاهد، فلا حاجة إلا لأصوات الأسلحة التي يحمها ست.
وهنا يعتمد المخرج بشكل أساسي على التمثيل الصامت، ليجعل حاسة البصر عن المشاهد مستقبلة لهذا الحدث، مركزا على الرؤيا البصرية التمثيلية، لكي تصبح هذه المشاهد مخزنة في ذهن الجمهور، وتستمر معه فترة من الزمن ليتذكر هذا الحدث، بعد انتهاء العرض، خاصة أنه حدث غيبي في زمن لم يشاهده الجمهور.
ومن خلال ما سبق نجد أن تعامل المسرحي المصري مع حاسة البصر داخل (الجهاز الحسي) تمت من خلال التمثيل المباشر للعروض التي تتعرض لأحداث غيبية، أما العروض التي عاصرها المشاهد ولها صور مخزنة في ذاكرته البصرية، فتمت عن طريق تحفيز ذهنن المشاهد على التخيل البصري لهذه الأحداث.
وهذه العروض تعد من العروض الحديثة في طرق التمثيل، وبهذا استطاع المسرحي المصري التعامل مع (الجهاز الحسي) للمشاهد من خلال حاسة البصر، وإشراكه في العرض المسرحي من خلال البناء البصري للعرض المسرحي.