رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(هيثم يوسف).. نجم الحنين لسنوات التسعين !

(هيثم يوسف).. نجم الحنين لسنوات التسعين !
يرفض الغناء في الملاهي الليليَّة، وحفلات الزفاف

بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني

النجوم التلفازيّون العراقيّون الذين رُزقوا نِعمة النجاة من مِقصلة النسيان بعد نكبات الزَّمَن قليلون، ومن هؤلاء القليلينَ المُطرِب والمُلحّن (هيثم يوسف)، وهو واحدٌ يُمكن تصنيف صمود نجوميَّته من العجائِب!

لا سيما وأن تلكَ النجوميَّة مُعتمدة اعتمادًا كُليًا على شُهرته المحليَّة بين المُجتمع العِراقي في عصرٍ يستعصي فيه على الفنان المُحَافظة على نجوميَّته ما لم يسعَ للانتشار في العالم العربي بأكملِه!

مع الإشارة إلى أنه يرفض الغناء في الملاهي الليليَّة، وحفلات الزفاف، والجلسات الخاصَّة لأنه لا يُطيق تلك الأجواء ويرى أن جمهوره لن يُحب تواجُده في تلكَ الأماكِن، وهو يثق بحدسه الفنّي الذي لا يسمح لهُ بالانحدار نحو مزالِق الإسفاف مهما تكرر بريق المُغريات.

المُطرِب والمُلحّن (هيثم يوسف) المُلقب – حتى اليوم – بلقبٍ يعكس بساطة زمنٍ مضى وهو (أميرُ الحُب)؛ مازالَ يعيشُ مع جمهوره الأجواء الدافئة لأيَّام التسعينات وبدايات الألفيَّة الثالثة في أُلفة مظهرِه، عفويَّة تصرُّفاته، دفء لقاءاته الإعلاميَّة النادِرة.

وصولاً إلى أساليب تصوير فيديو كليباته التي نجَت من تعقيدات عصر السُرعة المُفرِطة والرأسماليَّة التي تقدّم صورة غير واقعيَّة لحياة الإنسان، لذا مازال جمهوره مُتعلقًا بصوته وإطلالته تعلُّقًا يمتاز بطبيعةٍ استثنائيَّة، إذ يتجلَّى من مُتابعتهم وتعليقاتهم أنهم يُحبونهُ حُبًا غير مشروط.

يُحبون المطرب (هيثم يوسف) كما هو على ما هو عليه دون تعديلٍ أو تبديل، يشتاقونَ له باستمرار وتنفد تذاكر حفلاته سريعًا رغم اضطراره للاستقرار في الولايات المُتحدة منذ أعوام بسبب ظروف قاهِره، وهي نعمةٌ إلهيَّة لم توهب لفنانينَ آخرين.

(هيثم يوسف).. نجم الحنين لسنوات التسعين !
مُخلصٌ جدًا لثقافته الفنّية وموهِبته ويعتبرهما أعلى شأنًا وأرفع قيمة من المادّيات

عزَّة نفسه الفنية

وقد يكون السبب الوحيد لمحدوديَّة انتشار المُطرِب (هيثم يوسف) على صعيد العالم العربي مُقارنة بنجوم عراقيين آخرين ما يُمكننا أن نُطلق عليه (عزَّة نفسه الفنية)، فهو مُخلصٌ جدًا لثقافته الفنّية وموهِبته ويعتبرهما أعلى شأنًا وأرفع قيمة من المادّيات.

ويُحكى أن أحد المسؤولينَ في إحدى أهم شركات الإنتاج العربيَّة المعروفة زاره مرَّةً للتحدّث معه على أمل الاتفاق؛ لكن (هيثم يوسف) شغَّل له أغانيه ليسمعها بمفرده ثم انشغل بأمور أخرى دون اكتراث.

وعن هذا التصرُّف علَّق خلال إحدى لقاءاته: (لو رأيتُ أن مُدير الشركة الذي جاءني يحمل حسًا فنيًا حقيقيًا لاهتممتُ بوجوده، لكنني – على العكس – لاحظتُ أن هدفه تجاريٌ بحت، شعرتُ أنه لن يفهم أعمالي لذا لم أُعِر الموضوع أدنى اهتمام”.

عند مُتابعة منحنى صعود نجوميَّة (هيثم يوسف) يُمن مُلاحظة أن أهم ثلاثة عوامل في صمود نجوميّته هي: عشقه الصادق غير المحدود لبلده العراق، ولعه الهائل بالأطفال وعلاقته المُحببة بهم، وفريق عمله المُمتاز. فهيثم كل ما فيه عراقيٌ شكلاً ومضمونًا، حتى عندما رسم على ذراعه وشمًا.

