رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!
أطلق عليها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مدينة جنين
من قتل (شيرين أبو عاقلة)!
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

حلت تلك الأيام الذكرى الثالثة لاستشهاد مراسلة قناة الجزيرة الراحلة طيبة الذكر (شيرين أبوعاقلة) في 11 مايو عام 2022، بعد أن أطلق عليها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، رغم أنها كانت ترتدي الخوذة والسترة التي تميز مهنتها.

كانت من بين أبرز المقولات لها، (بدها طول نفس)، وكانت آخر كلمات لها (أنا بنت القدس وأحب أن أرها سعيدة) لتصف مدى حبها للقدس، جاءت تلك الكلمات في آخر لقاء لها عند باب عامود بالقدس المحتلة.

وفور استشهادها في ذاك الوقت، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية، أن (شيرين أبوعاقلة) توفيت متأثرة بإصابات خطيرة تعرضت لها في منطقة الرأس خلال تغطيتها اقتحام قوات إسرائيلية لمخيم جنين، فيما نعتها الكثير من الدول والقادة والمؤسسات والهيئات الصحفية حول العالم.

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!
تعود أصول (شيرين أبوعاقلة) لعائلة مسيحية في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية

من هى شيرين أبوعاقلة

ولدت (شيرين أبوعاقلة) في يناير عام 1971 في القدس، وتخرجت في مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا بالقدس.

تعود أصول (شيرين أبوعاقلة) لعائلة مسيحية في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، ولكنها ولدت وترعرت في القدس الشرقية التي أحبتها وأوصت أن تدفن بها حال استشهدت أثناء قيامها بواجبها الوطني.

درست الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، ثم اتجهت بعد ذلك إلى الدراسة الصحفية، حيث حصلت على بكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، وكان تخصصها في الصحافة المكتوبة

عادت (شيرين أبوعاقلة) بعد تخرجها إلى فلسطين، وعملت في عدة هيئات إعلامية من بينها إذاعة صوت فلسطين وقناة عمان الفضائية، ثم انتقلت في 1997 إلى العمل في إحدى القنوات الفضائية كمراسلة لتغطية ميادين المعارك.

تعرف (شيرين أبوعاقلة) كونها أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان في عام 2005، حيث قابلت الأسرى الفلسطينيين الذين أصدرت محاكم إسرائيلية أحكاما طويلة بالسجن في حقهم، وعلى مدى ربع قرن، قامت (أبوعاقلة) بتغطية الكثير من فصول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!
التستر على هوية الجندي الذي قتل مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين (شيرين أبو عاقلة)

من قتل شيرين

بعد ثلاث سنوات حاولت خلالها الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية التستر على هوية الجندي الذي قتل مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين (شيرين أبو عاقلة)، توصل تحقيق استقصائي مصوّر لشخصية القاتل، وهو الجندي (ألون سكاجيو) الذي قُتل قبل عام في نفس المكان الذي قَتل فيه الصحفية الراحلة.

الوثائقي الجديد يحمل عنوان (من قتل شيرين؟)، يخلص إلى أن أحد أفراد وحدة (دوفديفان) التابعة للقوات الخاصة الإسرائيلية أطلق النار على (شيرين أبوعاقلة) أثناء تغطيتها الاحداث في جنين بالضفة الغربية، وحاولت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة (نفتالي بينيت) آنذاك.

في البداية إلقاء اللوم على المسلحين الفلسطينيين في مقتلها، لكنها بعد بضعة أشهر أقرت بأن القوات الإسرائيلية ربما تكون مسؤولة، ومع ذلك، لم يحدد الإسرائيليون هوية الوحدة أو الشخص المسؤول، ولم يسمحوا لإدارة بايدن بالوصول إليهما.

بحسب التقرير، لا يهدف الفيلم الوثائقي، إلى تحديد هوية الجندي المسؤول عن مقتل (شيرين أبوعاقلة) فحسب، بل أظهر فشل الحكومة الأمريكية في محاسبة الجيش الإسرائيلي، ومثّلت (أبو عاقلة)، الفلسطينية التي كانت تحمل الجنسية الأمريكية، لأعوام طويلة أحد أبرز الوجوه الإعلامية العربية لتغطية التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال منتج الفيلم الصحفي (ديون نيسنباوم): (لم تدخر إسرائيل جهدًا لإخفاء هوية الجندي، ولم تزود الولايات المتحدة بأي معلومات، لم يسمحوا للولايات المتحدة بمقابلته، ولم يطلعوها على إفادته، ولم يكشفوا اسمه).

