رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: نور (ولاد الشمس) وعتمة دراما (ولاد الظلام)

محمود حميدة يظل عملاقا في أدائه الرائع

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

استمتعنا بمسلسل (ولاد الشمس)، و(اتوجعنا) من أعمال (ولاد الظلام)، فالأول عمل درامي يضيء على فئة بيننا استغل البعض ظروفها وأكل مالها واغتال أحلامها وعبث بأقدارها، أما (ولاد الظلام) فقد قدموا مجتمعنا في أعمال هدفها إظلامه بعد خلخلة قيمنا واستباحة تماسك عائلاتنا وهدم ثوابتنا وتغيير ملامحنا.

أعمال الأخوة فيها أعداء، والخيانة سلوك بشري عادي والصراخ أسلوب حياة والحوار متدن، والمجتمع في نظر مبدعيها هو أُسود تلتهِم وأرانب تُلتَهَم.

تعيش بيننا فئات نعرف عنها القليل ونجهل الكثير، نحكم عليها من خلال الظاهر ولا نتعمق في الباطن، نكوّن عنها صورة ذهنية بناء على معلومة تصدرها وسائل إعلام أو رأي يبديه أحد معارفنا، والغريب أنهم قد يرتبطون بنا بصلة دم ولكننا لم نبذل أي مجهود لسبر أغوارهم.

من هذه الفئات اليتامى، الذين يأكل البعض أموالهم بالباطل، ويستغلهم البعض من دون أن يوفيهم حقوقهم، ويحبسهم البعض في إطار المهن الصعبة، ويحرمهم كثيرون حق التعليم حتى يضيق عليهم مساحة النبوغ والانطلاق، العالم خصص لهم يوماً للاحتفال بهم، وقد حوّله البعض إلى يوم للنفاق الاجتماعي ولتصدير صورة ذهنية مزيفة عنه. لهم دور ظاهرها رعايتهم وباطنها استغلالهم.

المكتبة الإنسانية زاخرة بالكتب التي تتحدث عنهم، والإعلام يتذكرهم من وقت لآخر، ورغم ذلك فإن قليل من يتابع وأقل القليل من يقرأ، حتى جاء مسلسل (ولاد الشمس) ليكون بمثابة شمس تضيء على عالمهم وتمنحهم بعض الدفء بعد أن صدّر للمشاهدين صورة واقعية عنهم.

آلامهم وطموحاتهم، استغلالهم والنيل من كرامتهم، توظيفهم في الأعمال غير المشروعة ومصادرة أبسط حقوقهم، وحقق المسلسل نجاحاً ليثبت تعطش الناس لمعرفة المجهول عن هذه الفئة وغيرها من الفئات التي فرض عليهم العيش في الغرف المظلمة وتم حبسهم داخل سجن من يتولون أمرهم.

(ولاد الشمس) يستحق التهليل والإشادة والمديح بفضل إداء أجمد مالك وطه دسوقي

(ولاد الشمس) يستحق الإشادة

بعد انتشار القبح الفني في حياتنا مهدداً قيمنا ومغيّراً من ثوابتنا، فإننا عندما نجد عملاً متميزاً نهلل له، و(ولاد الشمس) يستحق التهليل والإشادة والمديح، وهو ما ناله ليس من النقاد والمتخصصين فقط ولكن الأهم من المشاهدين، الذين عبروا عن امتنانهم لكل من شارك في هذا العمل الصادق المختلف.

رغم أن كثير من الأعمال الفنية تناولت في الماضي قصصاً عن اليتيم، إلا أن هذا العمل مس قلوب مشاهدين وأعمل عقولهم وتسلل إلى وجدانهم حاجزاً فيه موقعاً كبيراً، والسبب هو واقعيته الشديدة، حيث شاهدنا اليتامى على الشاشة يشبهون اليتامى الذين نعرفهم، يتحدثون مثلهم ويلبسون ملابسهم ويحلمون أحلامهم.

ولا يريدون من الحياة سوى حق الحياة بكل تفاصيلها، لا يطلبون تعويضاً من أحد عن من فقدوهم، يؤمنون أنها إرادة الله، فقط يطلبون أن يتركهم الظالمون وشأنهم، نعرف ولعة ومفتاح وقطايف وألمظ، كما نعرف عبيد وأمينة، ونعرف أيضاً مستغلوهم وآكلي أموالهم مثل ماجد وياسين وغيرهما.

