بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
انتهى شهر (رمضان) المعظم وانتهت معه المسلسلات البرامج الخاصة به، و لكن لم تنته المعركة حول تلك المسلسلات والبرامج، فمازالت المعركة مشتعلة حول من هو (الأكثر مشاهدة) بين عدة مسلسلات يدّعى نجومها انهم ( نمبر وان ) هذا العام.
فهذا ينشر أنه الأول على هذه المنصة و ذاك يُصرّح أنه الأول على تلك المنصة والثالث يقول أنه الأول على محركات البحث، والحقيقة ان كل تلك التصنيفات زائفة، فليست هناك وسيلة علمية دقيقة – حتى الآن – تحصى عدد المشاهدات بدقة، وبالتالى لا نستطيع أن نقرر بضمير مستريح أن هذا العمل هو الأعلى مشاهدة لعدة أسباب:
أولها: أن اللجوء إلى عدد المشاهدات على المنصات فقط لا يظهر العدد الحقيقى فالغالبية العظمى ما زالت تشاهد الأعمال على شاشات التليفزيون في (رمضان)، وهى أعداد ليست هينة ولا وسيلة دقيقة لقياسها.
وثانيها: أن كثيرا من أصحاب المنصات يضعون إنتاجاتهم قبل إنتاج الغير في ترتيب المشاهدات، كما يلجأ البعض – سواء من الفنانين او المنتجين – للجان محترفة تتولى زيادة أرقام المشاهدات وبالتالى فهناك أرقام زائفة سواء على محركات البحث أوالمنصات.
وثالثها: أنه على افتراض صحة أرقام المشاهدات على المنصات، فلابد أن نضع في الاعتبار عدد المشتركين في كل منصة حتى نقرر من هو الأعلى مشاهدة بالفعل، ولابد أيضا أن نضع في الاعتبار أن المسلسل الذى عرض على منصتين وحاز مرتبة متقدمة على الاثنتين يتفوق على المسلسل الذى عرض على منصة واحدة، وتلك بديهية نغفلها.
ورابعها: أن كم المشاهدات وحده لا يعنى النجاح، فكثير من الأعمال التي كانت رائجة في وقت سابق لم تصمد لعوامل الزمن، ولم تستطع أن تبقى في ذاكرة الفن والتاريخ الفني بل انتهت مثل فقاعات الصابون، وتلاشى أثرها بعد سنوات قلائل لظهور موجات جديدة، أو أبطال جدد.


(أريد حلا، وجعلونى مجرما)
ولكن هناك أعمال رسخت في الوجدان لأنها ارتبطت بقضايا حياتية هامة ونتج عنها تغيير في سلوك المجتمع في غير (رمضان)، فعلى سبيل المثال لا الحصر لن ينسى التاريخ افلاما مثل (أريد حلا) أو (جعلونى مجرما)، فلقد لفتا النظر لعورات مجتمعية وتسببا في تغيير قوانين، والقياس عليهما أمر وارد.
إن الذين يتصارعون على المركز (الأول) يغفلون المعركة الأهم، وهى معركة (الأبقى)، فلقد حملت لنا المواسم الثلاث الأخيرة مؤشرات هامة ومؤكدة على تغير الذوق العام، وأن النجاح الذى كان مضمونا لقصص البطل الشعبى الذى يصعد إلى طبقة السادة أو دراما الانتقام قد أخذت في الانحسار، بعد أن فقدت بريقها من كثرة التكرار.
وأن هناك جيلا من النجوم بدأ بالتراجع الى مؤخرة الصفوف تمهيدا للانصراف من المشهد، فهذه حركة التاريخ وقواعد التطور التي تحكمنا، بالإضافة إلى طبيعة ذلك الجيل الذى لم ينتبه لنفسه – و أظن انه لن ينتبه – نتيجة لتضخم الذات عنده، وأنه صاحب الرأي الأوحد في العمل يفرضه على الجميع بداية من المنتج إلى الكاتب الى الإخراج مرورا باختيار الكاست!
ولقد اثبت هذا الموسم من (رمضان) العودة إلى القاعدة الفنية الصحيحة أن (الموضوع يأتي قبل النجم)، ولهذا صعد جيل جديد من الكتاب والفنانين والمخرجين بقوة وثبات لأنهم اهتموا بالموضوع.
