رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(معاوية).. دراما تنقصها المغامرة، واكتفت فقط بتحدي المنع وذهنية التحريم! (1/2)

بعد عقود من الزمن يظهرعمل كهذا بعد أن استقر علماء أهل السنة والجماعة على تحريم ظهور الصحابة
عمرو زويتة

بقلم الكاتب والناقد: عمرو زويتة

أخيرا: وبعد طلوع الروح من التعنت والمنع، إنتاج درامى عربى يظهر للنور للمرة الثانية بعد مسلسل (عمر) يتم فيه تجسيد شخصيات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة وكلهم صفوة صحابة رسول الله والأقربهم إليه، كما جاء في مسلسل (معاوية) الذي انتهى عرضه مؤخرا.

أخيرا بعد عقود من الزمن يظهرعمل كهذا بعد أن استقر علماء أهل السنة والجماعة فى منطقتنا العربية على تحريم ظهور الصحابة فى أى عمل درامى مرئى أو مسموع أو محسوس.

وللأسف بدأ هذا التحريم من مصر من خلال مؤسسة الأزهر، التى تخطت دورها بكونها مؤسسة علمية معنية بدراسة العلوم الشرعية بغرض تقديم فهم دينى أقرب الى روح مقاصد الخطاب القرآنى وكيفية التعاطى العلمى الخلاق مع الإرث الدينى فى تنوعه وإختلافه وتباينه.

والوصول إلى زيادة وعي المسلمين الدينى وتوسيع إدراكهم فى الاختيار الحر دون إجبار أو وصاية، بنشر نتائج أبحاثه وكتبه للناس،  لكن الكابوس تم تحويل كل هذا الى مجرد سلطة تمارس الوصاية واحتكار المعنى الدينى بل وفرضه كسلطة ملزمة على الناس وعلى الفكر وعلى الإبداع.

فى تعارض واضح مع مقاصد الدين وطريقة دعوته الى الله التى منحت الحرية وعدم السيطرة على البشر حتى من الرسول ذاته كما فى قوله (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، فأهدرت عقود من الزمن كان يمكن استثمارها فنيا فى استنطاق المستبعد والمنسى والملتبس من تراثنا الديني.

ونحن فى مصر كنا أول المتضررين من ذلك لأننا كنا أول دولة عربية تدخلها صناعة السينما، وهناك مشاريع سينمائية تم وأدها للأبد بفضل سلطة العمائم الأزهرية، بدأت عام 1926 حين أتت شركة إنتاج ألمانية لتتعاقد مع (يوسف وهبي) على فيلم سينمائى يجسد فيه شخصية محمد النبي.

لا أمل فى هذه الأمة إلا بإنهاء ماتبقى من سلطة الوصاية والإلزام

فى التحريم والمنع

مشيخة الأزهر وقتها حرمت ذلك وأرسلت خطاب لوزير الداخلية لمنع (يوسف وهبي) من السفر، حيث كان التصوير سيتم فى باريس، والملك فؤاد هدد (يوسف وهبى) بسحب الجنسية المصرية منه، واضطر (يوسف وهبي) للتراجع عن هذا المشروع.

وفى النهاية تم الاستعانة بممثل يهودى وقتها لأداء الدور، وتم قتل الفكرة الى يومنا هذا وزاد التعسف الى تحريم ظهور الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت وجميع الأنبياء والمرسلين.

والمحصلة الفنية لم نخرج من دائرة سذاجة وسطحية صناعة أفلام دينية دعائية قائمة على التبجيل والإدانة على نحو خطابى مبالغ فيه وتم حصر البشر على أنهم إما كفار همج أجلاف بملابس سوداء تعكس سواد قلوبهم وإما مسلمين بوجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة يفوح الإيمان من وجوهم ناصعة البياض كقلوبهم العامرة بالإيمان.

وليس بكونهم بشر يتنازعهم الخير والشر، ولا أستثنى أى عمل عربى بما فيهم الإنتاج العالمى فى فيلم الرسالة لمصطفى العقاد من هذا بتوظيف مفهوم (قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار)، ماذا أنتظر من هذا، وقد سيطر الفهم الحنبلى والأشعرى وكافة الفرق والجماعات التى تبنت مرجعية أهل السنة والجماعة بما لديهم من هوس دائم فى التحريم والمنع.

حتى أصبح المنع ثابت من ثوابت الدين، والكابوس يكمن فى تمكين الدين المؤسسى كسلطة لديها وسائل المنع والإلزام لأنها تصبح بهذا المنطق، هى الناطقة الحصرية باسم النص المقدس، وبهذا تم إقصاء وإبعاد كل المنافسين لها والإستفراد بينا.

