

حين يتحول الخيال العلمي إلى فلسفة وجودية
بقلم الفنان التشكيلي: أحمد الفايد
مع اقتراب موعد إطلاق فيلم Jurassic World: Rebirth في 2 يوليو 2025، تتجه الأنظار من جديد إلى سلسلة الأفلام التي لطالما جمعت بين المغامرة والدهشة والطرح العلمي الجريء. لكن هذه المرة، يبدو أن الجمهور على موعد ليس فقط مع تطور بصري وتقني، بل مع قفزة فكرية وفلسفية تتجاوز حدود السينما التقليدية.

نظرية الفيلم الجديد
إذا كانت الأجزاء السابقة من سلسلة Jurassic World: Rebirth قد طرحت سؤال: (هل يجب علينا أن نعيد إحياء ما مات؟)، فإن الجزء الجديد يطرح سؤالًا أكثر خطورة وعمقًا: (ماذا لو أصبح الكائن المستنسخ قادرًا على تعديل نفسه؟).
فيلم Jurassic World: Rebirth يقترح فرضية ثورية: أن بعض الديناصورات، نتيجة العزلة الجينية والتجارب غير المكتملة، بدأت تطور نفسها ذاتيًا. لا حديث هنا عن استنساخ سلبي لكائن منقرض، بل عن كينونة جديدة قادرة على التعلّم والتكيف وإعادة برمجة حمضها النووي، بدون تدخل بشري مباشر.
هذه الفكرة تقودنا إلى إعادة طرح نظرية التطور الداروينية ولكن بطريقة معكوسة. لم يعد التطور هنا عملية طبيعية بطيئة عبر آلاف السنين، بل أصبح قرارًا ذاتيًا تتخذه الكائنات المتحوّرة، في إشارة مرعبة إلى تطور غير مراقب، لا يمر عبر آليات الانتخاب الطبيعي التقليدية، بل من خلال ذكاء جيني متطور داخل الكائن نفسه.

ديناصور يفكر؟!
نعم: الفرضية الصادمة في الفيلم هي وجود ديناصور يتمتع بقدرات عقلية فائقة، قادرة على التحليل، واتخاذ قرارات استراتيجية، بل وحتى استخدام أدوات في البيئة المحيطة. هذا الكائن لا يمثل فقط تطورًا جسديًا، بل قفزة عقلية تجعلنا نتساءل عن جوهر (الذكاء البيولوجي) وحدود الوعي عند الكائنات غير البشرية.
هذه النقطة تحديدًا تضع فيلم Jurassic World: Rebirth في منطقة حرجة بين العلم، والدين، والفلسفة، حيث تطرح تساؤلات حول الإنسان ذاته:
* هل نحن حقًا كائنات مميزة؟
* أم أننا مجرد حلقة في سلسلة تطور طويلة يمكن لغيرنا أن يلحق بنا فيها، أو حتى يتجاوزنا؟
لطالما احتوت أفلام سبيلبرغ (ورفاقه من الكُتّاب والمخرجين) على رسائل خفية تُقدَّم عبر قالب ترفيهي، لكن هذه المرة، الرسالة تكاد تكون صريحة: ليس الإنسان وحده القادر على التطور، وليس التطور بحد ذاته مقتصرًا على البشر.
هنا، يتداخل هذا الطرح مع ثوابت دينية كبرى، خصوصًا في ما يتعلق بقصة الخلق، ومفهوم التفرد الإنساني.. فيلم دون تصريح مباشر – يدفع بنظرية داروين إلى المقدمة، بل ويُعيد صياغتها على لسان كائنات لم تكن يومًا محورًا للفكر الفلسفي.
وهذا ما يجعل فيلم Jurassic World: Rebirth خطيرًا فكريًا بقدر ما هو مشوق سينمائيًا. إنه يزرع بذور الشك في تصورات راسخة، ويشجع على إعادة التفكير في أصل الإنسان ومعنى الحياة والتطور.
سلسله أفلام العالم الجوارسي ومؤسس الفكرة وراعيها عملاق السينما العالمية (ستيفن سبيلبرغ)، الذي يمكن القول بثقة إنه واحد من أبرز صُنّاع الأفلام في تاريخ هوليوود، بل وربما في تاريخ السينما بأكملها.
غالبًا ما يُشيد الجمهور بأفلامه لما تتضمنه من مشاهد حركة وتشويق ومؤثرات بصرية مذهلة، إلا أن القليلين فقط من يدركون الرسائل العميقة التي تتوارى خلف هذه القصص السينمائية المبهرة.
(سبيلبرغ) ليس مجرد مخرج تقليدي، بل هو العقل المبدع وراء أفلام أحدثت تحولًا جذريًا في الصناعة، مثل Jaws (الفك المفترس)، أول فيلم صيفي جماهيري في التاريخ، والذي غيّر قواعد السوق السينمائي بشكل كامل، تبعه فيلم E.T، بحكايته المؤثرة عن مخلوق فضائي وصديقه الطفل، والتي أضحكت العالم وأبكته في آنٍ واحد، لتتحول إلى أيقونة للسينما الإنسانية.
ولا يمكن إغفال سلسلة Indiana Jones، التي أرست قواعد أفلام المغامرة، أو Saving Private Ryan، الذي نقل المشاهدين إلى قلب أهوال الحرب العالمية الثانية، بمنتهى الواقعية والصدق.
لكن ما لا يلتفت إليه كثيرون هو الحس التنبؤي الغريب الذي يتجلى في بعض أفلام سبيلبرغ، وكأنه يستشرف المستقبل قبل وقوعه.. يتجلى ذلك بوضوح في سلسلة Jurassic Park، التي لم تكن مجرد طفرة في عالم المؤثرات البصرية عند صدورها في التسعينيات، بل كانت أول طرح سينمائي لفكرة الاستنساخ بصورة علمية وفنية متكاملة، قبل أن تصبح إمكانية علمية حقيقية في الواقع.
…………………………………………………………

نبذة عن Jurassic World: Rebirth
الجزء السابع من السلسلة، وهو من تأليف ديفيد كويب (كاتب الجزء الأول)، وإخراج غاريث إدواردز (مخرج Rogue One)، ويعد بإعادة السلسلة إلى جذورها المرعبة والعلمية في آنٍ.
الأبطال الجدد:
* سكارليت جوهانسون في دور (زورا بينيت)، عميلة سرية تقود مهمة لاستخلاص الحمض النووي.
* جوناثان بيلي بدور (د. هنري لووميس)، عالم حفريات.
* اهرشالا علي في دور (دانكن كينكيد)، قائد الفريق الميداني.

ما يميز الفيلم:
- طاقم جديد تمامًا، بدون الاعتماد على أبطال الأجزاء السابقة.
- العودة لأجواء الرعب والنجاة على غرار الجزء الأول من Jurassic Park.
- ديناصورات هجينة ناتجة عن تجارب جينية غير مستقرة، تتصرف بطرق غير متوقعة.
- مهمة علمية حساسة لاكتشاف مصدر التعديل الجيني الذاتي.
- الجزيرة المنسية: مقر المختبرات الأصلية حيث نشأت الكائنات المتحوّلة.