فرأينا مسلسلات ناجحة ومؤثرة لم تحمل اسم (سوبر ستار)، وإنما حملت شعار الاتقان بداية من اختيار الموضوع وحتى اختيار زاوية التصوير ونوعية الإضاءة، ولهذا تفوقت مسلسلات مثل (لام شمسية، وولاد الشمس و80 باكو)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
وأثبت هذا الموسم أن الكوميديا لها قواعدها التي لا تتغير وإن تغيرت الأساليب، وأولى القواعد أن تؤدى الكوميديا بمنتهى الجدية ملتزما بالشخصية المرسومة حتى لا تكرر نفسك أو تظل أنت هو أنت في كل عمل.
وأن تلتزم بالموقف المكتوب وألا تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء حتى لو كان ضد منطق العمل لمجرد أنك النجم، وأن الكوميديا عمل جماعى وليس عملا فرديا لبطل واحد يدور الجميع في فلكه، ظهرت تلك القواعد واضحة في (أشغال شقة جدا)، وفي (عايشة الدور)، وتجلت في (النص).
مسلسلات الـ (15 حلقة)
وبرغم أن هذا الموسم كانت غالبية مسلسلاته قصيرة (15 حلقة) إلا أنه شاعت ظاهرة (سلق الحلقات الأخيرة)، بسبب عدم الانتهاء من كتابة الحلقات حتى اللحظة الأخيرة، وهى مشكلة متكررة كل عام – وكادت أن تطيح بمسلسل بدأ بداية مبشرة ثم أصابته العلل وانسحب مخرجه واستكمله آخر ثم انسحب كاتب السيناريو والحوار واستكمله ثان حتى رأينا حلقات أخيرة مختلفة في المستوى تماما عن البداية!
لم يتعظ صناع الدراما في مصر مما حدث لمسلسل شهير منذ عامين بعد انسحاب مخرجه لعدم استطاعته الانتهاء منه، ولكن المنتج أصر على استكمال المسلسل الذى بدأت اذاعة حلقاته، فاستعان بمخرج ثان – وربما ثالث ورابع – إلى جانب مخرجه الأصلي، واضطر إلى تخفيض طول الحلقة المتعارف عليه من 40 دقيقة (بدون المقدمة والنهاية) إلى نصف هذا التوقيت، ولكن هذا لم يُجدِ وكانت فضيحة!
وكما كتبت منذ سنوات أن بعض المنتجين يرى فى تأخير بدء التصوير أمرا فى مصلحته، حتى لو امتد التصوير إلى نهاية (رمضان)، فقد سمعت من أحد الأصدقاء المنتجين شخصيا أنه يصر على بدء التصوير قبل رمضان بأقل فترة ممكنة – حتى لو كان المسلسل جاهزا في وقت مبكر – حتى يضمن سرعة العمل.
وقال حرفيا: لو بدأت قبل رمضان بأربع شهور أو خمسة برضه هاخلص فى (رمضان)، لأن ساعتها المخرج هيقعد (يجوّد) ويعيد وبرضه مش هيخلص بدرى!، والنتيجة الحتمية لهذا الأسلوب الإنتاجى هى تدهور مستوى الحلقات الأخيرة.
وأعتقد أنه على الجيل الجديد القادم بقوة وهو يحتل المكانة التي يستحقها أن يكافح لتغيير تلك الألعاب الإنتاجية ليحقق نجاحه بلا معوقات.
ويبقى سؤال: هل الجيل الجديد – خاصة في التمثيل – سيقضى تماما على الجيل السابق؟، أعتقد أنه مازال هناك متسع من الوقت في الفترة الانتقالية الحالية التي قد تمتد لسنوات حتى تتغير الخريطة بالكامل، خلالها يستطيع البعض النجاة بأنفسهم من الاندثار بتغيير جلودهم أو بإضافة نجاحات فنية إلى مسيرتهم بشرط ألا يهتموا بشيء سوى الإجادة.
فلا يشغلهم ترتيب أسماءهم على المقدمة أو شكلهم وهندامهم ومدى جمال الباروكة ، او إخفاء عامل السن بأطنان من الماكياج أو البوتكس، ولعل المثل الأكبر كان الفنان القدير (محمود حميدة) الذى قبل مشاركة البطولة مع فنانين أصغر منه سنا يتحملون لأول مرة مسئولية مسلسل.
وتظل مصر ولادة، حماها الله من الهيمنة الدرامية والإعلامية، ومن لجان الدراما، ومن الرقابة المجتمعية التي تقودها لجان مدفوعة.
ولهذا حديث آخر…