مؤخرًا اختار أن يكون الوشم بالكتابة المسماريَّة بتعبيرٍ ترجمته إلى العربيَّة (بغداد أنا – أو – أنا بغداد)، مؤكدًا بهذا الوشم فخره بالانتماء إلى إحدى أعرق الحضارات على وجه كوكب الأرض، ولا شك أن بغداد تعشقهُ أيضًا لأنها وهبتهُ النجوميَّة بأول ألبوماته عام 1992م رغم ظروف بلده في ذاك الوقت.

كما اختاره الجمهور كأفضل مطرب في العراق لهذا العام وفق استفتاء أجرتهُ (قناة الشباب) العراقيَّة.. عام 1997م أُطلق فيديو كليب (شيجيب باجر؟)، وهي تعني (متى يأتي الغد؟)، من كلمات: (عدنان هادي) وإخراج: (هادي حسن عمران)..

وكلمات الأغنية تحكي حكاية عاشقٍ يترقّب شروق شمس الغد بفارغ الصبر ليحظى بموعده الأوَّل في حياته كي يلتقي بمحبوبته، ومن اللافِت أن تلك الكلمات الشاعريَّة تُذكّر بمستوى رهافة وعُمق معاني القصائد التي كان ينقشها الشعراء السومريّون على الألواح بالكتابة المسماريَّة.

ويُمكن اعتبار هذا الجزء من الأغنية مِثالاً: (حِرِت شَلبس له باجر آني يا لون؟/ أي لون الألبسه يقول لي: (خجلان!/ شلون أوقف قباله وحالي شيكون؟، الله بعينه جمّع كل الألوان).

وتعني: (أشعُر بالحيرة في اختيار ما سأرتديه من ملابس لمُقابلته غدًا.. تُرى أي لونٍ أرتدي؟/ كُل لونٍ أرتديه يقول لي أنه يشعر بالخجل من محبوبي/ كيف سأقف أمامه وكيف ستكون أحوالي؟ لقد جمع الله بعينه كل ما هو جميل).

(هيثم يوسف).. نجم الحنين لسنوات التسعين !
يدرك ملاكه الحارِس وتعويذته السحريَّة للنجاح

ألحان القيثارة السومريَّة

وفي مكانٍ آخر تقول الكلمات: (حن يا ليل ارحم حال مجنون/ أوّل مرّه يتواعد وفرحان!/ روح لخاطري وآنه لك ممنون/ خلّ الصبح يطلع قلبي نيران) وتعني: (أشفِق أيها الليل على حال هذا المجنون الفرحان بموعده الأوَّل/ غادِر لأجل خاطِري وأكونُ مُمتنًا لك/ دع الصبح يأتي فقلبي يشتعِل)..

ثمَّة مُقاربةٌ واضحة بين رقَّة تلك الكلمات وكلمات القصائد التي كانت تُغنى برفقة ألحان القيثارة السومريَّة أيَّام ذروة أمجادها، أما الفيديو كليب فهو مرجعٌ توثيقي لشكل الحياة في بغداد أيَّام الحِصار خلال تسعينيَّات القرن العشرين، ومن المثير للاهتمام أن هذه الأغنية مازالت مُتداولة بغزارة بين الناس حتى اليوم.

أغنية (بس انتَ) التي أطلقها عام 1995م ومازالت من أكثر أُغنيات (هيثم يوسف) تداولاً حتى اليوم نالت انتشارًا واسعًا بين الأطفال، فالكورال الذي يُردد وراء المطرب من أصوات أطفال، والبطل الثاني في الفيديو كليب – بعد المُطرب- طفل.

والفيديو كليب يشير إلى الحُب الكبير بين طفل ووالده خلال تفاصيل الحياة اليوميَّة، ربما يُمكننا تشبيه نجاح تلك الأغنية بنجاح أغنية (الحُب الحقيقي) التي غنَّاها المُطرب المصري (محمد فؤاد) بين الأطفال، ويبدو أن حُبًا حقيقيًا هائلاً تنامى بين النجم هيثم يوسف وجمهوره من الأطفال مع (بس انتَ).

وأدركَ أنهم ملاكه الحارِس وتعويذته السحريَّة للنجاح، فغنى برفقتهم (حبيبي قُربانو)، وحرصَ على وجود طفل حتى في بعض أغانيه الموجهة للكبار، ففي كليب أغنية (ها يابه شقلنا) تم اختيار طفلة تلعب في الشارع لتؤدي دور موصِلة الرسالة للمحبوبة.

