رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: مع تسريب (عبد الناصر).. ماذا أنتم فاعلون؟

عصام السيد يكتب: مع تسريب (عبد الناصر).. ماذا أنتم فاعلون؟
كان الانقسام بسبب قبول (عبد الناصر) لمبادرة روجرز الامريكية والتى رفضتها كافة القوى العربية

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

إن التسريب الذى أذيع مؤخرا لحديث الزعيم (عبد الناصر) مع العقيد (معمر القذافي) وأقام الدنيا بسبب ان البعض فهمه بأن الزعيم كان على استعداد للصلح مع العدو، هذا الحديث منقطع من سياق طويل.

ولا يمكن فهمه على وجه صحيح إلا باستعادة المشهد السياسى بكافة تفاصيله في أغسطس 1970 – وهو توقيت زيارة العقيد لمصر وإجراء ذلك الحوار مع (عبد الناصر) – ومعرفة تضاريس خريطة الشرق الأوسط جيدا، وما يحيط بها من ردود أفعال عالمية وموقف القوى العظمى .

في تلك الأيام كانت الجبهة العربية في أشد حالات الانقسام، بعد حالة توحد لم تشهدها من قبل تمت فى مؤتمر القمة بالخرطوم (أغسطس 67) والذى تم الاتفاق فيه على انه لا صلح ولاتفاوض ولا اعتراف بالكيان.

كان الانقسام بسبب قبول (عبد الناصر) لمبادرة روجرز الامريكية والتى رفضتها كافة القوى العربية من فلسطينيين وبعثيين وجزائريين، بل لم يقف الأمر عند الرفض وإنما اتهموا (عبد الناصر) باتهامات خطيرة، وخلال زيارة (القذافي) التي تبدو أنها محاولة لفهم الموقف، دار هذا الحديث المطول بينهما.

كانت مصر بعد نكسة يونيو 1967، قد واجهت تحديات كبيرة على الصعيدين العسكري والسياسي، وتركزت جهود الزعيم (عبد الناصر) على إعادة بناء الجيش المصري وتعزيز قدراته محاولا الحفاظ على الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية في ظل أجواء من الإحباط الشعبي بسبب النكسة.

عصام السيد يكتب: مع تسريب (عبد الناصر).. ماذا أنتم فاعلون؟
وقف إطلاق النار بين يونيو 1967 ومارس 1969 كان لأجل استعادة بناء الجيش المصري

وقف إطلاق النار

أوضح الزعيم (عبد الناصر) أن وقف إطلاق النار بين يونيو 1967 ومارس 1969 كان لأجل استعادة بناء الجيش المصري، كجزء من خطته المكونة من أربع مراحل لتحقيق النصر في الصراع العربي الإسرائيلي:

(1): (مرحلة الصمود) وهى من أجل استعادة قوى الجيش المصري وإعادة انتشاره على طول القناة.

(2): (مرحلة الدفاع النشط) للرد على خروقات وقف اطلاق النار والتي دأب عليها العدو.

(3): (مرحلة إزالة آثار العدوان).

(4): (المرحلة الأخيرة من النصر) – هزيمة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية، ولكن  في 12 مارس بعد عدة أيام من استشهاد رئيس الأركان المصري (عبد المنعم رياض) على الجبهة أعلنت مصر رسمياً إلغاء وقف إطلاق النار.

ويعتبر البعض تلك الفترة نقطة اندلاع (حرب الاستنزاف) التي تعد أطول الحروب بين العرب وإسرائيل، وهى أول صراع مسلح تضطر إسرائيل فيه إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة، وهو ما ترك آثاره السلبية على معنويات الشعب في الكيان الغاصب واقتصاده، خاصة أن قادته كانوا قد سبق لهم الإعلان أن حرب 67 هى آخر الحروب.

ومع تصاعد الردع المصرى والكمائن الكثيرة التي تمت على أرض سيناء قال المتحدث العسكري الإسرائيلي: (أمام الضغط الهائل الذي مارسه المصريون في الجبهة، والحياة التي أصبحت لا تطاق على الضفة الشرقية للقناة، أقدمت القيادة الإسرائيلية على استخدام سلاح الطيران، الذي كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمستقبل).

و قد حققت إسرائيل هيمنتها الجوية على طول قناة السويس بحلول نهاية 1969، غير أنها لم تكن قادرة على ترجمة إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب دبلوماسية،  لذا قررت نقل الحرب إلى عمق الأراضي المصرية، بغرض زيادة تكلفة الحرب على مصر، وإجبارها على قبول وقف إطلاق النار.

واعتبارا من فجر7 يناير 1970 بدأت سلسلة من الغارات الإسرائيلية في العمق المصري نفذتها بطائرات الفانتوم الأمريكية التي حصلت عليها مؤخرا، وقد استمرت حملة القصف الجوي المكثفة طوال الأربعة أشهر الأولى من 1970 وتألفت من 118 غارة، أسقطت ألف قنبلة على المصريين يومياً حسب تصريح لجولدا مائير.

