
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
الدراما لابد أن تعنى بالفكرة والسيناريو والحوار اللذين يحملان رسالة إيجابية تعلي من شأن الإنسانية، ولاشك أنه قد أصابتني متعة ما، خاصة على مستوى الأداء والإخراج في بداية أحداث مسلسلي (ظلم المصطبة)، و(الغاوي)، لكن سرعان ما انقلبت تلك المتعة إلى حالة من الاستفزار جراء سوداوية (ظلم المصطبة) وعشوائية (الغاوي).
بدأ مسلسل (ظلم المصطبة) بالتركيز على العنف الزوجي، وكانت الأحداث جاذبة، أكدها الأداء الاحترافي، لأننا أمام ممثلين أكفاء مثل (ريهام عبد الغفور، إياد نصار، فتحي عبد الوهاب)، وغيرهم من باقي فريق العمل، حتى ضيوف الشرف الذين جاء أداؤهم جيدا للغاية في كل الحلقات.
بعد الحلقة الخامسة ذهب بنا مسلسل (ظلم المصطبة) إلى سوداوية الدراما الضارة بالقضية، فلم يتمكن كاتب السيناريو من عمل حبكة تحد من سواد الشخصيات التي راح غالبيها في المغالاة في دروب الانتقام غير المبرر، فها هو (حمادة كشري/ فتحي عبد الوهاب) يكشر عن أنيابه في الحلقات العشر التالية في سلسلة عنف وانتقام بشع مصدره حقد دفين.
والحقيقة أن (ظلم المصبطة)، لم يقدم قيمة حقيقية تعكس قضية العنف الزوجي، بقدر ما راح يغالي في الانتقام لمجرد شك الزوج في سلوك زوجته، بلا عقل أو منطق، بل على العكس أساء المسلسل لأهل دمنهور في تشبيهه السيئ لعادات وتقاليد أهل الصعيد السائدة في دراما هذه الأيام، التي يغلب عليها الثأر والعنف وغيرها من موبقات الدراما الحالية.
كان يمكن للسيناريو أن يعالج القضية بوجهة نظر منفتحة على الواقع، ووما يتناسب فضاء الريف الأخضر الغض، لكنه عمد إلى إدخالنا في أتون الجهل والمرض النفسي الذي اعترى (الحاج حمادة)، وشقيقه (الشيخ علاء/ أحمد عزمي)، وكأن الكون كله يحاول النيل من عائلة لمجرد أنها تتمتع بالثراء، على الرغم من أنه ثراء مشكوك فيه من الأساس.

ظلم ريهام عبد الغفور
كم العنف وجبروت الزوج الذي تعرضت له (هند/ ريهام عبد الغفور) ظلمها كثيرا، فلا أساس له في واقع قرية في ريف دمنهور، فمثل هذا المجتمع الريفي أظنه الآن يعيش عصر التكنولوجيا، ومن ثم اللجوء إلى (البشعة) – هى عادة بدوية – للتبرئة يسكن خيال مؤلف عجز عن التعبير الحقيقي في كيفية مواجهة زوج يعاني اضطرابا نفسيا، كما جسده (فتحي عبد الوهاب) ببراعة.
ربما حاول المخرج (محمد علي) أن يعدل من مسار الأحداث، بالتحكم في أداء الممثلين، ولكن ما جدوى ذلك طالما أن السيناريو مهللا وتعتريه شوائب كثيرة، ومجرد تحصيل حاصل لمسلسلات سابقة تعرضت لقضية العنف الأسري، وقد بدا ذلك واضحا من حلقة لأخرى بحكم تغيير الكتاب فتأرجحت القضية بين الشك والغضب.
الارتباك هو السمة الأساسية في السيناريو، والحوار كان أكثر ارتباكا، وقد حاول الممثلون التغطية على هذا العيب بأداء متأرجح بين الهدوء والعواصف العنيفة في دروب الميلودراما، حاول كل من (ريهام عبد الغفور، وبسمة، وإياد نصار) بأداء جيد، لكن نتوءات كثيرة اعترت الحبكة الدرامية، وهذا لاينفي اجتهادهم جميعا في إحداث توازن ما بين الحين والآخر.
خسارة كبيرة كل هذا المجهود المثمن من جانب ممثلين أكفاء في محاولاتهم الإمساك بزمام التراجيديا، لكنها آفة عصرنا هرى (الورق) وبالتالي اللجوء إلى نص مهترئ، غير متماسك بالمرة، ومن ضاعت جهودهم سدى.
أبرز سلبيات (ظلم المصطبة) أنه أساء لمجتمع دمنهور الريفي، رغم أن التصوير حاول أن يؤكد على دفء الشوارع والبيوت التي يبدو أنها كانت تخاصم خيال المؤلفين الذين غالوا في العنف والقسوة، على حساب إيجاد رسائل إيجابية تعكس طبيعة سكان دمنهور، التي تستنكر كل هذا الغضب والضغينة التي اعترت المشهد الدرامي السوداوي إلى حد القتل في الشارع وبأعصاب باردة (حمادة يقتل هند) في الحلقة الأخيرة.
ثمة عيب خطير موجود في (ظلم المصطبة) كغيره من المسلسلات التي تكرس للعنف بفعل درامي رجيم، وكأنه كتب علينا تصوير مجتمعنا الريفي على أنه بؤرة للغضب والخروج على القانون والعبث بالدين الذي بدا لي واضحا في تصرفات (الحاج حمادة)، وشقيقه (الشيخ علاء).
على أية حال لا أنكر اجتهاد الممثلين (ريهام عبد الغفور، إياد نصار، فتحي عبد الوهاب، محمد علي رزق، أحمد عبد الحميد، أحمد عزمي، إيناس الفلال، فاتن سعيد)، وكذلك ضيوف الشرف (ضياء عبد الخالق، محسن منصور، خالد كمال)، وأيضا محاولات المخرج (محمد علي) التي ضاعت في زحمة الأحداث المرتبكة للأسف!

