رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. ثروت الخرباوي يكتب: (ياسر جلال) الشهير بشهريار (1/3)

كان (شهريار) جريحا مكلوما يلعق جراحه وينظر للناس بعين الشك، يظلم ويقتل بنات حواء

بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي

ماذا سأكتب لكم اليوم بعد غياب؟ من غير إحم ولا دستور أقول إنني لم أشاهد مسلسلات رمضان هذا العام، ولا أنوي مشاهدة معظمها، ولكن قد يجوز في فقه (العجوز) أن أرى مسلسلين أو ثلاثة، ومن باب الاستثناء وبعد رمضان شاهدت مسلسلا واحدا هو (جودر) بطولة (ياسر جلال)، لذلك قررت الكتابة عنه في هذا المقال، وقد أشاهد مسلسل (النص)، ومن عنده اقتراح فليخبرني والأجر والثواب على الله.

أما عن (جودر) يا سادة لكاتبه (أنور عبد المغيث)، مسلسلا حاز درجة الإجادة إلا قليلا، فمن ناحية التمثيل أعجبني جدا أداء الفنان الكبير (ياسر جلال)، والفنان القدير (عبد العزيز مخيون)، والفنان الموهوب (مجدي فكري)، والفنان الرائع (محمد التاجي).

هؤلاء لفتوا نظري من حيث تمكنهم وفهمهم لأبعاد الشخصيات التي يشخصونها، نبدأ بأول واحد وهو الفنان الكبير (ياسر جلال)، وياسر بالذات كانت مهمته شديدة الصعوبة، فقد سبق وأن أدى في مسلسل من سلسلة (الاختيار) دور الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقد نجح في أداء هذا الدور جدا، حتى في نبرة الصوت وحركة الوجه، والابتسامة الذكية، والانفعال المكتوم المحسوب بدقة، والانفعال الهادىء الذي يتحكم صاحبه فيه، حصل (ياسر جلال) في هذا الدور على درجة عشرة من عشرة، ولذلك تأتي الصعوبة في الدور الذي يليه، هل يقوم بدور رجل عادي من آحاد الناس، موظف أو مدرس أو مصارع معتزل أو مجرم سابق، مثل أعماله السابقة؟

وقتها ستكون المقارنة شديدة الصعوبة، لماذا؟ هل تتذكرون فيلم (مصطفى كامل)، الذي تم انتاجه عام 1952 ، والذي كتبه الأديب الكبير (يوسف جوهر)، وأخرجه المخرج الكبير (أحمد بدرخان)، من هو الذي قام بدور البطولة في هذا الفيلم؟ هو كاتب ومفكر مصري اسمه (أنور أحمد).

لم يمثل غير هذا الفيلم، وإن كان قد شارك في كتابة سيناريوهات لأعمال كبرى مثل مسلسل (الأيام) الذي قام ببطولته (أحمد زكي)، ومسلسل (قافلة النور) للكاتب المبدع (عزيز أباظة)، وكانت (قافلة النور) عبارة عن مسرحية شعرية نسقها أسطوري واستطاع (أنور أحمد) تحويلها إلى مسلسل من أفضل ما أنتج التلفزيون المصري.

(ياسر جلال) يجب أن يشكر الله سبحانه وتعالى فقد وهبه صوتا مريحا طيبا

(ياسر جلال) كان موفقا

لذلك فإن من قام بدور شخصية تاريخية أو وطنية كبيرة وامتزج فيها وتماهى معها يصعب عليه أن ينتقل منها إلى شخصية عادية، ولكن (ياسر جلال) كان موفقا جدا عندما خرج من شخصية الرئيس إلى شخصية الملك، وليس أي ملك، الملك (شهريار الأسطوري).

ثم تلك الحدوتة التي ترويها شهرزاد عن البطل الشعبي الطيب الذي ينتصر للخير والحق، ويصارع شياطين الإنس والجن، يتم التنكيل به والإساءة إليه من أقرب المقربين منه، ولكن الله وهبه القدرة على المسامحة والعفو.

يجبر خاطر المساكين والضعفاء، يطعم الفقراء ويريد للخير أن يعم وينتشر، ويرفض خيانة زوجته وأهله مهما كانت الإغراءات، ولكن كيف كان أداء (ياسر جلال) للشخصيتين، الملك، ثم البطل الشعبي (جودر).

في الجزء الأول كان (شهريار) جريحا مكلوما يلعق جراحه وينظر للناس بعين الشك، يظلم ويقتل بنات حواء، كانت نظرته لجميع النساء أنهن خائنات بطبعهن، لذلك كانت ملامح وجه (ياسر جلال) في الجزء الأول تجمع بين خيبة الأمل، والألم، والحيرة، وفي بعض الأحيان إذا نظرت لعيني ياسر جلال “الملك شهريار” كنت ستجد لمحة من الغل والرغبة في الانتقام.