نعرف كل هذه النماذج جيداً، ولكننا لم نتغلل داخلهم، ولم نعرف جوهرهم ولم نقتحم عالمهم، وهو ما فعله (ولاد الشمس) الذي تدور أحداثه داخل دار الشمس لرعاية الأيتام، لنكتشف أن أبناء الدار الذين عاشوا وكبروا في الدنيا بلا أب ولا أم أنهم إخوة فعلاً، يتشاركون في كل شيء (أكلة واحدة نومة واحدة)، يخافون على بعضهم.

وسنجدهم نماذج متباينة التباين الإنساني، فمفتاح العاقل وولعة المندفع وقطايف المثقف المعتز بقراءته 36 كتاباً.. يفرض أبوته عليهم ماجد (محمود حميدة)، يحاول إيهامهم أنه هو من ربى وكبّر وعلم، وهم يدركون أنه من استغل وقهر ودمّر، ينادونه (بابا) مضطرين.

شرير بشع، وصل به شره أن يسرق ابن شقيقه وييتمه ويغير اسمه ويزيف حقيقته حتى يستولي منه على الدار التي هي ميراثه وحقه، يحرمه من أمه ويوهمها أنه مات، ويوهمه أنها تركته ولم تحبه وأنها كانت تراه نحساً عليها، ولا يبلغه أنه ابن شقيقه حتى يظل مسيطراً ممارساً عليه كل المن والأذى والقهر والاذلال، والأمر نفسه مع باقي الأيتام.

(ولاد الشمس) هو مسلسل المشاعر المؤلمة، الفنانون فيه يمثلون بلغة المشاعر، والحوار لغته شاعرية، والمشاهد مرسومة برؤى شاعرية، والحالة شاعرية خالصة ولكنها موجعة للمشاهد ومن المؤكد أنها أوجعت الممثلين الذين تباروا إبداعاً وتألقاً، (أحمد مالك، طه دسوقي، معتز هشام نجوم على طريق المجد، محمود حميدة جوهرة تمثيلية تزداد لمعاناً بمرور الزمن).

جعل مهاب طارق كل ممثل شارك في هذا العمل هو بطل وفنان حقيقي

المبدع (مهاب طارق)

وكل ممثل شارك في هذا العمل هو بطل وفنان حقيقي، وقد حرص المخرج (شادي عبد السلام) أن يمنح كل ممثل مساحة إبداعية تضيف له وللمسلسل.

الغريب أن يكون كاتب هذا العمل وراسم هذا العالم بأسلوب شاعري دخل قلوب الناس هو نفسه المشارك في كتابة سيناريو واحد من أسوأ مسلسلات هذا الموسم (إش إش) وهو المبدع (مهاب طارق)، الذي شارك سابقاً محمد سامي في كتابة سيناريو وحوار (جعفر العمدة، ونعمة الأفوكاتو)، وهذا الموسم (إش إش).

وإذا كان معذوراً من قبل وهو يستكشف عالم الكتابة الدرامية فليس معذوراً بعد أن أهدى المكتبة العربية ثلاثة من أفضل المسلسلات (حالة خاصة) العام الماضي، وكل من (إخواتي، وولاد الشمس) هذا الموسم.

(مهاب طارق) حجز لنفسه مكاناً بين أهم مؤلفي الدراما وحان موعد خروجه من عالم محمد سامي وبلا رجعة لأن بقاءه فيه سيسيء إليه وسيضره كثيراً.

لا أدري إن كان المؤلف (مهاب طارق) أم المخرج (شادي عبدالسلام) هو صاحب فكرة المشاهد التوثيقية من عالم الأيتام في الحلقة الأخيرة، ولكنها فكرة عبقرية منحت المسلسل مساحة واسعة من المصداقية.

وأكدت أن الشخصيات التي عشنا معها 15 يوماً شخصيات حقيقية وأن هذا العالم مليء بمن يستحقون الحياة ويمتلكون القدرات الإبداعية، ويحققون التفوق الدراسي وأن كل ما يحتاجونه هو حق الرعاية من دون مَن ولا أذى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.