لا أمل فى هذه الأمة إلا بإنهاء ماتبقى من سلطة الوصاية والإلزام، خاصة وأن هذه العقلية باتت خارج الزمن، ولم تعد تستطيع الهيمنة والسيطرة على فضاء مفتوح ومنصات العرض باتت عابرة للحدود.

حتى تضاءلت قوة المنع فى العرض على القنوات المصرية فقط، ولم يتبقى لديهم سوى الابتزاز العاطفى للحواضن والقواعد الشعبية التى تم تدجينها عبر زمن طويل على السمع والطاعة الذى يظهر فيه الشيخ على أنه امتداد لقدسية الوحى.

هذا العمل من عدم الإنصاف التعاطى معه نقديا على أنه مسلسل درامى تاريخى بمعزل عن الخناقة التى سيواجها، خاصة وهو إنتاج مالى ضخم، فتحسب له المخاطرة وبهذا يصبح بقصد أو غير قصد يقوم بتعبيد مسار جديد ممهدا الطريق أمام الدراما العربية فى الدخول إلى الممنوع والاشتباك المباشر مع ذهنية التحريم، وهذا هو أهم شيئ فعله مسلسل (معاوية)، ومن قبله مسلسل (عمر) من إنتاج (mbc) أيضا.

مسلسل بهذا الحجم له أهميتة الكبيرة فى الوصول لأجيال تربت على الثقافة الشفاهية

الأزهر كمؤسسة وسلطة

وللحقيقة مما ساعد وسهل مخاطرة مسلسل (معاوية) وقلل منها هو بلا شك أن المسلسل إنتاج سعودى، برؤيه المملكة الجديدة المنفتحة والمتعجلة على إنتاج كل أشكال الإبداع التى كانت السعودية من قريب أهم الأسباب فى حجبه.

وهذا يعود بلا شك للنفوذ المالى السعودى الذى جعل من السعودية لاعب أساسى مؤثر فى إنتاج الدراما،  من حيث غزارة وكثافة وتنوع الإنتاج الفنى وفى نفس الوقت أصبحت من أهم الأسواق التى يعمل لها حساب الآن، وهذا ماسهل مرور المسلسل دون أن نسمع ضجيجا ولا إزعاجا كبيرا لكونه إنتاج سعودى،

ومن حقى أتخيل لو كان مسلسل (معاوية) من إنتاج السبكى أو العدل جروب مثلا، هل كان موقف الأزهر سيكتفى بتحريم مشاهدته فقط ومنع عرضه على القنوات المصرية.

أيعقل أن يستمر المنع والتحريم فى مصر تسعة وتسعين عاما منذ الفيلم الذى كان ينتوى (يوسف وهبي) تجسيد شخصية محمد النبى فيه.

واليوم الأزهر اكتفى ببيانات لحفظ ماء الوجه، بوضوح هنا تعامل الأزهر كمؤسسة وسلطة لها مصالح لاتريد فقد إمتيازتها أو المساس بها.

طبعا أنا مع مسلسل (معاوية) وعرضه بل أتمنى أن يرتفع السقف لتجسيد أمهات المؤمنين وكل الأنبياء والمرسلين، وإنتهاء صلاحية الحجة التى لاتقنع طفل بها، كيف لممثل يجسد دور نبى ثم يؤدى دور بعدها وهو يعاقر الخمر مثلا.

طب وهل من شاهد (محمود المليجي) فى آداء شخصية (محمد أبو سويلم) فى فيلم (الأرض) كان فى ذهنه أو جاء على باله وتذكر دور (المليجي) فى فيلم (موعد مع إبليس) الذى جسد فيه دور الشيطان شخصيا،

قيمة مسلسل (معاوية) لاتتحدد حتى من خلال جودته الفنية بل من خلال السنة الجديدة التى إستنها فى مواجة إكراهات المنع.

ومسلسل بهذا الحجم له أهميتة الكبيرة فى الوصول لأجيال تربت على الثقافة الشفاهية ولم تتدرب على البحث بنفسها، وهناك قطاع واسع من المسلمين لم يسمع عن هذه المحن من قبل.

ومشاهدة مثل هذه الأعمال التى تعتمد على الصورة والحركة من المؤكد أنها ستفيد الكثير منهم وستفتح تساؤلات تقود للبحث عن إجابات، خاصة فى أحداث مفصلية من تاريخ الدعوة الإسلامية، وللأسف هى غائبة وخارج إهتمام غالبية المسلمين.