أما طبقة صوته فكانت أيضا تحمل نفس السمت، هذا ملك ناقم غاضب، كان ينفعل دون أن يرفع صوته حد الإزعاج، وعندما يهدأ كان صوته يحمل قدرا من الترقب، وكأنه نمر غاضب ينتظر بهدوء حركة الفريسة لينقض عليها، ولكن الصعب كان عندما ينتقل (ياسر جلال) لشخصية (جودر).

فجودر شخصية مختلفة، يحمل قدرا كبيرا من المروءة والشجاعة وحسن الظن في نفسه، يبادر إلى نصرة المظلوم ومواجهة الظالم، لاحظ أن (شهريار) كان ظالما، و(جودر) يقف ضد الظالم، لذلك كان الأداء في شخصية (جودر) مختلفا سواء من ناحية تلوين الوجه بالمشاعر، وتطويع الصوت.

والحقيقة أن (ياسر جلال) يجب أن يشكر الله سبحانه وتعالى فقد وهبه صوتا مريحا طيبا، ووهبه أيضا وجها فيه قبول ، وقد ساعده صوته ووجهه على أداء الدور الطيب، ثم كان عليه أن يبذل جهدا مضاعفا وهو يؤدي دور الملك الذي في داخله خير، وشر، ولكن الشر في البداية تغلب على الخير الذي فيه.

هنا أصبح (شهريار) هو جودر و(جودر) هو شهريار، وذهب (شهريار) المنتقم الجبار

شخصيتي (جودر وشهريار)

وفي الجزء الثاني من المسلسل الذي أهل علينا مع هلال رمضان وضح أن شخصية (جودر) التي في الحدوتة أخذت تؤثر في (شهريار) مرة تلو الأخرى، حتى عندما حدثت مؤامرة من مسرور السياف والجارية من أجل التخلص من شهرزاد ووالدها قمر الزمان وأختها دنيا زاد.

حينها تجمع الشر الذي في نفس (شهريار) لينسف الخير كله الذي في داخله، وكان على وشك قتل (شهرزاد) وعائلتها، حينها كان وجه (ياسر جلال) يترجم مشاعر الغضب والقسوة وكأنه عاد أدراجه القديمة، ولكن (شهرزاد) كانت قد خبأت له المفاجأة، فظهر أن الذي كان يظنه خيانة هو أمانة ووفاء وصلة رحم.

وعرف (ياسر جلال) الشهير (بشهريار النجوم) أن من كان يظنهم أهل الخير هم أهل الشر، فقرر قتلهم، ولكن ربة الخير والحكمة (شهرزاد) أوحت له بأن يترك زمن القتل فاستجاب لها.

ما أطلبه منك الآن أن تلاحظ اختلاف نبرة الصوت بين لحظة والتي تليها، في اللحظة الأولى كانت الصوت ليس فيه غضب فحسب، ولكن رغبة في الانتقام والتشفي، وعندما اتضحت الحقيقة أصبحت نبرة الصوت تماثل نبرة صوت  (جودر) صاحب المروءة والكرم والمسامحة.

هنا أصبح (شهريار) هو جودر و(جودر) هو شهريار، وذهب (شهريار) المنتقم الجبار أدراج الرياح واختفى عن الأنظار، وهذا تطور فلسفي جميل، فشخصية جودر بمروءته وأمانته وصدقه وأمانته تركت أثرا كبيرا في شخصية شهريار، وقد نجح (ياسر جلال) في تطويع إمكانياته الفنية لينتقل بنا من خلال أداءه من حالة إلى حالة.

والآن أستطيع أن أقول أن (ياسر جلال) له أن ينتقل إلى أداء شخصيات أخرى بعد أن أفلت من شخصية الرئيس من خلال شخصية (شهريار)، ولكنني أطلب من (ياسر جلال) أن يبتعد عن شخصية الشرير، اللهم إلا إذا انتقل به إلى مناطق الخير والجمال، وهذه هي رسالة الفن.

وأثق أن (ياسر) يفهمها ويعمل على تحقيقها، فهو ليس فنانا أو ممثلا فحسب، ولكنه صاحب رسالة، فلا تنسى ذلك يا ياسر.

هل انتهى المقال؟ لا، هناك أجزاء أخرى سأكتب فيها عن الأساتذة الكبار (عبد العزيز مخيون ومجدي فكري ومحمد التاجي، وأحمد بدير)، ثم عن المؤلف الذي أجاد أحيانا ثم أخفق في رأيي في وضع نهاية منطقية قوية.

إذ شعرت أنه أنهى المسلسل بغتة وجعل معركة ساذجة هى نهاية الشر، ولكنه في نفس الوقت تخلص من رجال الخير في المسلسل مثل (عبد الأحد) الذي أدى دوره الفنان الكبير أحمد بدير، والحطاب الطيب الذي أدى دوره مخيون، ثم تلك العودة غير المنطقية من الشر إلى الخير لأشقاء (جودر)، وهذا حديث شرحه يطول وأنا الليلة مشغول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.