
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
كتبت الأسبوع الماضي مقالي عن الإساءات التي يكيلها ورثة المشاهير من الفنانين المصريين الراحلين لسيرة ذويهم، وصولا إلى تدمير القوة الناعمة المصرية، وكل ذلك من أجل ركوب (الترند) الذي تجاوز مرحلة الهوس في اعتقادي وبلغ درجة العبادة.
قبل أن تمصمص شفاهك استغرابا وربما استنكارا لاستخدام وصف العبادة، فكر قليلا فيه، أليس من صفات العبودية أن يضع العابد كل أمنياته في الحياة بين يدي المعبود؟!، أليس من صفات الإيمان أن يتبع العابد معبوده دون تفكير في أي عواقب ومهما كلفه ذلك من أضرار؟!
كذلك كنت قد ختمت مقال الأسبوع الماضي بسؤال للجهات المعنية بالإعلام والفن في مصر عن سبب تقاعسها عن التدخل لحماية تاريخ مصر الفني والاعلامي من عبث الأحفاد، الذين لا يرون فيه سوى مصدر لجلب بعض الأموال وبعض المتابعين التافهين.
لكن راودتني طوال الأسبوع فكرة أكثر عمقا، وهى ضرورة محاسبة هؤلاء المجانين ليس فقط على إساءاتهم لرموز مصر الفنية وتاريخها وأحد أهم مصادر قوتها الناعمة، ولكن بحكم أنهم تحولوا الى جماعات تمثل خطرا على قيم المجتمع وعلى الأديان مثلهم مثل عبدة الشيطان.
لاحت لي الفكرة كما قلت، لكنني ظللت أشعر بغرابتها، وفكرت لكي يحسم الجدل داخلي أن أسأل الذكاء الاصطناعي Chat GPT عن القواسم المشتركة بين عبدة الشيطان وعبدة (الترند)، متوقعا أن يجيبني بالسخرية من المقارنة، لكن المفاجأة أنه فعل العكس.
فقال أنه يمكن بالفعل رصد أوجه تشابه معينة بين سلوكيات (عبدة الشيطان): (من الناحية السلوكية والنفسية لا العقائدية فقط) وبين بعض من يُوصفون بالمهووسين بركوب (الترند) في العصر الحديث، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي.

عبدة (الترند) وكسر التقاليد
إذن ما هي تلك الأوجه يا عم GPT؟!، رصدها قائلا أن (عبدة الشيطان) يرفضون القيم الدينية والاجتماعية بهدف الانفصال عن المجتمع، مثلما أن عبدة (الترند) يتعمدون كسر التقاليد والحياء والصواب لجذب الانتباه.
كذلك تجذب (عبادة الشيطان) أتباعها من خلال السعي للتميز والتفرد، حيث يلبسون ويظهرون بشكل صادم لإثبات اختلافهم عن باقي المجتمع الذي يطلقون عليهم (القطيع)، بينما عبدة (الترند) يكتبون كل ما هو غير مألوف من أجل مخاطبة نفس (القطيع) الذي يؤمنون بتميزهم عنه ودورهم المهم في قيادته.
يستخدم (عبدة الشيطان) رموزا صادمة مثل الجماجم والدماء والأوشام والموسيقى السوداوية، لتمييز أنفسهم، ويستخدم عبدة (الترند) ألفاظًا وصورا شاذة الى جانب اختيار موضوعات أكثر شذوذا لجلب التفاعل.
ومثلما تشبه طقوس عبدة الشيطان الأداء الرمزي أو الدرامي لإحداث أثر نفسي في اتباعهم، غالبا ما يلجأ عبدة (الترند) للظهور في تحديات ومقاطع تمثيلية (مفتعلة) لجذب الجمهور.
كذلك يتشابه الطرفان في احتقار المتابعين من العامة ويعتبرونهم جمهور (ساذج) وقطيع جاهل، وأغلب المؤثرين هنا أو هناك يحتقرون متابعيهم سرا لكنهم يستخدمونهم كأداة للوصول.
وأخيرا وهذا هو الأهم أن (عبدة الشيطان) يشعرون بالفراغ، ويحاولون ملأه بـ (المخالفة العنيفة) لقيم المجتمع وعاداته وأخلاقه، مثلما أن عبدة (الترند) يشعرون أنهم غير مرئيين إلا إذا كسروا قاعدة أو صدموا الناس بآراء شاذة أو افتعلوا أخبارا أو مواقف كاذبة لا وجود لها لجذب الاهتمام.

عبدة (الترند) أخطر
هل تظن أننا وصلنا للنهاية أو إلى أقصى المنحدر؟!، قبل أن تجيب تعال لأصدمك بالمزيد وهى أن عبدة (الترند) أخطر على المجتمعات البشرية من عبدة الشيطان، والكلام ليس من عندي ولكن من بنات أفكار الذكاء الاصطناعي.
صحيح توجد أوجه تشابه في السلوكيات الخارجية والدوافع النفسية العميقة بين عبدة الشيطان (كسلوك رمزي) وبين من يركبون (الترند) بجنون، أبرزها حب الصدمة، كسر النظام، الإحساس بالفراغ، وطلب الاعتراف.
لكن هناك فرق كبير في النية والتأسيس العقلي، بما يعني أن عبدة (الترند) بلغوا مرحلة من الحضيض تتفوق على (عبدة الشيطان)، بحكم أن هؤلاء منظمين ومؤمنين بأفكار محددة مهما كانت شاذة، بينما المهووسين بالترند غالبًا ضحية سطحية أو فراغ روحي أو قلق وجودي.
والأخطر ما كل ما سبق تلك الجملة التي بمجرد قراءتها وجدت نفسي استدعي عشرات المصائب والأزمات المجتمعية والسياسية وحتى الدينية التي شهدناها في السنوات الأخيرة من باب السوشيال ميديا.
يقول تشات GPT أن عبدة (الترند) يتم استعمالهم من غيرهم أكثر مما يختارون، بمعنى أنهم مجرد أدوات يمكن لمن يملك المال أو النفوذ استعمالهم لتوجيه الرأي العام في اتجاه معين يخدم مصلحته، وبالتالي يمكن أن يكون صاحب المال مصري أو غير مصري.. له أهداف وطنية أو تخريبية.
والمؤكد أن عبدة (الترند) لا يسألون ولا يفكرون طالما ظلت (المصلحة ماشية) والحساب البنكي يتضخم، وهنا يبقى الأمل الوحيد في تدخل العقلاء في الاجهزة المعنية لضبط الأمور قبل أن تنزلق الى ما لا يحمد عقباه.