رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(زامير).. القتل باسم التوراة !

رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، أعلن عن تعيين (زامير) في هذا المنصب
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

في الثالث من فبراير الماضي، وفور تعيينه في منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، توعد (إيال زامير) بمواصلة القتال ضد الفلسطينيين، رغماً عن بدء المرحلة الأولى من المفاوضات بين إسرائيل وحماس، مقتبسا نصا من التوراة، قائلا: (سأطارد أعدائي فأدركهم، ولن أعود حتى أفنيهم).

تصريحات (زامير) رئيس الأركان الإسرائيلي الُمعين، جاءت خلال مؤتمر لوزارة الدفاع في تل أبيب، نقلتها القناة 12 الإسرائيلية، وقالت في معرض تحليلها لتصريحاته العدوانية تلك “إن هيئة الأركان ستشهد تغييرات كبيرة تشمل إقالات وتعيينات جديدة”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، قد أعلن عن تعيين (زامير) في هذا المنصب خلفا لسلفه المستقيل (هرتسي هاليفي)، بعدما قدم (هاليفي) في 21 يناير الماضي،استقالته بعد إقراره بإخفاق الجيش الإسرائيلي في منع هجوم 7 أكتوبر 2023 أو التصدي له، ومن ثم تشديده على أنه سيظل يحمل تبعات هذا (اليوم الرهيب) طوال حياته، فضلاً عن إقرار عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين بتحملهم المسؤولية عن الإخفاق في منع الهجوم.

بعد مرور نحو شهر تقريباً على شغل (زامير) مهام منصبه كمسؤول عن إدارة الجيش الإسرائيلي، كان القرار بوقف المفاوضات مع حماس وعدم الانتقال للمرحلة الثانية منها، والعودة إلى غزة مجدداً، شاهراً هذه المرة سيف التوراة، للخلاص من أهل القطاع متخذاً القرار بإستخدام أقصى درجات القوة والإرهاب لتنفيذ هذا القرار.

مع إستئناف العدوان على غزة، تحدث الإعلام الإسرائيلي عن قرارات عاجلة إتخذها (زامير)، فور توليه منها علاج إشكالية التحديات الرئيسية التي يواجهها الجيش الإسرائيلي خاصة ما يتعلق بمسألة النقص الحاد في القوى البشرية، بعدما خسر أكثر من 12 ألف جندي منذ بداية الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، بين قتلى وجرحى.

حيث قرر (زامير) العمل على تحديد الزيادة في عدد القوات، وتوسيع الوحدات العسكرية مثل وحدات المدرعات والهندسة، وإنشاء لواء مشاة إضافي (أكبر من لواء مدرع من حيث عدد الجنود).

الأمر الذى اعتبره العديد من المراقبين الإسرائيليين، بمثابة زيادة لحجم العبء على الجنود، وقولهم أن الحرب لا تؤثر على أدائهم العسكري فقط، بل أيضًا على حياتهم الشخصية وعائلاتهم، فمع تقليل فترات الإجازة وزيادة المهام، أصبح الجنود يعانون من ضغوط نفسية وجسدية كبيرة. كما أن العائلات التي كانت تعتاد على رؤية أبنائها بشكل منتظم أصبحت الآن تواجه صعوبات في التواصل معهم.

سرعة تجهيز القوات من أجل الانتقام

جذور يمينية متطرفة

بالطبع كان هدف (زامير – 59 سنة) الذى تعود أصوله لجهة والدته المولودة في القدس لعائلة (عبادي) المعروفة كعائلة يهودية من حلب السورية، وكذلك فإن جده لوالده هو مهاجر من اليمن وصل إلى فلسطين في عام 1920، وحارب في صفوف تنظيم (ايتسل) اليميني، واضح منذ البداية، وهو سرعة تجهيز القوات من أجل الانتقام. وهو ما عبر عنه العديد من الوزراء الإسرائيليين، منهم وزيرة الاستيطان (أوريت ستروك)، بقولها إن مجلس الوزراء الإسرائيلي قرر خلال جلسة 11 مارس  عدم التقدم إلى المرحلة الثانية من صفقة المختطفين كما حددتها حركة (حماس)، وقالت “يجب أن تنتهي المرحلة الثانية بهزيمة حماس وإخراجها من قطاع غزة، هذا ليس قرار يجب قبوله، وإنما قرار اتخذناه.

