رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: الجهاز الحسي:  و(ابني آدم).. أوزيريس (4)

كمال زغلول يكتب: الجهاز الحسي:  و(ابني آدم).. أوزيريس (4)
لم يكن الصراع على امرأة ـ بل على حكم مصر، ولكن يظهر دور المرأة فيما بعد

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

الحسية الجمالية للشخصية، هدفها التأثير في المشاهد من خلال جهازه الحسي، واذا تعرضنا إلى قصة (ابني آدم) ، سنجد أن شخصية هابيل قد أثرت في البشرية  إلى يومنا هذا، والدليل عندما تذكر هذه الشخصية في الحياة العامة، نجد وقعها ظاهر على نفوس البشر.

وإذا ظهرت هذه الشخصية في العروض المسرحية نجد تأثيرها القوي على جمهور المشاهدين، وهذا التأثير راجع إلى موقف هذه الشخصية الخيرة من أخيه كما نعلم، وفي المسرح المصري القديم، نجد بالفعل قصة (ابني آدم) متمثلة في (أوزيريس) وست (مع اختلاف الأسماء) في الإسرائيليات، واختلاف الصراع بينهما.

فلم يكن الصراع على امرأة ـ بل على حكم مصر، ولكن يظهر دور المرأة فيما بعد، والسؤال الآن من هو (أوزيريس)؟، ولماذا تظهر شخصيته في المسرح المصري القديم بصورته البشرية بلا أية أقنعة؟، وفي محاولة للإجابة على هذين السؤالين، نعود إلي الكهنة المصريين، وننظر في تفكريهم، ونحاول تحليل هذه الشخصية في مصر القديمة.

إن القصة بالفعل مرتبطة بـ (ابني آدم) ، ولكن اسم (أوزيريس) هنا يدل على واحد من أهم الأنبياء في التاريخ البشري، وهو نبي الله (إدريس)، الذي علم البشر الكتابة وعلوم أخرى، وهذا النبي من أهم الشخصيات التأثرية في نفوس البشر، واسم (أوزيريس)، في المصرية القديمة هو أوزير، وهو قريب من اسم (عزير).

وهذه الشخصية أيضا من أهم الشخصيات التأثرية في التاريخ البشري، إذ هو آية من آيات الله، فقد أماته الله مائة سنة وأحياه ثانية، إذا نحن أمام ثلاث شخصيات مؤثرة في الحياة البشرية الدينية في التاريخ البشري، وأعمالهم الدالة على ذلك موجودة في التاريخ المصري بقصصهم.

ولكن قام الكهنة بتحريف القصص، ودمج الشخصيات الثلاثة في شخصية واحدة، ورفعوا تلك الشخصية المركبة إلي مصاف الألوهية، وهذا ما نلاحظه في مدرسة هليوبوليس ومعابدها، من خلال التاسوع الخاص بها، والفلسفة التي ابتدعوها، وخرجوا بها عن عقيدة التوحيد التي كانت عليها مصر.

كمال زغلول يكتب: الجهاز الحسي:  و(ابني آدم).. أوزيريس (4)
عقيدة اللاهوت والناسوت وظهرت لأول مرة في التاريخ عقيدة اللاهوت والناسوت في شخصية (أوزير)

شخصية (أوزير) المركبة

عقيدة اللاهوت والناسوت وظهرت لأول مرة في التاريخ عقيدة اللاهوت والناسوت في شخصية (أوزير) المركبة، ومفاد هذه العقيدة أن (أوزير) كان يحتوى على طبيعتين (إلاهية وإنسانية)، حتى يقوموا بعملية إيهام لمتبعيهم بأن هذه الشخصية إلاهية.

ولكن الفلسفة هذه نتج عنها ثلاث أشكال تخص هذه الشخصية وهم (الاحتفالية، والطقس، والعرض المسرحي) المرتبطون بالجهاز الحسي للإنسان والفنان، ونستعرض هذه الأشكال الثلاثة تأثيرها في الجهاز الحسي للإنسان.

الطقس الخاص بأوزير:

ابتدع الكهنة طقس غريب خاص بتلك الشخصية، ويطلق عليه خطأ صلاة أو عبادة، ولكن هذا الطقس كان يقوم به الكهنة بتقديم طعام وشراب لهم لكي يصيروا (أوزيريس) ويصبحوا آلهة في الحياة الآخرة ، ولكي يضفوا عليه صفة التأثرية الشعورية استخدموا الجهاز الحسي للإنسان، ونستعرضه  كالتالي:

البصر: التأثير البصري على هذه الحاسة، يتأتى من الإضاءة الخافتة، وأزياء الكهنة التي تحوي نوعا من الإبهار، كذلك من الحركات التي يقوم بها الكهنة، والأيقونات والتماثيل موهمين الناس هذه التماثيل والأيقونات لها بها أرواح، وهم لا يفهمون ماهى الروح .

السمع: الموسيقى الحزينة، والتراتيل التي تقص حياة (أوزير) المحرفة والمركبة، وسرد قصص الشخصيات الثلاثة المؤثرة في البشرية (هابيل – إدريس – عزير) بشكل محرف مدمج.

الشم: إطلاق البخور برائحته للتأثير على هذه الحاسة، ليكون الطقس به رائحة خاصة بأوزير.

التذوق: شرب شراب، وطعام خاص ليسير في دماء التابع في الطقس، جسد أوزير، ويصير مثله.

