

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
نعم نستطيع أن نلبي نداء الرئيس في صناعة (الدراما) الإيجابية التي تحرص على القيم الإنسانية، إذا أخلصنا النوايا وتخلصلنا من نرجسية البعض منا، من أولئك الذين يرون أن (الجمهور عاوز كده)، فها هو الجمهور نفسه قبل الرئيس قد ضاق ذرعا بمحتوى (الدراما) الردئ في موسم رمضان الحالي، ولأول مرة تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالرفض لكل هذا العبث الدرامي!
كتبت في 20 سبتمبر من العام الماضي ما هو نصه: ياسادة أفيقوا يرحمكم الله، فقد ضاق صدر المواطن المصري عندما وضعته الشركة المهيمة على إنتاج (الدراما) في موقف المشاهد – رغم أنفه – لمسلسلات وأفلام وسماع أغان تعد كغثاء السيل، وفرضت عليه قيما جديدة وورشا تعبث بالإبداع، وفنانون يستفزون الشعب المصري بأفعالهم الشائنة.
وبعد أن طفح الكيل من دروب إفساد الشباب التي فاقت الحدود بإنتاج فني وإعلامي ردئ، لا نجد سبيلا لوقف هذا النزيف المادي والفني إلا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتدخل فورا لوقف هذا الورم السرطاني الذي أصبح يتفشى في جسد الهوية المصرية من خلال (الدراما) السيئة.
وناشدت الرئيس – وقتها – بأن يقف بالمرصاد لمن يعمل على إجهاض على أية محاولات لاسترداد قوانا الناعمة الحقيقية على جناح (الدراما) الحقيقية، في ظل مبادرة (بداية جديدة لإعادة بناء الإنسان المصري) التي بدأت من 7 سبتمبر الماضي لمدة 100 يوم في محافظات مصر.
وقلت سيدي الرئيس: إذا كانت هذه المبادرة هدفها الاهتمام بناء الإنسان المصرى الحقيقي، وفى ضوء توجيهات سيادتكم تأتى بهدف الاستثمار فى رأس المال البشرى، من خلال برنامج عمل يستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية عبر تعزيز الجهود والتنسيق والتكامل بين جميع جهات الدولة فى مختلف أقاليم الجمهورية.
وعلى رأسها الوزارات المعنية، مثل: التربية والتعليم والصحة والأوقاف والثقافة والتضامن الاجتماعى والشباب والرياضة وغيرها، فإن هذا يستلزم إعادة النظر في خطط إنتاج (الدراما) باعتمادها على الكوادر المهنية الاحترفية الحقيقية في الإبداع الفني والإعلامي، رافعة شعار (لا للإقصاء.. لا لقتل المواهب).

صناعة (الدراما) الحقيقية
وهذا كله من شأنه أن يصب في تحقيق مستهدفات المبادرة، بحيث يشعر المواطن بالمردود الإيجابي خلال فترة وجيزة من خلال صناعة (الدراما) الحقيقية التي تستهدف التركيز على الهوية المصرية بإنتاج يبعد كل البعد عن العنف والقسوة والعشوائية والنيل من المرأة التي تمثل العمود الفقري في المجتمع، وهدم قيم العائلة المصرية في البيئة الشعبية.
خاصة أنه إلى جانب اهتمام المبادرة بالأسرة المصرية عبر برنامج متكامل، فإنها ترتكز أيضا على بناء الوعى، وإعداد أجيال جديدة تترسخ لديها قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية فى عملية التنمية الشاملة، وهذا أهم أدوار (الدراما).
وأنهيت كلامي قائلا: هذا لايتأتي إلا بتعديل مسارالشركة التي تستحوذ على سوق الإنتاج، باعتبارها المهيمن الأول والأخير للإنتاج الفني والإعلامي، وحتى أنها تحتكر الوطنية مدعية أنها لها حصريا.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!