واطّلع (نيسنباوم)، وهو مراسل سابق لصحيفة (وول ستريت جورنال)، بالتعاون مع المنتج (كونور باول)، والصحفية (فاطمة عبد الكريم)، مراسلة صحيفة (نيويورك تايمز) في الضفة الغربية، على شهادتَي جنديين إسرائيليين اثنين كانا موجودين في جنين يوم استشهاد (شيرين أبوعاقلة)، وقابل مسؤولين أمريكيين كبار.

وبحسب الوثائقي، أكمل (سكاجيو) الذي كان في العشرين من عمره، تدريبه في وحدة (دوفدوفان) للنخبة قبل ثلاثة أشهر فقط من استشهاد أبو عاقلة.

وقال (نيسنباوم): (لقد أطلق النار عليها عمدًا.. لا شك في ذلك.. السؤال هو: هل كان يعلم أنها صحفية أو كان يعلم أنها شيرين أبو عاقلة؟ هل كان ذلك أمرًا من سلطة أعلى؟).

وأضاف: (شخصيًا، لا أعتقد أنه كان أمرًا، ولا أعتقد أنه كان يعلم أنها (شيرين أبوعاقلة)، لم يُشر أحد على الإطلاق إلى أنه كان قادرًا على معرفة أنها (شيرين). لكنها كانت ترتدي سترة زرقاء واقية من الرصاص كُتب عليها (صحافة).

وتحدث مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك (جو بايدن) في الفيلم دون كشف هويته، قائلًا: (الأدلة (تشير) إلى أنه كان قتلًا عمدًا لـ (شيرين أبو عاقلة)، إذا كانوا يعلمون هويتها أم لا هو أمر قابل للنقاش، لكنهم كانوا يعلمون قطعًا أنها كانت إعلامية، أو من غير المقاتلين على أقل تقدير.

من قتل (شيرين أبو عاقلة)!
الإفلات من العقاب في هذه القضية (منح إسرائيل عمليًا إذنًا لإسكات مئات) الصحفيين الآخرين

إسكات مئات الصحفيين

على أثر ذلك أدان متحدث باسم الجيش الإسرائيلي الكشف (غير المصرح به) عن هوية الجندي، على رغم عدم وجود (تحديد قطعي) لهوية قاتل (شيرين أبوعاقلة)، وزعم أن الجندي المشتبه به (قضى خلال نشاط عملياتي).

وفي البدء، رجّح (نيسنباوم) أن (سكاجيو) قتل خلال المعارك في غزة، لكنه خلص إلى أنه قضى في السابع والعشرين من يونيو 2024 في جنين، بعد مرور أكثر من سنتين على استشهاد (أبو عاقلة).

وبحسب معدّي الفيلم الوثائقي، لم تضغط واشنطن بالقدر الكافي على إسرائيل في هذه القضية خوفًا من إثارة غضب حليفتها، وقال السيناتور الديموقراطي (كريس فان هولن)، إنه طلب من (بايدن) رفع السرية عن مستندات متعلقة بقتل (شيرين أبوعاقلة)، لكنه لم يلق جوابًا.

بالتزامن مع عرض الفيلم، قالت لجنة حماية الصحفيين من جانبها إنها (المرة الأولى التي يسمّى فيها مشتبه به محتمل في قضية قتل إسرائيل لصحفي)، وفقًا لسجلاتها التي تعود إلى عام 1992، واعتبرت أن الإفلات من العقاب في هذه القضية (منح إسرائيل عمليًا إذنًا لإسكات مئات) الصحفيين الآخرين.

كما أكد مكتب مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية مطلع مايو، أنه تحقق بشكل مستقل من مقتل 211 صحافيًا في قطاع غزة منذ اندلاع العدوان على القطاع في السابع من أكتوبر 2023، بينهم 28 امرأة، ولاحقًا، ارتفع عدد الشهداء الصحفيين إلى 114، على ما يشير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

إجمالاً ورغم أن القصاص من الجندي الإسرائيلي (سكاجيو) لم يعد ممكنا بعد مقتله، فإن هذه التحقيق الوثائقي بما تضمنه من معلومات جديدة قد يكون سببا في محاكمة قادة عسكريين إسرائيليين يسعون بكل الطرق للتستر على الجرائم التي يرتكبها جنودهم ضد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.