اللمس: ليس لدى معرفة: ولكن يقدمون بعض الأشياء على أنها تخص الشخصية، وهي زائفة ويلمسها المريد.

وهكذا يكون دور الكهنة في التأثير على الجهاز الحسي، داخل الطقس، وهو ليس بفن بالطبع، لأن مضمونه يختلف عن مضامين العرض المسرحي.

كمال زغلول يكتب: الجهاز الحسي:  و(ابني آدم).. أوزيريس (4)
إن آلام أوزير كانت من أجل الشعب، ويكون التعبير بوضع تيجان الشكوك على رؤوسهم

الاحتفالية الخاصة بأوزير:

انعكست القصص الزائفة على التابعين، وبالتالي هؤلاء التابعين لهم دور تعبيري عن هذه الشخصية ، لكي يعبروا بجهازهم الحسي عن هذه الشخصية ويخرجون مشاعرهم في صورة تصويرية أمام الناس كالتالي:

الخروج في مواكب: صفوف وجماهيرية، لكي يؤثروا في جموع المشاهدين.

التعبير عن مشاعر الألم: إن آلام أوزير كانت من أجل الشعب، ويكون التعبير بوضع تيجان الشكوك على رؤوسهم.

بالإضافة إلي أشياء أخرى.

ويتبقى لنا الشكل الثلاث وهو العرض المسرحي (الأسرار – أو آلام أوزيريس)، ونخصص مشهد مولد أوزير لنرى كيفية التأثير الكاذب على المشاهدين، من خلال الزيف الكاذب لمولد أوزيريس: الحمل بلا رجل.

الأميرة نوت: متفكرة تحت ظلال شجرة جميز ضخمة، فاقت جميع الأشجار المجاورة في ارتفاعها وضخامتها، وفي ذات صباح حينما كانت تستقبل مشرق النهار، وهى تشدو مترنمة بأنشودة لآتوم رع، بهرتها روعة الشمس وتألقها، وأذهلها قصف الرعود، وهنا ترامى إلى سمعها صوت آتوم  الإله الخالق، قائلا:

آتوم: (هيا فلتتجسد.. أنت يا من ولدت في الفضاء، وتكونت في هوة الظلمات، فلترفعي رأسك أيا شجرة الجميز اللدنة الخاصة بنوت، فإن السماوات قد أنجبت من الهواء والرطوبة (شو وتفنوت)، وهى تحتضن طفلا بين أيديها، وها هو قادم إليك وكأنه واحد من النجوم، إنه أوزيريس قادم نحوك).

ومع هبات النسيم ، سمعت هذه العبارة أيضا:

آتوم ( سوف أضعه في أعماق الصدر، من أجل حياة القلب).

وكذلك سمع هذا النداء و الابتهال:

(أيا رع قد تضخم جسد نوت بلقاح الروح الكامنة في كيانها). 

كمال زغلول يكتب: الجهاز الحسي:  و(ابني آدم).. أوزيريس (4)
عندئذ رأت نوت الطائر إيبس يدور حولها، فأغمضت عينيها

الأميرة نوت في زيها

وهنا سطع برق خاطف على الأرض قاطبة، وعندئذ رأت نوت الطائر إيبس يدور حولها، فأغمضت عينيها، وتمددت على الأرض، فاقدة الوعي، تحت ظلال الجميزة.

ومن المشهد السابق، نلاحظ أن الخالق (أتوم)، وهو (آدم)، لاعتقادهم أن (آدم) خرج منه الجنس البشري، وقد حاول الكهنة أقناع المشاهدين بهذا العمل مؤثرين في أجهزتهم الحسية، وتم إخراج المشهد لكي تم هذا كالتالي:

البصر: مشاهدة طبيعية لمنظر شجرة الجميز (الموجودة في حديقة المعبد)، الأميرة نوت في زيها وتأملها، والحالة التي ظهرت عليها من إغماء.

السمع: صوت (أتوم) القادم من الماضي، وبالطبع استخدم أداة صوتية لتضخيم الصوت، وربما عندما تم تمثل هذا المشهد تم عمل حيل إخراجية لظهور صوت الرعد.

الشم: بالطبع المشهد تم إخراجه في حديقة المعبد، وهذه الحديقة مزروع فيها أيضا زهور تعطي روائح للمكان ،بالإضافة إلي رائحة الخضرة.

التذوق: الروائح يكون تأثيرها تذكر ثمار الجميز، وطعمها.

اللمس: قادم من لمس المشاهدين في الطقوس إلى أغراض أوزيريس.

وبهذا تم وضع الجهاز الحسي للمشاهد في حالة تأثير حسي، وهذا تأثير كاذب ولكن عندما يبدأ الصراع بين الأخوين ويقتل ست أوزير وهذا حقيقي، يغطي هذا المشهد على مشاهد الأكاذيب السابقة، وتخرج هذه الاكاذيب من ذهن المشاهد ، ويحتفظ في ذهنه بقضية قتل الأخ لأخيه، وينسي الكذب.

ويحتفظ بالحقيقة وتتحقق له متعة المشاهدة التأثيرية، من خلال مشهد القتل ويتأثر بهذا الفعل، ويكون تنبيه له بان هذا فعل بشع، ويجب عدم فعل هذا في الحياة، كما حدث مع (ابني آدم)، وبهذا العرض لما سبق تعرفنا على الجهاز الحسي في ثلاث أشكال: (الطقس، الاحتفالية، العرض)، والفرق بينهما من خلال عمل الجهاز الحسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.