وقد طال القصف عدة أهداف مدنية أيضاً مثل مصنع أبو زعبل لتقتل 70 عاملا ومدرسة بحر البقر لتغتال 30 طفلا.

عصام السيد يكتب: مع تسريب (عبد الناصر).. ماذا أنتم فاعلون؟
وجدت أمريكا أن استمرار الحرب لا يحقق مصالحها أو مصالح إسرائيل

ثلاث إغارات في العمق

ردت مصر بتوسيع أعمال القتال البرية، وقد نفذت 16 إغارة وكمين ناجح على طول الجبهة، علاوة على ثلاث إغارات في العمق أحدثت خسائر كبيرة في العدو، مما اضطره إلى تحجيم تحركاته إلى اقل حد ممكن.

وفي يوم 30 يونيو 1970 حدث تغير هائل حيث بدأ أسبوع تساقط الفانتوم، ليصاب الطيران الإسرائيلي بأول نكسة في تاريخه، وكان هذا اليوم بمثابة إعلان لخسارة إسرائيل في معارك حرب الاستنزاف، ومع توالي الأحداث والإعلان عن مزيد من الخسائر بدأت تتصاعد موجات السخط فى إسرائيل، وتبادل الصقور والحمائم داخل القيادة الاتهامات.

وجدت أمريكا أن استمرار الحرب لا يحقق مصالحها أو مصالح إسرائيل، خاصة مع انتصار الصواريخ الروسية على الطائرات الأمريكية، لذلك سعت لوقفها، فقدم وزير الخارجية الأمريكي (وليام روجرز) مبادرته لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل وكانت أبرز بنود المبادرة هى:

وقف إطلاق النار لمدة 90 يومًا.

* انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 242.

* التزام الطرفين بالحفاظ على السلام والترتيبات الأمنية في المناطق المنزوعة السلاح.

* ضمان حرية المرور عبر خليج العقبة.

اضطر (عبد الناصر) لقبول المبادرة لإستكمال بناء حائط الصواريخ الذى مكنه من اسقاط الفانتوم وتكبيد أمريكا وإسرائيل خسائر طائلة، والذى سيصبح مظلة لقواته حين تنطلق لتحرير الأرض.

عصام السيد يكتب: مع تسريب (عبد الناصر).. ماذا أنتم فاعلون؟
المبادرة قوبلت بانتقادات من الأطراف العربية التي كانت ترى أنها تخدم مصالح إسرائيل

تحت جنح الظلام

وفي الليلة التي سبقت تنفيذ وقف اطلاق النار دفع الجيش المصرى بمئات الهياكل الخشبية تشبه صواريخ الدفاع الجوى إلى ضفة القناة، ثم استبدلها فيما بعد بمواقع حقيقية تحت جنح الظلام، مخادعا الأقمار الصناعية الامريكية التي كانت ترقب عدم تغيير أيا من القوات لمواقعه.

لكن المبادرة قوبلت بانتقادات من الأطراف العربية التي كانت ترى أنها تخدم مصالح إسرائيل، وطالت الزعيم (عبد الناصر) مجموعة من الاتهامات أبسطها أنه يسعى للصلح المنفرد مع إسرائيل على عكس قرارات القمة العربية.

لم يكن (عبد الناصر) يحتاج لصلح منفرد، فقد عرض عليه – بشروط أفضل مما حدث في كامب ديفيد – خلال مباحثات يارنج التي سبقت (مبادرة روجرز)، ولكنه رفض الانسحاب من سيناء وحدها وأصر على الانسحاب من جميع الاراضى العربية التي احتلت بعد 67.

هل إذن هناك جديد في التسريب؟.. على الإطلاق، فالزعيم يشرح للقذافي – دون الإفصاح عن أسرار عسكرية – لماذا قبل (مبادرة روجرز)، ويبرره بالخوف على الدم المصرى، و من أجل تقليل الخسائر، و هو يشرح للقذافي أن التحرير – من النهر إلى البحر، لن يأت مرة واحدة كما يطالب البعض من العرب وإنما يمكن تحقيقه على مراحل.

أولها استعادة الأرض التي تم احتلالها عام 67، و إقامة دولة فلسطينية على الأرض المحررة، ثم استكمال تحرير باقى فلسطين بعد ذلك، و يضرب مثلا بالكيان الصهيوني الذى أقام دولته على سنوات طوال بصبر ودأب .

أما ما قاله الزعيم عن الأنظمة العربية فهو رد على اتهامه بخيانة القضية ولتفريط فيها، وكأنه يقول: إذا كنت أنا قد فرطت أرونى ماذا انتم فاعلون؟

وإلى وقت قريب لم نر فعلا سوى التطبيع!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.