
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
لم تتخيل (غادة عبدالرازق) أن تهدد (تحية كاريوكا) بقايا نجوميتها، عندما قررت أن تعيد تقديم فيلم (شباب امرأة) في مسلسل تم عرضه في رمضان الماضي وكان من الأفشل في هذا الموسم الثري درامياً.
في آخر مشاهد فيلم (شباب امرأة) قتل حسبو شفاعات انتقاماً من عبثها بمشاعره ومشاعر إمام، وجاءت الحلقة الأخيرة من المسلسل الذي يحمل نفس الاسم لتعلن أفول قدرات غادة التمثيلية وتقضي على نجوميتها وتضع العراقيل أمام تصدرها تترات أعمال درامية في المستقبل.
(غادة عبدالرازق) قررت أن تسرق الأضواء من (تحية كاريوكا) رغم وفاتها منذ سنوات، فاختارت أن تعيد تقديم فيلم (شباب امرأة) في مسلسل، ورغم أن الفارق الزمني بين عرض الفيلم (1956) وعرض المسلسل (2025) – 69 عاماً – إلا أن (تحية كاريوكا) ازدادت توهجاً و(غادة) ازدادت عتمة.
وخيبة المسلسل وصناعه دفعت الناس للعودة إلى مشاهدة الفيلم والاستمتاع به، وانصرف الكثيرون عن مشاهدة المسلسل بعد متابعة بعض حلقاته الأولى.
المفاجأة أن هذا المسلسل دفع الشباب الذين لا يعرفون الفيلم للبحث عنه ومشاهدته ليمنحهم فرصة التعرف على كلاسيكيات السينما التي يقاطعونها متباهين بالانحياز إلى فن جيلهم ورافضين لكل ما هو قديم على حد تعبيرهم.
فيلم (شباب امرأة) من الأعمال التي ينبغي تخليدها سينمائياً، ومن يعرفونه لا يملون من تكرار مشاهدته مرات ومرات، تألقت فيه (تحية كاريوكا) و(شكري سرحان وشادية وعبدالوارث عسر) وغيرهم، عن قصة أمين يوسف غراب وإخراج (صلاح أبو سيف).
وقد أراد صناعه أن يضيئوا من خلاله على الفجوة السلوكية والاجتماعية بين الريف والمدينة من خلال شخصية إمام القادم من الريف للدراسة الجامعية في القاهرة، لكنه يقع في يد امرأة متصابية تشغله عن دراسته وتسرق طموحه وتقضي على آماله، ورغم أنه يحب إحدى قريباته من سكان القاهرة إلا أن سطوة شفاعات المتصابية عليه تبعده عن حبه الحقيقي.

فشل غادة عبد الرازق
طيبة وسذاجة أهل الريف ذهبت بلا عودة مع تطورات الحياة ولم يعد هناك فارقاً ملحوظاً بين سكان الريف وسكان المدن، فكلاهما نالت منه التطورات التقنية والاجتماعية والأزمات المعيشية، وما كان يصلح في خمسينات وستينات القرن الماضي فنياً أصبح لا يصلح اليوم، والأعمال التي تم إنتاجها للإضاءة على الفارق بين معيشة وأهل الريف والحضر أصبحت من التراث ولا تصلح لإعادة تقديمها.
السيناريست (محمد سليمان عبدالمالك)، والمخرج (أحمد حسن) توهما أن بإمكانهما استغلال نجاح الفيلم الخمسيناتي لجذب المشاهدين، وهو ما اقتنعت به معهما (غادة عبدالرازق)، ثلاثتهم كانوا ينتظرون أن يضعهم المسلسل على قوائم المجد الفني.
المؤلف قام بإجراء بعض التعديلات الشكلية التي تضمن للمسلسل أن ينتمي لهذا الزمن، الإنترنت والموبايل وحركة الشارع مع إضافة بعض الشخصيات التي تضمن اتساع مساحة الأحداث لتغطي 15 حلقة.
وبدلاً من أن يكون (إمام وحسبو) وحدهما هما ضحايا نهم وتصابي (شفاعات) كما في الفيلم أصبح لها العديد من الضحايا، ولكل ضحية منهم دوافعها المتعددة لقتلها في النهاية والتخلص من شرورها.
ولكن ذلك لم يغير من جوهر الحكاية ولم يقنع المشاهد بوجود رؤية جديدة في المسلسل، وما ساهم في انصراف الناس عنه أنه جاء باهتاً تأليفاً و إخراجاً وتمثيلاً، ليأخذ صناعه إلى القاع بعد توهمهم بأنه سيصعد بهم إلى القمة.
(غادة عبدالرازق) ارتدت جلباب شفاعات الذي صممته تحية كاريوكا، تحدثت بلسانها وعبرت بوجهها واستخدمت نفس حركات يديها وصرخت وشخطت ونطرت كما كانت تفعل (تحية كاريوكا).
وكأنها خاوية ليس لديها أي بصمة يمكن أن تضعها على الشخصية ولو من باب التغيير أو حتى هروباً من الاتهام بالتقليد الأعمى، لتقضي على الرصيد المحدود المتبقي لها عند بعض الفئات، وان لم يضع (شباب امرأة) نهاية غادة فإنه سيعجل بنهايتها القادمة بسرعة صاروخية.

اختيار (يوسف عمر)
لم يكن أداء (غادة) هو نقطة الضعف الوحيدة تمثيلاً، ولكن اختيار (يوسف عمر) ليلعب دور البطولة أمامها كان من خطايا المخرج الذي اختاره لوجود بعض التشابه الشكلي بينه وبين شكري سرحان.
وكأن (إمام) شخص حقيقي بملامح سرحان، وليس شخصية من خيال (أمين يوسف غراب) لشاب ريفي يمكن أن ترتدي ملامح أي شخص، ويمكن أن يؤديها أي ممثل بطريقته، وما زاد الطين بلة برود أداء (يوسف) وضخامة المسؤولية التي ألقيت على عاتقه ولا تمكنه لا موهبته ولا خبراته على حملها.
وسط هذه العتمة أضاء (محمد محمود) بأدائه لشخصية (حسبو) رغم تقاطعه كثيراً مع أداء عبدالوارث عسر، ومن المجتهدين أداءً وتعبيراً في المسلسل (عمرو وهبة)، و(محمود حافظ)، حاولا ولكن قماشة المسلسل لم تساعدهما على التحليق فيه، أما باقي الممثلين فلم يضيفوا جديداً.
مسلسل (شباب امرأة) نسخة ممسوخة من فيلم (شباب امرأة)، وفشله لا يعني المصادرة على إعادة تقديم أعمال قديمة برؤى جديدة، فالسينما العالمية تقدم نسخاً متعددة من كلاسيكياتها وتحقق النجاح، المهم أن تكون لدى من يقدم على إعادة تقديم القديم القدرة على حسن الاختيار وأن يمتلك رؤية حقيقية جديدة ترتقي بالعمل ولا تجعل الجمهور يترحم على القديم.