وخلال الأيام القلية الماضية استبشرت خيرا، عندما عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي اجتماعا مع طارق مخلوف، الرئيس التنفيذي لشركة المتحدة، ومحمد السعدي، عضو مجلس إدارة المتحدة، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وشريف فتحي وزير السياحة.
وخلال الاجتماع، أكد الرئيس على أهمية دور الإعلام و(الدراما) في الارتقاء بالمجتمع وتعزيز الهوية الوطنية، مشددًا على ضرورة تقديم محتوى إعلامي يعكس القيم المجتمعية الإيجابية ويسهم في تشكيل وعي مستنير.
وفي إفطار (يوم الشهيد) أكد الرئيس السيسي على ضرورة تعديل مسار (الدراما) المصرية، وفي هذا السياق، أكدت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، أنها بدأت بالفعل في تشكيل لجنة متخصصة للمحتوى، تتولى وضع خطط وبرامج للإنتاج الدرامي والإعلامي، إلى جانب متابعة ورصد الأعمال المنتجة من الشركة بهدف تحقيق رؤية واضحة للإنتاج قائمة على تحليل دقيق للواقع.

العنف وصناعة الكراهية
ولي أن أتساءل ماهو تشكيل هذه اللجنة؟، ومن هؤلاء المعنيون بمراجعة شاملة للأعمال المقدمة، لتقييم نقاط القوة والضعف، وصولا إلى توصيات مدروسة تضمن توافق المحتوى مع الأهداف الوطنية والتوعوية، بما يسهم في التطوير المستدام للمشهد الإعلامي المصري؟
هل هذه اللجنة ستضم أعضاء من خبراء حقيقيين من (علماء نفس واجتماع ومفكرين وأدباء ونقاد يفهون في هذه الصناعة الاستراتيجية الثقيلة)، بحيث يملكون قدرة تشخيص الداء الذي اعترى الدراما المصرية خلال السنوات العشر الماضية، ويقدمون العلاج الناجع لأمراض دراما استغرقت في العنف وصناعة الكراهية والحط من شأن المرأة؟
أتمنى قبل الإعلان عن تشكيل اللجنة خلال الأيام المقبلة، أن نتروى قليلا، بحيث أن هذه اللجنة تضم نخبة من الشخصيات البارزة وأصحاب الخبرات في مختلف المجالات، بما يضمن تمثيلا متوازنا لمختلف القطاعات والفئات، وتحقيق رؤية أكثر شمولا للارتقاء بالمحتوي الدرامي والإعلامي ككل.
أعتقد أن الخطوة تكمن في الاختيار الجيد والمناسب في إطار استراتيجية الإدارة الحالية المكلفة بتطوير المحتوي الدرامي الإعلامي، بما يحقق التوازن بين الإبداع والمسئولية الاجتماعية، وتطلعات الجمهور المصري من خلال تقديم أعمال تعكس القيم المجتمعية الإيجابية، وتسهم في بناء وعي متوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة.
وظني أن تأكيد (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) التزامها الراسخ بتطوير المشهد الإعلامي المصري، مدعية إنها تواصل دعمها لكافة المبادرات الهادفة إلى تحسين جودة المحتوى، بما يحقق التوازن بين الإبداع والمسؤولية المجتمعية، بما يواكب تطلعات الجمهور المصري بمختلف فئاته، هو أمر يدعو إلى الضحك والتهكم والسخرية، الذي يدور في الكوليس حاليا قبل خروج اللجنة للنور.
الهمس الذي يدور في الكواليس يقول: كيف يمكن لشركة مسئولة عن ضياع الهوية وفقدان التوازن خلال السنوات لعشر الماضية، أن تلتزم بتطوير المشهد الإعلامي والدرامي؟!.. ياسادة فاقد الشيئ لا يعطية، ومن ثم لابد من تشكيل لجنة محايدة تستطيع مناقشة مشاكل (الدراما) بواقعية تبعد عن الشللية والمجاملة على حساب الوطن، ومن هنا أقترح أن تشكل اللجنة من قبل مجلس الوزراء أو بإشراف الرئاسة في ظل استياء (الرئيس والدكتور مصطفى مدبولي) من حال الدراما المصرية.