ومن البداية أنا لا أحاسب النص من منظور تحريف فى المرويات أو الالتزام بها، ولايهمنى كيف كان عمر (معاوية) عام الهجرة ولايعنينى على وجه التحديد متى دخل الإسلام على وجه التحديد، لأنى أمام عمل فنى وليس أمام كتاب البداية والنهاية لابن كثير.

نحن أمام عمل فنى يسائل فقط من خلال أرضيتة وبيئته الفنية

بلاش عبط والنبي

نحن أمام عمل فنى يسائل فقط من خلال أرضيتة وبيئته الفنية، ومن أراد التاريخ يستعين بكتب السيرة، لأن الفن لايؤخذ منه تاريخ ولا هذا دورة، بل من حقه أن يقدم رؤيته وأن يعمل خياله ويختلق من عندياته، فهو ليس تاريخ بل رؤية فنية للتاريخ،

بداية الكتابة في (معاوية) وقعت فى مآذق متعددة، لم يكن لديها أى رغبة فى التورط بتبنى رؤية فنية جسورة فى أحداث الكل تورط فى اختيار مسار الدم فيها، ظنا من صناع العمل أنها ستكون رؤية أكثر موضوعية فى التناول، بل اختارت من السيرة والمرويات الأكثر أمانا كى تضمن لنفسها أن تكون بمنأى عن المسائلة والانحياز لأى طرف من أطراف الصراع.

فالكتابة كانت تنطق بلا كلام، حتى الممثلين وقفوا عند حد تلاوة الحوار خوفا أو نقص فى المعلومات والتفاصيل التى تمكنهم من تبنى عمق إحساس معين فى التجسيد، وهذا يعكس تعاسة ورش التحضير.

البناء الدرامى افتقر للتماسك ووحدة الموضوع، فالعمل البطل الرئيسى فيه (معاوية)، لكن نصف الحلقات الأولى تقريبا تضاءل فيها وجود (معاوية) حتى نسيان وجوده وتوغل فى السرد الأفقى لشخصيات كل شخصية منهم تحتاج الى عدة أعمال درامية كى تستوفيها.

لذلك نرى شخصيات ظهرت بدون تمهيد وتختفى فجأة، كالحسن والحسين مثلا، استرسال أفقى شتت الحبكة الدرامية وخلق سيولة فى التتابع المنطقى لفكرة العمل وهى (معاوية) فى الأساس.

السيناريو والحوار غامر بظهور العديد من الشخصيات التى لم تظهر من قبل فى أى إنتاج عربى وهذه تحسب له.

لكن ماذا فعل بهم؟، وما هو الهدف من وجودهم؟، وهذا هو الأهم!

ظهورهم فى الغالب كان باهتا لاتوجد كتابة تعكس قيمة الشخصيات وأهميتها ولا حتى كان لديهم القدرة على رسم ملامح حية للشخصيات.

هل شخصية (أبو سفيان) بن حرب التاجر الأريب التى جسدها (فادى صبيح) وأحد مفاتيح فهم (معاوية) محور القصة، والذى يعقد صفقات تجارية ولديه من الحكمة والدهاء والمكر من حماية مصالحه سواء قبل الإسلام أو بعده، وبصفته المعلم والأب التى تربى وتشكل على يديه (معاوية)، فضلا عن الجينات الوراثية التى ورثها لإبنه.

لم يقترب (فادي صبيح) حتى من روح (أبو سفيان)،

روح (أبو سفيان)

فهل استطاع أن يجسدها النص؟، بكل ارتياح لم يقترب حتى من روح (أبو سفيان)، فظهر بشكل مغاير لطبيعة الشخصية، بل ظهر على أنه محارب صنديد بشكل غير معهود عليه حتى فقد عينه، ولم يتوقف عن القتال حتى فقد عينه الثانية، بجد التبس عليّ الأمر: هل هذا أبو سفيان أم أحمد حرارة.

وهنا أتكلم عن مسئولية الورق الفقير والإخراج معا الذى لايعكس ولو قدر بسيط من الاقتراب من روح صفوة الصحابة، وكلهم شخصيات مهمة فى تاريخ المسلمين، أمامك فرصة هائلة أهدرها المسلسل مع سبق الإصرار.