وفي أغنية نرى طفلاً يُنقذه البطل من تهوُّر سيَّارة البطَلة قبل أن يُصاب، وفي هذه كليب هذه الأغنية بوجهٍ خاص يلحظُ المُشاهِد المُهتم بهذا المجال الفني أن مؤديات بعض المشاهد الاستعراضيَّة يرتدينَ تحت قُمصانهن القصيرة قميصًا أسود يستُر ما كان سيظهر من أجسادهن.

وهو أمرٌ غير مُعتاد في هذا النوع من المشاهِد التصويريَّة، ما يجعلنا نستنتج – بسهولة – من الشخص الذي لم يوافق على ظهور تلك الأجزاء من أجسادهن عارية لتعلُّقه بالأطفال الذين يُشاهدون ويسمعون كل ما يُقدمه، وتعلّقه بوجه خاص بأطفال شقيقته الذينَ يتباهون دائمًا بخالهم المحبوب أمام أصدقائهم الصغار.

(هيثم يوسف).. نجم الحنين لسنوات التسعين !
يستحيل صمود أي نجم أمام آلاف التحدّيات والصدمات والتعقيدات مثل هيثم يوسف

التحدّيات والصدمات والتعقيدات

أما في كليب أغنية (عيني بساعتي) نرى بعض أفراد أُسرته الحقيقيَّة ومنهم والده وشقيقه وأطفال الأسرة الصغار برفقته، وعن ظهور والده علَّق خلال إحدى لقاءاته التلفازية في برنامج (كلام الناس) عبر شاشة قناة (الشرقيَّة) الفضائيَّة مُداعِبًا: (صارت شعبيته أكثر من شعبيتي وسحب الأجواء كلّها عنّي! لقد أكل الجو حتى على وسائط التواصُل الاجتماعي!).

أخيرًا يأتي دور فريق العمل المُمتاز.. يستحيل صمود أي نجم أمام آلاف التحدّيات والصدمات والتعقيدات والتغيُّرات المُتسارعة في الحياة العامَّة والحياة الفنيَّة دون وجود فريق عمل يرتاح لأفراده ويثق بهم ويحبهم ويحبونه.

واستمرارية عمل (هيثم يوسف) حتى اليوم تؤكد وجود مثل هذا الفريق خلف الكواليس.. ومع أن هذا النجم حريص على مُتابعة نبض آراء الناس تجاه ما يُقدمه بنفسه، إلا أن هذا الفريق يُسانده في بلورة أفكاره الفنيَّة التي يحبها الجمهور لتتجلَّى على أرض الواقع.

ولعلَّ من أجمل تلك الأفكار تنفيذ أُغنية (حنّيت للتسعين) التي أُطلِقَت هذا العام 2025م وحققت نجاحًا لا يُستهان به شكلاً ومضمونًا.. لقد استقبل العراقيّون – وغيرهم كثيرون – تلك الأغنية بكثيرٍ من التوق، لا سيما أولئك الذينَ أجبرتهم ظروفهم على مغادرة بلدهم خلال تسعينيَّات القرن العشرين أو بعدها بقليل.

الطريف أننا حتى في كليب هذه الأغنية المُتقن الصُّنع بتقنياتٍ مُعاصِرة بجهود المُخرج (سامر حكمت) نرى هيثم يوسف الذي اعتدنا رهانه الدائم على البساطة، فبينما صرنا لا نرى المطربين في أغنيات اليوم إلا هابطين من طائراتٍ خاصَّة، اختار هو الظهور كمُسافر عادي على متن طائرة عامّة تابعة للخطوط العراقية في إشارةٍ لفخره ببلده وجذوره الأصيلة.

وبينما تُعبّر مُعظم المشاهِد عن تفاصيل الحياة الدافئة خلال فترة التسعينات ثمة مشاهد أُخرى نرى فيها البطل، رجُل الأعمال الناجح العائِد من الخارج، يستثمر ثرواته العقليَّة والمعرفيَّة والماديَّة في إعادة إعمار بلده؛ وإن كان حنينه للماضي يُذكره بما كان وما صار.

وضاعف من حظ وصول الكلمات التي كتبها (ضياء الميَّالي) إلى وجدان الناس ألحان هيثم يوسف التي رافقت صوته مُفصحةً عن تعدُد مواهبه.

(هيثم يوسف)، الذي بدأت نجوميَّته الفعليَّة منذ أن كان طفلاً تستضيفه شاشة التلفاز عام 1983م؛ ظلَّ نجمًا حتى اليوم لأنه يحب الموسيقى والموسيقى تُحبه، مِصداقًا لمقولة أن وراء كُل نجاحٍ عظيم حكاية حُبٍ عظيمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.