

بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي
من المتكرر – بل ومن السذاجة تكرار – ترديد مقولات تبرز قيمة (الثقافة) وأنها القوى الناعمة وحائط الصد في مواجهة التطرف، لتوضيح قيمتها، وأن علينا العمل على نشرها لإبراز هويتنا وما تتسم بها من سمات وخصوصية تميز شعبنا بين باقي شعوب العالم.
فهذا لم يعد خافياً على أحد، وبات من الوجب أن تكون (الثقافة) ضمن أولويات الحكومات لا التعامل معها باعتبارها ترف ورفاهية، وعلى المسئولين الوعي بأهميتها بما يرتقي بها على سلم الأولويات ما من شأنه الارتقاء بالمجتمع والمساعدة في تقدمه.
إن الدفاع عن (الثقافة) والانحياز لها يجب ألا يُنظر إليه باعتباره شأن شخصي، وإنما هو انحياز لهويتنا ولوجودنا، كونها تحوي مقومات الأمان للمستقبل، وهي ليست ترفًا ولكن ما أجمل وأن نجعلها تعود على الحياة بالترف، وتكون سببًا في السعادة.
هذا؛ وتأتي الأهمية للنشاطات الداعمة لهويتنا الثقافية – بل وتزداد – في تلك الفترة في ظل التقدم التكنلوجي والانفتاح الاتصالاتي والإعلامي الذي يكرس لثقافة الاستهلاك، وفي ظل العولمة الثقافية التي تسعى لتمييع الهويات ومحو خصوصية الشعوب.
تأتي تلك المقدمة على خلفية ما أثير وما يثار خلال الأيام القليلة الماضية من سلبيات وأحداث متعلقة بالشأن الثقافي، وتكرار مشهد الغلق لمواقع (الثقافة) وإخلائها.. الأمر الذي انتهى بتقدم بعض النواب بطلبات إحاطة لاستجواب د. أحمد هنو وزير الثقافة بمجلس الشيوخ.
تتصدى للقيم الغربية رغم ضعف الإمكانات.. بصفتي مواطن مصري منتمي، يعي ويقدِّر أثر (الثقافة) ودورها الهام – وإنصافًا للحق – أذكر بأنني كنت مشدوهاً بما يقدم من قبل المؤسسة الثقافية من بعض فعاليات تواجدت ونزلت بها للمواطنين على أرض الواقع.

محدودية تلك الفعاليات
ورغم محدودية تلك الفعاليات إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر تواجدها وأثرها في مقابل قيم الثقافات الغربية ومخططاتها التي تبث عبر برامج ومسلسلات المنافذ الإعلامية المختلفة من قنوات تلفزيونية ومنصات رقمية.
وهنا – وعلى سبيل المثال لمن تابع – أشير إلى الفعاليات التي قدمتها المؤسسات الثقافية خلال شهر رمضان، من أنشطة التحمت بالجماهير بدار الأوبرا ومنطقة السيدة زينب، والعجوزة، وغيرها من مناطق مختلفة بالقاهرة، بالإضافة لغيرها من فعاليات أقيمت بالمحافظات ضمن البرامج الثقافية خلال ذات الشهر.
ويبرز من بين الهيئات التابعة لوزارة (الثقافة)؛ مثل: (الهيئة العامة لقصور الثقافة)، والتي تعد في حد ذاتها وزارة ثقافة معنية بجماهير الوطن، بما يمنحها أهمية خاصة بين مؤسسات الوزارة، وهى تعمل وفق رؤية واضحة لتحقيق أهداف محددة، منها:
دعم الهوية الثقافية للوطن والحفاظ عليها، إلى جانب الدور التثقيفي والتنويري بشكل عام، وكذلك اكتشاف ورعاية وتنمية قدرات الموهوبين والمميزين في الآداب والفنون من القاطنين بالمحافظات، ويتم ذلك عبر آليات تنفيذية تم تطويرها خلال مسيرتها باستحداث إدارات وبرامج ومشاريع كثيرة عبر مراحل مختلفة.
وتعتمد – في تحقيق أهدافها – وفق تقسيم هيكلها الإداري على دعامتين أساسيين، الأولى (الإدارات المركزية وإداراتها العامة النوعية بمقر الهيئة بالعاصمة، والثانية الإدارات المركزية بالأقاليم والتي يتبعها إدارة عامة بكل محافظة من محافظات مصر ولكل منها مقار منتشرة بالمدن والقرى).
ولأنني أسلط الضوء على الأثر والتواجد القوي للثقافة الجماهيرية، سأتجاوز الحديث عن أفرع الأقاليم وضعف أدائها وأسباب ذلك، ولكني أتوقف أمام إدارات التقسيم الأول، ومنها الإدارة المركزية للشئون الثقافية، والإدارة المركزية للشئون الفنية.
وثالثها الإدارة الأهم على الإطلاق (الإدارة المركزية للدراسات والبحوث)، والتي تُحَدِث من برامجها ومشاريعها الثقافية بشكل دائم، وتنفذها بالتعاون مع الإدارتين المركزيتين الآخيرتين، ولا تتوقف في تنفيذ مشروعاتها وبرامجها على القاهرة الكبرى فقط، بل تتحرك بها إلى كل بقاع الوطن.