نحن عانينا طوال العشر سنوات الماضية من ضيق الأفق وسد منابع الإبداع الحقيقي في (الدراما) والإعلام، من جانب هذه الشركة، عندما اعتمدنا اختيارات القيادات على ذوي القربة والمصاهرة، فضلا عن تدني مستوى المهنية، وحالات الإقصاء العمدي مع سبق الإصرار والترصد، للكوادر والمهنيين الحقيقيين، لحساب شرازم لا تفهم ولا تعي رسالتي الفن والإعلام.

حتى يتحقق الهدف
كتبت عديد من المقالات عن خطورة التحكم في (الدراما) المصرية، وحصر الشركات الوطنية المنتجة في خانة ضيقة، حتى خرجت غالبية تلك الشركات من الصناعة بخفي حنين، لأنها كانت تعاني الأمرين في التعاقد على شاشات عرض للأسف أغلقت عليها المتحدة إنتاجها وحدها، وزيادة في الفساد قصرت منصة (وواتش إت) على إنتاجها وحدها.
حتى يتحقق الهدف من تشكيل اللجنة، لابد من دراسة حقيقية شفافة تؤكد على وجود إنتاج درامي حقيقي يعتمد على خطة قومية قوية ومحمكة، تشمل مشاركة تنافسية بين كل شركات الإنتاج الوطنية ولا ضير من مشاركة شركات عربية تعنى بجودة المنتج في سبيل إصلاح المسار المعوج.
فمثلا: نحن بحاجة في موسم رمضان والمواسم الموازية لدراما تدعم الانتماء الحقيقي، وليس على شاكلة هدم القيم والسلوكيات التي تناقض القانون – وللاأمانة هناك بعض المسلسلات الإيجابية من ذوي الـ 15 حلقة في الموسم الحالي – فهى نوعية من (الدراما) التي تدعم قضايا التعليم والذكاء الاصطناعي، تلك (الدراما) التي تعلي من قيم المرأة والطفل والشباب، حتى ولو كان بأسلوب الأكشن والإثارة والتشويق.
بدلا من الأفكار الغارقة في السذاجة والغيبيات والميراث والثأر وتجارة الآثار والسلاح، وغيرها من موبيقات الدرامية المصرية في الفترة الأخيرة، وذلك بخطة تترجم هذا المحتوى الدرامي بأسلوب يجعل من الخيال حقيقة واقعة على الأرض وتساهم في التأكيد على بنية أخلاقية قوية.
لدي رؤية متكاملة لإنقاذ الدراما المصرية من كبوتها الحالية، إذا أراد صاحب القرار أن أتقدم بها على الفور، وفي أي وقت يشاء، هذه الرؤي، وهى خلاصة التجارب التي خضتها طوال 5 سنوات في تقييم الأعمال الدرامية التي تعاني التشوهات على مستوى النص والإخراج والتمثيل على صفحات (شهريار النجوم)، ومن قبلها أكثر من 30 عاما في التحليل الدرامي عبر الصحف والمجلات، والفضائيات المصرية والعربية.
فضلا هذا عن أني أول من اقترح فكرة الاهتمام بالدراما الوطنية، عندما كتبت ملفا كاملا في (الأهرام) في عام 2014 بعنوان: (الدراما المصرية تخاصم البطولات العسكرية – الأهرام اليومي)، وكتبت أيضا في عام 2016: (بطولات الجيش بديلة عن الغوص فى وحل العنف والإسفاف والتردى.. الفريضة الغائبة عن صناع الدراما الواقعية – الأهرام اليومي).
