
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
عندما أرسل الله نبيه يوسف إلي أرض مصر، كانت مصر تحوي عقائد الكفر والإلحاد، منحرفة عن العقيدة الأساسية التي كانت عليها في عهد (آدوم)، والتي جاءت في برديات المصريين القدماء، ونصها جاء في كتاب تيبو (موسوعة الأساطير والرموز المصرية القديمة).
وذكر الآتي: (لقد عبدوا إلهاً واحداً، خالق الأرض: إنه إله الفخراني، حرفي، قام بتشكيل خلقه بواسطة الطين الصلصالي ومياه النيل.. بعد ذلك نفث فيه من روحه)، وهذا يدل على أن المصريين القدماء كانوا على التوحيد الخالص، وينسبون نفسهم إلي (آدم) أو (آدوم) عليه السلام.
ونجد أن نبي الله يوسف ينبه المصريين، ويخبرهم بأن ما يعبدون من دون الله، ما هي إلا أسماء سماها الكهنة المنحرفين، وسار على خطاهم الأجداد السابقين.
ونحاول الآن تفسير العقيدة المنحرفة، وكيفية ابتداع أسماء لآلة وهمية، من خلال الكهان، وظهورها مستترة في المسرح المصري القديم.
يبدأ التاسوع المصري في مدرسة هليوبوليس بـ (آدوم) ، وفي معبد إسنا بالصعيد، توجد قصة خلقه والتي تنص على (أن الإله خنوم قام بخلق أول إنسان من الطين، وأعطاه اسم (آتوم)، أو (آدوم) ، وشكله من التراب وماء النيل وأصبح الطين الصلصالي، الفخار.
وعندما وجد آتوم وحيدا شكل له الأنثى إشيت أو إشتي (واسمها يعني التي تحيا بمعنى حواء)، وتذكر برديات مدرسة منف في مسرحية بدء الخليقة أن بتاح خالق (آدوم)، وخالق الآلهة وفي واحد من المشاهد يذكر هذا، هكذا قيل عن بتاح:
(هو الذي صنع كل شيء وخلق الآلهة». وهو تا- تينن ، الذي أنجب الآلهة، والذي جاء منه كل شيء.
أولاً، الأطعمة، والمؤن، والقرابين الإلهية، وكل الأشياء الطيبة. وهكذا يكون الأمر.
أدرك وفهم أنه أقوى الآلهة. وهكذا، كان بتاح.
لقد كان راضيًا بعد أن صنع كل الأشياء وكل الكلمة الإلهية.. حقًا.

الإنسان مخلوق من الطين
وهكذا خلق بتاح (آدوم) من الطين، إذا نحن أمام حقيقة دينية لا لبس فيها أن الإنسان مخلوق من الطين، أو اختلاف الاسم ويقال خنوم ، وهذا من بقايا الحقية ، والآن نأتي على الأسماء التي اطلقت على عناصر الأرض ورفعها الكهنة لمصاف الآلهة، ونتعرض إلى (آدوم) نفسه:
لقد وضع الكهنة (آدوم) على قمة التاسوع في هليوبوليس بوصه إله خالق ، وقاموا بوضع وصف للكيفية التي خلق بها أدوم الموجودات ، حيث أن أدوم من الطين والماء، والهواء (النفخة)، ولما كان الكنة لا يعرفون شيئا عن الخلق ، وانحرفوا بعد سنوات طويلة من الطوفان عن عقيدة التوحيد، فصنعوا أفكارا مفاده جسد أدوم الطيني المائي الهوائي.
فقالوا أن شو خلقه (آدوم)، والكيفية تقريبا خرج من أنفه الزفير، وخلق تفنوت من بصق فمه، وهما يمثلا الرطوبة الماء والهواء، وفي مسرحية بدء الخليقة يتم التعرض لهذا ويكون التأثير الحسي خارج من ترتيل، بصوت الممثل ليشرح ذلك: ويكون وقعه على الجمهور كالتالي:

المعني التأثيري الهواء
حاسة البصر: لا تري الهواء.. يولد خيال فقط، ويجسد في صورة كهنوتية من معبد الحياة.
حاسة السمع: تذكر صوت الرياح.. وهى قريبة مش لفظ شو، فعندما تهب الرياح بشدة نسمع صوتها به شين، شوووووووووووو.
حاسة اللمس: تهب وتحيط بجميع أجزاء الجسد.
حاسة الشم: رائحة الريح بالأتربة والرمال.
حاسة التذوق: عندما تهب الرياح يحدث عملية جفاف في الفم.
أما بالنسبة للرطوبة:
حاسة البصر: صورة السائل المائي.. ويجسد بصورة بشرية كهنوتية مثل (حابي).
حاسة السمع: خرير الماء في النيل والينابيع.
حاسة الشم: لا رائحة.
حاسة التذوق: الماء سائل الحياة لا طعم له ولكن شعور العطش والارتواء
حاسة اللمس : إحساس غمر الماء.
ومن هاذين العنصرين، أنجابا الأرض (جب) والسماء (نوت).
ومعروف تأثيرهما على الجهاز الحسي للمشاهد، والمعني هنا، أن السماء والأرض، والهواء والماء عناصر خرجت من جسد (آدوم)، وتبعها جميع الكائنات، إذا هناك وحدة تسمى بوحدة الوجود، مفادها أن أدوم من طين وماء وخرجت منه جميع الكائنات والأرض والسماء.. إلخ.
وهذه هى أساس الفكرة التي تظهر في الفلسفات القديمة، والتي تعتقد أن الله (استغفر الله العظيم)، والطبيعة حقيقة واحدة، وان الله هو الوجود الحق ويعتبرون الله صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

صورة الإله الحاكم
وفي الحقيقة أنهم يقصدون (آدوم) وليس الله سبحانه وتعالى، وهذه الفكرة ظهرت عند مدرسة هليوبوليس، وهكذا ما هي إلا أسماء سماها هؤلاء الكهنة، وفي المسرح المصري القديم يظهر أدوم، بعد الخلق في صورة الإله الحاكم على البشر: في هذا المشهد:
(آدوم): يقول هذه التي حملت سرا، هى فتاة حملت وستضع دون تدخل من الآلهة حقا، وهذا يعني أنه غرس أوزيريس، وليحجم هذا العدو الذي قتل أباه عن تحطيم البيضة الصغيرة وليضمن الساحر الأكبر له الاحترام ولتطيعوا أيتها الآلهة ما تقوله إيزيس.
(إيزيس): لقد تحدث أدوم سيد قصر الصور الإلهية وقد التزم من أجلي بحماية ابني في أحشائي ووضع حارسا خلفه داخل هذا الصدر ، ولتضمنوا حماية هذا الصقر الذى في الأحشاء، واسم (آدوم) وكلامه يضع المشاهد تحت تأثيرات حسية، غريبة، نوضحها:
البصر: تخيل أدوم بصورته التي وضعها الكهنة من خلال بيت الحياة تثير في المشاهد خيالات، زغير (آدوم)، وخروج شو، بصق أتوم وخروج تفنوت.. إلخ، بالإضافة إلي الأنوار والظلمات.
السمع: جميع الأصوات التي يسمعها الإنسان في الطبيعة خارجة من أدوم ، صوت رياح.. إنسان.. حيوان.. إلخ.
اللمس: لا شعور سوي بما لمسة الإنسان من مخلوقات أتوم
التذوق: الأطعمة الخارجة من الأرض، وهذه الأرض هى من (آتوم).
الشم: جميع الروائح خارجة من (آتوم).
وهذا التأثير الكاذب هو التحريف الذي وضعه الكهنة والمسمى بوحدة الوجود، والمشاهد يشعر أن الطبيعة كلها هي أتوم ، وأنه جزء من أتوم ، ومتوحدين فيما يسمي بوحدة الوجود، وهذا أصل الموضوع المسمى بوحدة الوجود وتأثيره على الفكر الإنساني.
والحقيقة أنها عقيدة زائفة، وما يؤكد ذلك وجود النص في البرديات الدال على أن الله واحد أحد خالق كل شيء، والانحراف جاء بالفلسفة الزائفة التي ابتدعها الكهنة والأسماء التي أطلقوها على عناصر الطبيعة وأوهموا الناس أنها خالقة.
ولكن فن التمثيل يفضح الكذبة، ويظهر (آدوم) كبشر عادي أمام الجمهور، خلق من طين وأنه أبو البشر، وما يهم هذا الجمهور هو انه ينتسب له، وينسى الجمهور الكذب ويهتم فقط بالحقيقة التي مفادها: أن هذه العناصر ما هى إلا أسماء ما أنزال الله بها من سلطان، كما أوضح لهم نبي الله يوسف عليه السلام، وفكرة وحدة الوجود أساسها (آدوم)، وانتقلت إلي الفلسفات الدينية، ليقولوا على الله ما لا يعلمون ونتذكر قول الحق تبارك وتعالى:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة – 168 – 169).. صدق الله العظيم.