و مع استئناف العدوان على القطاع، راحت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث من جانبها عن كم الحقد والغل والشحن لدى الجنود والضباط، كاشفة عن إطلاق الجيش الإسرائيلي النار دون سبب داخل قطاع غزة، في انتهاك واضح لقواعد الاشتباك والانضباط العسكري.

هيئة البث الإسرائيلية، كشفت هى الأخرى عن قيام الجنود الإسرائيليين، ومع بدء الهجوم على غزة بقراءة أسفار من التوراة، وقيام أحد القادة بنطق كلمة (هامان) وهو يرتدي قبعة مهرج، بمناسبة عيد المساخر اليهودى (البوريم)، مما دفع الجنود إلى إطلاق النار دون مبرر على الفلسطينيين.

كاشفة كذلك عن أنه في أعقاب هذا الحادث الخطير، تقرر سحب الجنود المتورطين من قطاع غزة لاتخاذ إجراءات انضباطية بحقهم، مع زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي (إن سلوك هؤلاء الجنود يتنافى مع قيم الجيش والتعليمات المطبقة في منطقة العمليات).

لكن تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي المتتالية، كشفت معها مجدداً عن النية المبيتة لتكثيف وطأة الضغط والعدوان على أهل القطاع، وأن هناك قرار واضح بتنفيذ حرب إبادة كاملة تفوق في قوتها ما تم تنفيذه منذ 7 أكتوبر 2023.

إسرائيل تخوض في الوقت الحالي حرباً وجودية

حرباً وجودية

ونقل الإعلام الإسرائيلي، عن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال (زامير) قوله مجدداً: (إن إسرائيل تخوض في الوقت الحالي حرباً وجودية)، ومؤكداً على أن الحرب لاتزال مستمرة، وهى معقدة وصعبة.

زاعماً (لقد دفعنا ثمناً دموياً هائلاً، المخطوفون لم يُعادوا إلينا بعد، ولم يعُد الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم، وسنواصل العمل بكل الوسائل التي بحوزتنا لاستعادة المخطوفين من الأنفاق، ولإيجاد ظروف أمنية تسمح لسكان غلاف غزة بالعودة إلى منازلهم.

ومن ثم أشار (زامير) إلى أن الأهداف التي وُضعت للحرب في غزة مازالت قائمة، ويتعيّن على الجيش مواصلة المعركة لضمان الانتصار وتحقيق واقع أمني جديد يوفر أمناً بعيد المدى لسكان إسرائيل.

مؤكدًا على أن حماس تلقّت ضرباتٍ قاسية، وضعفت قوتها العسكرية بشكل كبير، وقُضيَ على قادتها، وتعرّضت بناها التحتية لضربات غير مسبوقة، إن إسرائيل تخوض حرباً وجودية، وأمامنا عدو شرس، إذا لم يُهزم، فسيعاود الهجوم مرة أُخرى. سنعمل معاً حتى تحقيق جميع أهدافنا والانتصار في المعركة.

قنوات التلفزيون الإسرائيلي، راحت كذلك تتحدث عن أن القائد الجديد للمنطقة العسكرية الجنوبية اللواء (يانيف عاسور) حدّد أولوياته بأنها القضاء الكامل على حركة (حماس) أولاً، وإعادة جميع المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة ثانياً.

وقال اللواء (عاسور) إنه بالتزامن مع تسلُّمي قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، أرغب في تحديد مهمّتين تشكلان معاً بوصلة الطريق إلى النصر على العدو: المهمة الأولى، القضاء الكامل على مقاتلي حماس الذين وضعوا نصب أعينهم القضاء علينا.

وسعوا لإبادة جميع اليهود من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال في يوم واحد، ويسعون لإقامة دولة جهادية، بدلاً من إسرائيل، من البحر إلى النهر، والذين يقفون في مراسم إعادة الأسرى على منصة مكتوب عليها الصهيونية لن تنتصر.

مستطرداً في حديثه العدوانى بقوله: (إن هؤلاء سيواجهون قوة الجيش الإسرائيلي الصارمة وروحه القتالية العالية. والمهمة الثانية، إعادة إخوتنا الذين في الأسر، الأحياء منهم والقتلى. إننا نتذكر المخطوفين في كل لحظة، ونتنفس معهم، وننظر بتواضع إلى عيون عائلاتهم. وإن إعادتهم إلى ديارهم هي جزء من هويتنا، كجيش ومجتمع، وأكد عاسور أن الجيش الإسرائيلي لن يتوقف عن القتال حتى تحقيق النصر).