هل ما رأيناه كان (عمر بن الخطاب) الذى جسده (سامر المصرى)؟، هل استطعنا أن نتحسس ونلمس شخصية (عمر) فى هيبته أو عدالته العابرة للأزمان مثلا؟، هل هذا (عمر بن الخطاب) الذى أذل عروش الروم وفارس يستقبله (معاوية) وهو فى قصره المنيف فى دمشق ولباسه الذى كان يعكس أبهة الملوك وهو مجرد والي من ولاة عمر.

بل ويتضائل (عمر) جسديا أمام (معاوية)، وكأنه ذاهب لمعاوية لقضاء حاجه منه وعمر يسير بجوار معاويه متكئا على فرع شجره كأنه أحد الدراويش المساكين أو عابرى السبيل، والمخرج إختار أسوأ الاختيارات فى ديكوباج المشهد فصور (معاوية) و(عمر) وهما يسيران داخل حدائق القصر و(لجين/ معاوية) أطول قامه من (سامر/عمر) مع فارق هائل فى زى معاوية وزى عمر.

مما أعطى إحساس بتضائل (عمر) أمام (معاوية)، وكانت أمام المخرج خيارات أخرى بتصوير المشهد وهم جالسين مثلا وعمر يجلس أعلى من (معاوية)، حتى يتفادى طول (لجين) ويتماشى مع هيبة (عمر) ومكانته، وهذا خطأ إخراجى لايقع فيه مبتدئ.

تقريبا غالبية الشخصيات تقريبا كرتونية باهته بل ميته من غياب تفاصيل شخصياتها لذلك لاتنبض فيها حياة، وكأنها منزوعة الإحساس بالألم أو اللذة.. فهل الورق كان بحجم تجسيد شخصيات دكت أعتى الحصون، واتخذت قرارات أدت إلى زوال ممالك وأمبروطوريات؟!

(طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام)، وهم من العشرة المبشرين بالجنة، أصحاب الرسول و(على بن أبى طالب)، إضافة الى أن (الزبير) ابن عمة (على).

للأسف الذى  لم يتاح له معرفة قبل مشاهدة المسلسل عن هذه الفترة العصيبة من تاريخ المسلمين سيجد صعوبة فى التعرف على الدوافع الحقيقية لأول وأشرس حرب بين المسلمين وفيهم صحابة رسول الله ومبشرين بالجنة، وبينهم أم المؤمنين عائشة.

أليس الثلاثة كانوا جميعا ضد (عثمان) فكيف يخرجوا على الخليفة (على)

حجة المطالبة بالقصاص

برغم أن العمل أخذ وقت أكثر من الضرورى فى (حرب الجمل)، لكنه لم يقل شيئ ذو أهمية، وأنا أسأل فنيا – حسب الورق المكتوب – (طلحة والزبير) ومعهم أم المؤمنين (عائشة): ماهو المبرر الأخلاقى الذى ذكره العمل لنقض البيعة من قبل طلحه والزبير والخروج على (على) ومعهم (عائشة) بالسلاح؟، أليس الثلاثة كانوا جميعا ضد (عثمان) فكيف يخرجوا على الخليفة (على) اليوم بحجة المطالبة بالقصاص من قتلة (عثمان)؟، وهم بالأمس (طلحة والزبير) بايعوا عليّ أميرا للمؤمنين.

وماهى دوافع (عائشة) التى كانت تنعت (عثمان) بأحط الصفات، وتدعوه نعثلا نسبه إلى اليهودي لحاد القبور (نعثل)، ماهو المبرر الفنى من وجودها فى حرب الجمل؟، هوا فيه كده؟!، مفيش معلومة توحد ربنا؟.

هنا أنت تسرد أحداث فارقة من تاريخ المسلمين مبتورة من سياقها. ولم تذكر وقائع وأحداث ذكرها أغلب المؤرخين،

وصلت لحد الإعتداء على بيت مال البصره من قبل جيش طلحه والزبير وقتل حراسه وخطف عامله عثمان بن حنيف وتعذيبه ونتف لحيته،

وبالتالى ظهور (طلحة، والزبير، وعائشة) لم يتم استثمار وجودهم بشكل فاعل مع أنهم كطرف أول من فتحوا (هاويس الدم)، وظهروا  (طلحة والزبير) من حيث الشكل وكأنهم متسولين.

والخلاصة قتل الإثنين (طلحة والزبير) فى موقعة الجمل!، وكان أمام الورق فرص هائله فى بيان دوافع أطراف الصراع المحركة للأحداث وبالتالى إستنطاق الشخصيات من خلال رؤية فنية تكافئ جلل المحنة وبداية مسار الدم، إن كنا جادين فى المعرفة بحق،

لكن للأمانة شكلنا لسه بنهزر..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.