
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
أزمة (بوسي شلبي) وابنَي (محمود عبد العزيز) نالت أكثر مما تستحق، شهادات ومَكلمات ونميمة وانفلات واتهامات على أحد طرفيها ممن يعنيهم الأمر وممن لا يعنيهم، ومن الفضوليين والمنحازين لهذ الطرف أو ذاك، ومن وقت لآخر يتم إلقاء بعض البنزين على النار حتى تظل مشتعلة، وتظل هذه الحكاية مادة للقيل والقال.
قضية شخصية جداً وخاصة جداً تم فرضها على الناس، وأصبحت شاغلة لقطاع عريض من المصريين، وكأنها أمّ القضايا رغم أن ما يماثلها في أروقة المحاكم مئات آلاف إن لم يكن ملايين القضايا.
لو كان أحد العرافين والمشعوذين قد التقى (محمود عبد العزيز) قبل وفاته، وقال له: (ستتعرض لفضيحة بعد رحيلك بسنوات لم تتعرض لمثيل لها في حياتك)، لخلع حذاءه وضربه به، ولو قال له أحدهم أن هذه الفضيحة سيسببها له أقرب الناس لتيقن أن القائل مجنون يهذي بما لا يتقبله لا عقل ولا منطق ولا عرف.
ولكن هذا هو ما حدث، والفضيحة أصبحت بجلاجل، وأول من تنال منه هو الساحر صاحب (الكيت كات، والعذراء والشعر الأبيض، والأبالسة، وأرجوك أعطني هذا الدواء، القبطان، الجنتل، سوق المتعة، العار، جري الوحوش، هارمونيكا)، وصاحب واحد من أهم المسلسلات التي تم إنتاجها في تاريخ الدراما المصرية.
عندما لعب (محمود عبد العزيز) بطولة (أبناء وقتلة) لم يكن يتخيل أنه سيكون مادة للقيل والقال بعد وفاته يحمّل فيها البعض أبناءه مسؤولية قتل سمعته، وعندما مثل بطولة (إعدام ميت)، لم يكن يعرف بأن أولاده وزوجته سيصدرون عليه حكماً بعد وفاته بإعدام القيم والمبادئ التي دافع عنها في أفلامه.

كلام تنقصه الوثائق الرسمية
(محمود عبدالعزيز) مثل ملايين المصريين تزوج من سيدة بعد تطليقه لوالدة ابنيه الفنانين (محمد وكريم)، وكانت هذه السيدة هى (إلهام شلبي) المعروفة باسم (بوسي شلبي)، والتي لم تخف إعجابها به منذ صباها، وتم زواجهما في عام 1998، وبعد 45 يوماً أو ثلاثة أشهر من الزواج وقع بينهما الطلاق وتم توثيقه رسمياً.
وحسب (كريم ومحمد) لم يعدها إلى عصمته، وحسب كلام (بوسي) فإنه ردها إليه وظلت متزوجة منه حتى وفاته، ولكن كلامها تنقصه الوثائق الرسمية.
المحاكم انحازت لادعاءات (محمد وكريم) بعد أن رفعت (بوسي) دعوى إثبات رجعة، إنما ما نستغربه لماذا إثبات الرجعة يتم بعد الوفاة بسنوات؟، ولماذا لم يحدث ذلك خلال حياته؟، ولماذا فضيحة الميراث بعد 7 سنوات من الميراث؟، ولماذا كتب (محمود عبد العزيز) كل ممتلكاته باسم ابنيه، ولم يكتب أي شيء باسم زوجته؟، ولماذا ولماذا ولماذا؟!
أسئلة كثيرة ليست لها إجابات ولن تكون، وكل شهادات الفنانين الذين اعتبروا أنفسهم جنوداً مجندة للدفاع عن حقوق وشرف (بوسي) وسمعة (محمود عبد العزيز) لن تجدي نفعاً، فمثل هذه القضايا لا تحسمها شهادات الشهود ولكن تحسمها الوثائق والمستندات.

الهجوم الكاسح والمبالغ فيه
تتعاطف بعض الوقت مع (بوسي)، وعندما تجد الهجوم الكاسح والمبالغ فيه من عواجيز الفرح على (محمد وكريم) لا تملك سوى التعاطف معهما، وستكون معذوراً لو انتابك شك في أنها حملة ممنهجة لتدمير مستقبل (كريم ومحمد)، ويساعد على ذلك صلابة موقفهما رغم أن ما يقال عنهما يمكن أن يكسر أي شخص، وتحس أنهما يدافعان عن موقفهما عن قناعة وأنهما يؤمنان بأن صاحب الحق لا ينكسر.
الغريب أن معظم الفنانين المتطوعين للدفاع عن (بوسي) في قضية شخصية جداً وخاصة جداً، يفضلون الانزواء والصمت المريب تجاه القضايا الحيوية التي تمر بها مصر والأمة، وكأن قضية زواج (بوسي شلبي) من عدمه هى القضية الكونية التي قد تتزلزل الأرض بسببها.
هذه الأزمة قلبت حقائق راسخة عن فنان أحبه الناس ومازالوا يحبون أعماله، وجعلوا حياته تبدو في نظر الكثيرين كما لو كانت كذبة كبيرة، خلقت شكوكاً حول قيمه ومبادئه، رغم أنه مات وهو تارك لجمهوره ذكرى طيبة، وبفضل عبث السيدة التي شهد الجميع بحبها له ورفعها البعض إلى ما يفوق الطبيعة الإنسانية خصوصاً بكلامهم عن رعايتها له في مرضه.
وهو ما لا ينبغي قوله حتى تنال ثواب فعلها، أو سواءً من ابنيه اللذين سمحا بأن تكون سيرة وسمعة والدهما على كل لسان، وسواءً من الأصدقاء والزملاء الذين انساقوا للخوض في هذه القضية التي كان يمكن تحجيمها بالتجاهل الذي يصب في صالح جميع الأطراف.
كفانا لغواً في هذه القضية التي لا تستحق ما استهلكه الشعب المصري عليها بل وبعض الشعوب العربية المحبة لـ (محمود عبد العزيز) وأعماله من وقت، بعد أن حولونا إلى أمة تنشغل بالخصوصيات عن العموميات وتشغلها الصغائر عن العظائم ويريدونها أن تظل تائهة فكرياً تابعة سلوكياً، غائبة الوعي والإدراك حتى تسهل إدارة شؤونها حسب مصالح غيرها.