استئناف الحرب خطوة عديمة الجدوى

البطش لن يجدى

رداً على تلك الهمجية والإرهاب جاء تعليق نُخبة من المحللين الإسرائيليين، ومنهم الكاتب (جدعون ليفي) بصحيفة (هاآرتس)، وقوله ” إن ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالقوة الأشد (همجية) في تاريخها لن يتحقق بقوة أكثر بطشا.

وكتب أن حركة (حماس) ستظل باقية في نهاية المطاف بعد حرب سُفِكت فيها الدماء، وقُتل فيها مئات الجنود الإسرائيليين وعشرات الآلاف من سكان قطاع غزة، ودمار هائل بحجم ما حلَّ بمدينة (درسدن)، عاصمة ولاية (ساكسونيا) الألمانية، خلال الحرب العالمية الثانية، وأضاف (أن على إسرائيل أن تعترف بأنه لن يبق في قطاع غزة سوى حركة حماس، وعليها أن تستخلص من هذه الحقيقة الدروس والعبر).

وكرر (ليفي) اسم (حماس) في مقاله 24 مرة، ليؤكد ما ذهب إليه من أن حركة (حماس) رغم أنها تضررت من الناحية العسكرية بشكل كبير، إلا أنها ستتعافى، ومن الناحية السياسية والأيديولوجية، يقر بأن (حماس) ازدادت قوة خلال الحرب، بعد أن بعثت الروح مجددا في القضية الفلسطينية التي اعتقدت إسرائيل والعالم أن النسيان طواها.

وبرأيه – لا تستطيع تغيير حقيقة أن (حماس) باقية، فهي لا تملك القدرة على تعيين كيان حاكم آخر في غزة، وليس ذلك لأن وجود كيان من هذا القبيل مشكوك فيه فحسب ولكن أيضا، وبالدرجة الأولى، لأن هناك حدودا لجبروتها، أي إسرائيل.

ولهذا السبب، فإن (ليفي) يعتقد أن الحديث عن (اليوم التالي) مضلل؛ (فليس هناك يوم بعد (حماس)، ومن المحتمل ألا يكون هناك يوم بعد (حماس) في أي وقت قريب، وعزا ذلك إلى أن (حماس) هي الجهة الوحيدة الحاكمة في قطاع غزة، على الأقل في ظل الظروف الراهنة التي تكاد تكون غير قابلة للتغيير، ومن ثم، فإن (اليوم التالي) سيشمل حركة (حماس)، وعلى الإسرائيليين أن يعتادوا على ذلك).

وتابع: (أن استئناف الحرب خطوة عديمة الجدوى، فهي ستقتل من تبقى من الأسرى الإسرائيليين وعشرات الآلاف من سكان غزة، وفي النهاية ستبقى (حماس)، وبدلا من خوض حرب أخرى “لاجتثاث (حماس) من السلطة إلى آخر هذا الكلام الفارغ، علينا أن نعوّد أنفسنا على وجودها).

بحسب (ليفي) الذي يضيف أن ذلك يستوجب من إسرائيل أن تتحدث مع الحركة، وقال: (لو أن إسرائيل أوفت بوعودها كما فعلت (حماس)، لكنا الآن في المرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار.

خالصاً: (لو كان لدى إسرائيل رجل دولة يتمتع بالرؤية والشجاعة – وهي فكرة ربما ميؤوس منها، حسب قوله – لحاول التحدث مع (حماس) بشكل مباشر وعلني وعلى مرأى من الجميع في غزة أو في القدس، ومع أن الكاتب يرى أن من الأفضل لو كان في غزة حكومة مختلفة.

إلا أنه يقر أن هذا الخيار ليس في متناول اليد في المستقبل القريب، ووفقا له، فمن المستحيل تعيين زعيم في قطاع غزة ولا حتى (محمد دحلان)، من دون موافقة (حماس)، وفي اعتقاد (ليفي) أن السلطة الفلسطينية، التي قال إنها تحتضر ببطء في الضفة الغربية، لن تعود إلى الحياة فجأة في غزة.

إجمالاً: تخوض إسرائيل هذه المرة عدوانها على القطاع، ولديها قرار واضح هو إبادة سكانه قدر استطاعتها في وقت يغض فيه العالم أجمع الطرف عن جرائمها اليومية، معتمدة على الدعم الأمريكي اللامتنهي لها، وللحديث بقية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.