بيت القصيد:
يبدو أنها مقدمة طويلة، ولكني أصل لبيت القصيد؛ للرد على بعض ممن يحاول التقليل من أثر ما تقدمه هيئة قصور (الثقافة)، حيث أنها تقدم برامجا عظيمة ومؤثرة، وأثرها موجود بالفعل ولا يمكن لأحد إنكاره، ونلمس هذا التأثير من خلال فعالياتها الملتحمة بالجماهير على العكس من باقي هيئات الوزارة التي تقدم خدماتها لشرائح الصفوة.
ولنا أن نتأمل فعاليات كثيرة عظيمة، نذكر منها؛ قوافل الورش الفنية والحرفية، قوافل أتوبيس الفن الجميل، قوافل ثقافة القرية الموجهة للقرى والمناطق الريفية، برنامج (مصر جميلة) بالمحافظات المختلفة.
أيضاً مبادرة (حياة كريمة) التي تستهدف تحقيق العدالة الثقافية والوصول بخدماتها للقرى الأكثر احتياجاً، وتقدم خلالها الفعاليات المختلفة من عروض فنية ولقاءات توعوية، وفقرات كشاف المواهب في مجالات الفنون والأدب المختلفة، إضافة لورش التدريب المجانية على الحرف البيئية.

ملتقيات (أهل مصر)
نصل إلى ملتقى (أهل مصر) المعني بالمحافظات الحدودية الذي يقام تحت شعار (يهمنا الإنسان)، والذي يهتم بالفئات المختلفة من أهل محافظات (مطروح، أسوان، الوادي الجديد، شمال وجنوب سيناء، البحر الأحمر، حلايب، الشلاتين، أبو رماد).
ويتم تنفيذه في صورة ملتقيات أسبوعية تجوب بأبناء تلك المحافظات في جولات بين بلدان مصر المختلفة للالتحام بها والتعرف عليها، وتكون في ثلاثة ملتقيات هى (ملتقى الأطفال) الذي نفذ منه 39 أسبوعا (ملتقى الفتاة والمرأة) الذي نفذ منه عشرين أسبوعًا، و (ملتقى الشباب) الذي نفذ منه 21 أسبوعًا.
ولا يقل المشاركين في أي من تلك الملتقيات المجانية في الملتقى الواحد عن 120 طفلا، أو سيدة وفتاة، أو شاباً وشابة، وقد شرفت بالمشاركة في ملتقى أهل مصر في دورته الـ21 التي أقيمت مؤخراً بمحافظة دمياط في الفترة من 4 إلى 11 مايو الحالي – فمن سمع ليس كمن شاهد وعايش التجربة – حتى يعرف الأثر.
ولقد لمست عن قرب أثر تلك الملتقيات من تفاعل حقيقي بين شباب المحافظات المختلفة ويقربهم من بعض بما من شأنه تحقيق الترابط بين شباب أهل مصر، واطلاعهم على المزارات المختلفة خلال الزيارات الميدانية لمزارات وأثار المحافظة التي تستضيفهم.
وكذا تتحقق المثاقفة بين الثقافات المختلفة للشباب، وهذا بالإضافة إلى الورش التدريبية على أيدي مدربين متخصصين على أعلى درجة من المهارة في الحرف البيئية وكذلك الفنون الأدائية والكتابية.
ويتم عرض منتجهم الذي نفذوه بأيديهم في خلال الورش في ختام الملتقى، (ملتقى الشباب) تقوم بتنفيذه الإدارة العامة للشباب والعمال بقيادة الأستاذ (أحمد يسري)، والتابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة برئاسة الدكتورة (حنان موسى)، ويشرف على تنفيذ تلك الملتقيات الكاتب (محمد عبد الحافظ ناصف) نائب رئيس الهيئة.

وبعد؛
الحديث عن (الثقافة) الجماهيرية وفلسفتها أمر يطول، وأثرها ملموس رغم فقر الإمكانيات، وما أشرت إليه هنا هو نقطة في بحر مما تقدمه بشكل مستمر، لإدارة مركزية واحدة، غير باقي الإدارات المركزية الثقافية والفنية، والتي يكون حظها أوفر من حيث الإمكانيات من مواقع الأفرع بالمحافظات التي طال قرار الإغلاق بعض مواقعها.
أما وأن أخذ طريقه للتنفيذ، فإننا نأمل في وضع تصور حقيقي معلن كبديل لذلك، مع العمل على التطوير والتجديد والتحسين لمنشأتها، ورفع ميزانياتها، وامدادها بالكوادر الإدارية والثقافية، كمقار دائمة بالمحافظات للهيئة، وحتى تقوم بمهامها على الوجه الأكمل فى نشر الفكر المستنير والارتقاء بالوعى ومجابهة التطرف والإرهاب.