
بقلم المستشار: محمود عطية *
في عالم انقلبت فيه الموازين، وتبدّلت فيه معايير الشرف والعدوان، باتت إسرائيل تقتل وتغتال وتدمّر وتحاصر وتغتصب الأرض والعرض ثم تقف بكل فجور تحت حماية أمريكية أوروبية وعربية وتقول للعالم: من حقي أن أدافع عن نفسي، أصبحت الجريمة دفاعًا، وأصبح القاتل ضحية، وأصبح (الإعلام) العربي عباءة مهترئة تستر عورات الخيانة أو شريكًا أصيلًا في ذبح الحقيقة..
أي إعلام هذا الذي لا يجرؤ أن يقول إن إسرائيل مجرمة؟ أي إعلام هذا الذي يضع العدوان والرد على العدوان في كفتي ميزان؟، أي مهزلة تلك التي نعيشها حين تُغتال قيادات في الحرس الثوري الإيراني، بينهم رئيس الأركان نفسه بعملية إسرائيلية صريحة، مدروسة، استفزازية.
فيها من الوقاحة ما يكفي لإشعال حروب، فلا يتحرك لسان ولا يُرفع حاجب، لا في المحافل الدولية ولا في العواصم العربية؟، بل نرى الصمت، التلعثم، والخوف من النطق بكلمة (إسرائيل) إلا إذا جاءت مسبوقة بكلمات مثل: (الصديقة، الحليفة، الشقيقة).. يا للعار.
أين (الإعلام) العربي؟، أين تلك الشاشات التي كانت تُقيم الدنيا ولا تقعدها لمباريات كرة أو خلافات فنانات أو مشاهد من مسلسلات رمضان؟، أين تلك الأصوات التي كانت تدّعي الانتماء والنخوة والعروبة؟ خرست جميعًا، أو بالأحرى تم إسكاتها، أو لعقت المال فلم تعد تميز بين الحلال والدم.
لم تجرؤ قناة عربية واحدة، باستثناء ما تبثه الجزيرة ضمن حدود معلومة، على تخصيص برنامج حقيقي واحد يفضح العدوان، يسمي المجرم، يقول للمشاهد العربي: (يا هذا، قادتك جبناء، شاشاتك مرتزقة، وأنت تُقتل مرتين: مرة حين يهاجمك العدو، ومرة حين يسكت عنه أخوك.
بدلاً من أن نرى الشاشات تمتلئ بتحليل الجريمة، أتحفونا بكليشيهات ركيكة عن (تصعيد)، وكأن صاروخًا خرج من العدم لا من طائرة F-35 صهيونية أمريكية.

تصوير رد إيران كعدوان
لم نرَ رئيسًا عربيًا واحدًا، لا ملكًا ولا أميرًا، يفتح فمه بكلمة تضامن مع إيران، التي وإن اختلفنا معها فكريًا أو مذهبيًا فهي دولة ذات سيادة لم تبدأ العدوان، لكنها ردّت، وبقوة، وبحكمة وبأدب حتى وكأنها تقول للعالم: أنتم من بدأ، ونحن فقط نذكّركم أن ليس كل الشرق نائمًا.
فهل هنّأها (الإعلام) العربي؟ هل رفعوا رأسهم وقالوا: شكرًا لمن كسر الذلّ؟ أبدًا.. بل العكس صدرت تصريحات مخجلة، مُرّة، لا تجرؤ على الإشارة لإسرائيل إلا بأسماء مستعارة، خشية أن تغضب واشنطن أو يعبس وجه نتنياهو، والأدهى أن بعضهم حاول تصوير رد إيران كعدوان، وكأن الدم الإيراني مستباح، وكأن اغتيال القادة حق، والرد عليه جريمة.
ويا لخيبة (الإعلام).. لم نعد نملك إعلامًا، بل أبواقًا، دفاتر نقود، غرف تحكم، تعليمات من السفارات الأجنبية، غرف أخبار تكتب تقاريرها في تل أبيب وتُرسلها للقراءة من بيروت أو دبي أو الرياض. لا كلمة عن القتلى، لا تفصيل في من بدأ، لا تحليل للمشهد.. مجرد تكرار ممل لأسطوانة (التصعيد بين الطرفين).
طرف يغتال داخل أراضي الغير، ويرسل طائراته إلى الأجواء، ويستهدف قادة كبارًا، فيتم توصيفه بـ (طرف).. أي طرف؟ هذا بلطجي دولي، هذا كيان سرطاني، هذا مجرم حرب، وهذا الإعلام متواطئ وخائن، لا مجرد مقصر أو عاجز.. المشكلة لم تعد في الحاكم الذي باع، بل في من يدّعي أنه يحمل رسالة الكلمة والضمير والميكروفون.
أوروبا، بتواطئها السمج خرجت مبكرًا كعادتها تعلن أن لإسرائيل (الحق في الدفاع عن نفسها)، حتى قبل أن تفهم ما جرى.. الدفاع عن النفس في عرفهم هو أن تغتال وتقتل وتدمر وتستبيح الأجواء وتخرق السيادات وتسخر من القوانين الدولية وتضحك في وجه مجلس الأمن.
فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، جميعهم تحت الحذاء الإسرائيلي الأمريكي، جميعهم نسوا معاني العدالة والميزان، لأنهم ببساطة لم يعودوا يعرفون إلا المصالح، والمصالح تمر من تل أبيب.
أما أمريكا، فأترك الحديث عنها لطاغيتها الأعظم، ترامب، فرعون هذا الزمان.. كلما نطق هذا الرجل، بصق الحقيقة الكريهة، قالها بوقاحة: إسرائيل أولًا، إسرائيل ثانيًا، إسرائيل دائمًا.
لا مكان للحق، ولا لدماء الأبرياء، ولا لكرامة العرب والمسلمين.. أعطاهم القدس، بارك المجازر، بارك الاغتيالات، ووعدهم بحاملات طائرات لتحرسهم من مجرد ردة فعل.. أي قوة عظمى هذه التي تملك حاملات طائرات وتخشى من دولة محاصرة منذ 40 عامًا؟ تخشى من ردّ محدود لكنه مؤلم؟.. تخشى من رجل لم يركع؟