فكرة مسلسل (الغاوي)
أما مسلسل (الغاوي) فقد كانت فكرة جميلة للغاية مع بداية الأحداث في رصد تفاصيل (غيات الحمام)، وخاصة أن (أحمد مكي) صاحب الفكرة، هو واحد من الغاويين الكبار للحمام، وله حكايات كثيرة في هذا الصدد، لكن الأحداث أخذت منحى أعرج، حين ذهبت الأحداث إلى الأكشن الساذج.
لم يفلح (محمود زهران، وطارق الكاشف) في استعاب فكرة (أحمد مكي) – ولا أدري لماذا استسلم لحالة العشوائية – ومحاولة جعلها حكاية دافئة وعذبة مستمدة من أخلاقيات مربيي الحمام، المعروفين بالصبر والحكمة المستمدة من مواطن الشجن الذي يسكن الحكايات، على إيقاع أغان جميلة تشجينا وتطربنا وتداعب الخيال التواق إلى السلام والحب الذي يتمتع به الحمام الزاجل.
كانت الأحداث تسير بإيقاع هادي، وموسيقى صوفية موحية تكسب الأحداث رونقا وبريقا أخاذا نحوى بواطن الشجن المحبب، حتى دخل (الغاوي) في صراعات تتنفافر مع الحالة العامة للمسلسل، بعد أن دخل في سذاجة الأكشن، وتحول على جناح سيناريو (أهبل) – هذا أقل مايوصف به – في مسلسل كان يمكن أن يكون قطعة درامية نادرة.
للأسف الشديد ضاع جهد الفنان (أحمد مكي) في تجربة جديدة عليه، حيث تخلص ثوب الكوميدية الساذجة، ليقدم لنا تراجيديا قاتمة من فرط عشوائيتها، وعلى الرغم من المخرج (محمد العدل) حاول أن يلجأ إلى زوايا جيدة تكسب الحالة نوعا من الدفئ بكاميرا ذكية، لكن انحراف الأحداث وجنوحها نحو عالم الجريمة أفسد المسلسل.

النص آفة عصرنا
هذه حالة أخرى تحمل نفس الأزمة، (آفة النص) التي أصبحت تخاصم القيمة على حساب الحركة والعنف والعشوائية ضاع معها جهد ممثلين على درجة عالية من الجودة (أحمد مكي) في ريئكشانات رائعة تبدو على وجه مبتسم ومتفائل، لكن سرعان ما يذهب إلى تكشيرات الغضب والجنوح نحو عنف غير مبرر.
كان (أحمد بدير) بحكم حنكته الطويلة في التمثيل نقطة ارتكاز مهمة بأداء جميل وراق عبر ميودراما رائعة إلى أن دخل (عوف أبو نوح) السجن في تحايل لا مبرر له فانقلب الحال رأسا على عقب، ودخل في حالة من ضعف الأداء وحشرجة الصوت وانكسار رتيب، جراء أحداث مرتبكة تجنح نحو العشوائية.
كذلك الحال في مع (عائشة بن أحمد) بأداء كوميدي جاذب، بوجه بشوش، وسخرية محببة، لكن السيناريو نال منها بنسجه أسلاكا شائكة ركزت على ماضيها مع والدها وخالتها زوجة أبيها، التي تكرهها دون توضيح منطقي لأسباب تلك الكراهية، وهو ما أخذ من شخصيتها المحببة، تلك التي كانت بمثابة طاقة نور تكسب الأحداث بريقا آخر.
الخروج من حالة الشجن والتحليق في عالم الجريمة أفسد بالضرورة حالة النعومة والدفء في بداية أحداث مسلسل (الغاوي)، حين ذهب بنا السيناريو المعوج إلى عالم الجريمة والأكشن غير المبرر، لتضيع معه كل جهور الممثلين ومخرج محترف مثل (محمد العدل) يجيد فن الإدارة من خلف الكاميرا.
أيها الكتاب المراهقين في أفكارهم: كفوا عن هذا العبث، فلدينا ممثلين في هذا الجيل أكثر جدارة من الأجيال السابقة، لكن النص السيئ والأفكار البالية والجنوح نحو العشوائية والعنف قد وضع هؤلاء في حالات من خنق الموهبة، والنيل من تجسيد يتوهج في البداية ثم ينحدر نحو تراجع كبير في ظل حالة التري.