وقبل ست سنوات في عام 2019، كتبت في اليوم السابع: (الدراما التليفزيونية تتجاهل أعظم البطولات العسكرية! – اليوم السابع) واقترحت أيضا تقديم أعمال عن دور المخابرات العامة في حروب مصر الحالية، وعلى أثرهما تم تقديم مسلسل (الاختيار، وهجمة مرتدة)، وغيرها من أعمال تسجل بطولات الجيش والمخابرات.
وبعد ضاق المواطن المصري ذرعا بدراما عابثة تزامنا مع رؤية الرئيس في إصلاح المسار، لابد من وقفة حقيقية مع النفس ومع الرئيس السيسي، من شأن هذه الوقفة أن تساعد على نشر القيم الإيجابية، وأن نكف عن تصريحات مزورة: أن ما يحدث ما هو إلا تنفيذ لتوصيات رئيس الجمهورية ومطالباته بدور الإعلام في نشر الإيجابيات ودعم الدولة.

لدينا شركات وطنية
الرئيس يريد دراما إيجابية ونحن معه قلبا وقالبا، فإذا كانت لدينا شركات وطنية في مجال الإنتاج الدرامي، لابد من إعادتها إلى حلبة المنافسة، خاصة أنها كانت تتنافس فيما بينها للفوز بجزء من الدراما، وكانت هنالك ميزات نسبية في التخصص.
فمنها من كان يركز في اللون الصعيدي، ومنها من تخصص في (الدراما) الاجتماعية والوطنية، ومنها من تخصص في (التاريخي والديني والكوميدي والساسبنس)، وغيرها من ألوان الدراما التي تصب في خاصة التنوع، بحيث يصبح الموسم الرمضاني في كل عام متنوعا بشكل يمكن أن يسد ظمأ المشاهد المصري والعربي.
وفي ظل الوضع الجديد الذي ستخرج بها اللجنة المشكلة لهذا الغرض، فلابد أن تبتعد صناعة (الدراما) التي تنتج ما تشاء من أعمال تجنح نحو الإثارة غير المفيدة، ولايهم أن تصب في خانة التفاهة وتفريغ المضون من محتواه الذي يحافظ على القيم.
بعد أصبحت الفوضى شعارا، والبلطجة أسلوبا، والتراخي في تطبيق القانون منهجا متبعا في المسلسلات، وأخذ الحق (بالدراع) وتوظيف إمكانات الممثلين في أعمال إنسانية تصب في تقوية القوي الناعمة التي تعتمد (الإنسانية) جوهرا في ذهاب الخيال الدرامي نحو منطق غير مأهولة من الطيبة والعفوية التي يتمتع بها الشعب المصري.
أو المفارقات الكوميدية القادمة من قلب الشارع القادر على تحويل المعاناة إلى مواقف كوميدية تقوى على انتزاع الضحك من قلب المأساة.
كانت ميزة صناعة الإعلام المصري خاصة في مجال الدراما التلفزيونية، أن هناك شركات توزيع تقوم بالترويج للعمل الدرامي أو الفيلم أو المسرحية أو البرنامج وبيعه خارجيا وداخليا، بحيث يكون في الخارج قوة ناعمة وفي الداخل يجلب إيرادا، لكنه توارى كثير الآن في ظل منافسة حقيقية من جانب من حولنا من بلدان عربية.
لقد تغير الحال، تغير مع هيمنة شركة واحدة، هى التي تقوم بالإنتاج ونتيجة لسيطرتها على كافة القنوات الفضائية فأنها تعطى من تشاء، ومن هنا قضت بدورها على صناعة التوزيع والتسويق، كما قضت على صناعة المونتاج والتصوير والجرافيك والمعدات.
هل تذكرون سمة الإعلام المصري عن دول المنطقة، حيث كان لدينا في التلفزيون المصري مهرجانات ومعارض ومعدات وأسواق ومنتجات وندوات ومنتديات ولقاءت، لكن بمجرد أن وطأت تلك هذه الشركة أرض الإعلام المصري استحوذت على صناعة (الدرما) وفرغتها من المضمون، بل أفسدت أجيالا بكاملة على جناح العنف والتسطيح.