الجيوش والمال والفضائيات
بينما العرب يملكون الجيوش والمال والفضائيات والمنابر، لكنهم لا يملكون الجرأة.. شعب يُقتل كل يوم في غزة، أطفال تُدفن أعضاؤهم تحت الركام، ونتنياهو يخرج بكل بجاحة يقول إنهم قتلوا أربعة جنود إسرائيليين يوم عيد الأضحى، وكأنّه يعظنا في أخلاقيات العيد! يا رجل، أليس لديك دم؟ تقتلهم ليل نهار، ثم تتباكى على العيد؟
أي نذالة هذه؟، وأين الرد العربي؟ أين الملك أو الرئيس الذي خرج وقال له: أنت مجرم، أنت قاتل، أنت لا تستحق أن يُصافحك أحد؟ لا أحد.. كلهم صامتون.. كلهم خائفون. كلهم خانعون.
بل حتى حين ردّت إيران، لم تُفتح الشاشات، لم تُرفع الرايات، لم يُسمح لأحد بالاحتفال أو التعبير عن الغضب العربي المُخزن.. كأنهم يقولون للشعوب: موتوا بصمت، ولا تحلموا برد.. موتوا وأنتم تشاهدون المذابح في غزة وتبتلعون الدموع.. موتوا وأنتم ترون من يدافع عن نفسه يُدان، ومن يغتال يُحتفى به.
وإذا تحدّث أحدهم عن إيران، عادوا للغناء الطائفي، (شيعة، فرس، مجوس).. أي منطق تافه؟ هل يهم إن كانت شيعية أو سنية حين تقتل إسرائيل أبناءكم؟، هل يهم إن كان الفاعل مسلمًا على طريقتكم أم كافرًا إن كان هو الوحيد الذي ردّ؟.. أنتم لم تعودوا تقاتلون من أجل الدين، ولا من أجل الأرض، بل من أجل إرضاء المستعمر.
الوحيدة التي نطقت بكلمة تستحق الاحترام كانت باكستان.. البعيدة جغرافيًا، الأقرب في المبدأ.. قالت ما لم يقله العرب.. غضبت حيث يجب أن نغضب.. رفعت الصوت حين سكتنا، وشكرت من قال لا حين جعلنا قولها جريمة.
إسرائيل اليوم لا تخشى شيئًا، لأن (الإعلام) العربي أعطاها شهادة براءة، الحكومات العربية منحوها تفويضًا مفتوحًا، أمريكا توفر لها الغطاء، وأوروبا تمدها بالسلاح والتبرير، ونحن ندفع الثمن، ونتلقى الصفعة تلو الصفعة، ثم نخرج لنقنع أنفسنا أن (الصبر مفتاح الفرج).
كفى كذبًا، كفى نفاقًا، كفى انبطاحًا.. ما يحدث ليس مجرد صراع، بل عملية إذلال ممنهجة.. إسرائيل تقتل، أمريكا تبرر، أوروبا تصفق، والعرب يموّلون ويصمتون.
أصبح دمنا بلا قيمة، وأرضنا مستباحة، وكلمتنا مصادرة، وإعلامنا ساقط لا يملك حتى أن يقول (العدو).. إن لم يكن هذا زمن الخيانة، فما هو زمنها؟، وإن لم يكن هذا الإعلام إعلامًا محتلاً، فماذا يكون؟ وإن لم يكن حكامنا شركاء في الجريمة، فهل هم حمقى أم عبيد؟ لا خيار آخر.

اقتلي وافعلي ما شئت
العالم كله يقول لإسرائيل: اقتلي وافعلي ما شئت، ونحن نحميك.. ونحن نقول لشعوبنا: اصمتوا، لا تتحدثوا، لا تحتفلوا، لا تدافعوا، فقط موتوا.
وأخيرا: ألم يسمع حكام العرب والمسلمين أن البطل رئيس كوريا الشماليه أدلي بتصريح قوي حتي لو كان كلام روسيا قالت ايران تدافع عن نفسها اما العرب والمسلمون يجمعون الترليونات لينهيها فرعون او هامان العصر التي كانت المافيا في نيويورك تجرده من ملابسه في الشارع.
كلمه اخيره للاعلام العربي سوف تحاسبون اجلا ام عاجلا ووقتها لن يقبل اي تبرير وخاصه اغلب الاعلام المصري ومعه الاعلام العربي وهي يتماهي مع الاعلام العبري في منع نشر خسائر الكيان …..
اللهم انصر ايران الشيعيه الفارسيه المسلمه..
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع