
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
قلت له مبروك يا (زكريا أمان).. إنسانة كاملة من كل النواحي.. وفي اليوم الثاني تمت الخطوبة و لم ينس أن يشكرني علي الوردة التي أهديتها لها في المقابلة الأولي.. قلت له: هل يعلم والدها أنك شاعر.. قال لي: نعم.
وستكون حجرة المكتبه هى أول حجرة سيتعرف عليها.. كنت في هذه الفتره قد أرغمت (زكريا أمان) على كتابه الشعر مرة أخرى، وظللت أتابعه حتى أصبح شاعرا كبيرا تذاع أشعاره في الراديو والتليفزين حتى أن أحد الشعراء الذين يكتبون الشعر والذي حقق شهرة كبيره كان يعتبره استاذا له.
هذا الشاعر هو (محمد القصاص) الذي كتب لهاني شاكر (عليّ الضحكايه عليّ)، ظللت مع (زكريا أمان) حتي مات أبي ليترك لي اكتئابا داخليا.. كنت أحاول أن أداريه.. ثم ماتت أمي فزاد اكتائبي..
كان السؤال الذي يتررد بداخلي دائما: هل أديت واجبي تجاههما.. وهل ماتا راضيين عني.. في أول زيارة للذكريات ذهب معي (زكريا أمان) إلي المقابر وطلب زيادة قبل والدي.. بكي عندما أخبرته أنني لا أعرف مكان قبره.. فلقد كان من المفروض أن يدفن في قبر العائلة بقريته..
لولا أن ألح أحد الجيران واسمه (الشاعر).. وكان يعمل كبابجيا أقسم أن يدفن بجانب والده في مقبرتهم الخاصة..
في الخميس الأول انتظرته في المقابر لزيارة والدي في مقبرتهم.. وكانت صدمة لي.. قال لي أن والدته رفضت أن يدفن أي أحد بجوار زوجها.. سألته عن مكان قبر أبي.. قال لي في مقابر الصدقة.. وأين هى؟ قال لي مقابر الصدقة كثيرة وأرض الله واسعة.. و..حتي الآن لم أعثر علي قبر (محمود رضوان) هذا الهرم الأكبر الذي تحمل ما لا يتحمله بشر..
و كان اعتقالي من أسباب الشلل الذي أصيب به وعاش حتي مات دون أن يأخذ دواءا واحدا لضيق ذات اليد.. ظللت أبكي إلى أن توفت أمي التي كنت قد أعددت لها مقبرة مكتوب عليها (مقبرة الحاج محمود رضوان).
وكنت أذهب لابكي في أحضانها هناك.. ثم إلي حيث كنت أشعر بالراحه هناك في حارة العدوي بشارع زين العابدين، لانني امتنعت عن القاهره لفتره طويله.. كنت مكتئبا فيها..

أنا وزوجتي و9 أشقاء
لأنني كنت أشعر في هذه الفترة أنني أصبحت مسؤولا عن تسعه أخوة بهم 3 بنات علي وشك الزواج خصوصا (سامية) رحمة الله عليها و(ناهد) شفاها الله.. العذاب والمراره تمكنت مني تماما..
ليس معي ما يعينني على القيام بأي شيئ رغم أن والدي لم يكن يساعدني في شئ وإخوتي الذين توقفوا أو سافروا من الصعب أن أطلب منهم مليما واحدا.. فلقد كانوا متابعين لبرامجي دون أن يعرفوا أن من يقدم هذه البرامج لصوص.
التفرغ لا يزيد عن المرتب الذي كنت آخذه من مرتبي السابق في المدرسة، وإن كان مرتبي في المدرسه عندما كنت أعمل مدرسا كان بسيطا جدا لأنه كان يتم خصم نصفه أو أكثر بكثير لغيابي عن المدرسة.. وفي بعض الأوقات لعدم حضوري نهائيا ولمشاكلي مع رؤساء المدرسه ومفتشين التربيه والتعليم.
ظلت حياتي مع (زكريا أمان) إلى أن عاد مرة أخرى للقوات المسلحه.. أحسست بالوحدة.. ليس بيني وبين أحد لغة مشتركة.. شقيقه (سمير) يأتي في حوالي الثالثه صباحا فأقرأ عليه كل الحلقات التي كتبتها، والتي كنت سأسلمها للاذاعه في اليوم الثاني.. حتى أنني أذكر إنني كنت أفتح عينيه بيدي عندما يغمض عينيه ظنا مني أنه نام.. وأظل أسمعه أشعاري حتى الصباح .
ينام هو وأرتدي ملابسي بعد أن انادي على (كمال المكوجي) ليرسل لي هذا البلوفر الذي لابد أن يمر تحت يديه ليجعله طويلا أذهب به إلى الإذاعه قبل أن ينكمش مره أخرى لأنني لا أملك إلا هذا البلوفر ومعه زميل له بنفس الأوصاف أهداهما لي أديب ليبي اسمه (بشير الهاشمي) كان يريد الزواج من أختي و.. هذه حكاية أخري
في هذا الوقت عاده (زكريا أمان من) القوات المسلحه.. في غيابه كانت هذه السيدة قد بدأت تتردد على شخصي في الحجرة المهملة.. وكنت لا أعلم ولا أعرف شيئا عن عالم النساء..لا أجيد إلا الشعر.. قبلها كانت قد اقنعتني أن أذهب معها إلى شارع الهرم لنتناول الغذاء..
جلسنا علي أحد النوادي الموجودة في شارع الهرم.. وبعد أن أحضروا لنا الطعام اخبرتني أنها تناولت الغذاء قبل أن تحضر ..أحضر الرجل لنا طبق السلطه وبها شطه.. قالت له هل من الممكن إحضار سلطة أخري.. اعتذر الرجل لعدم وجود طماطم فقامت هى وغسلتها بنفسها..

وعاد زكريا أمان للجيش
أغلق الرجل علينا الحجرة وأخبرنا أنهناك ترباسا من الداخل إذا أحببنا استعماله.. قالت لي بعد انصرافه: علي فكرة يا إبراهيم.. الراجل ده قواد..أذكر أنني حتي لم ألمس يدها رغم محاولاتها معي.. ومللنا من المكان.. وجاء وقت الحساب.. من حسن حظي في هذا اليوم أنني كنت قد استلمت مرتبي من إداره التفرغ..
حاولت هى أن تحاسب علي أساس أنها هي التي عزمتني.. وأقسمت ألا أحاسب وأقسمت أنا أيضا أن أحاسب فمن العيب الشديد من وجهة نظري أن تحاسب سيدة علي غذاء ومعها رجل.. سبقتني لعدة خطوات حتي أحاسب الجرسوم الذي ينتظر مني أيضا بقشيشا كبيرا لأنه أغلق علينا الحجره..
مددت يدي في جيب البنطلون الصغير الذي كنا نضع فيه النقود وسألته عن المبلغ الذي يريده فاخبرني بالمبلغ لأكتشف أن المبلغ الذي معي لا يكفي للحساب.. حاولت إخراج أصابعي من الجيب فلم استطع.. لاحظت ذلك.. وأخرجت من حقيبتها مبلغا من المال و أعطته لي في يدي الأخرى..
حاسبت الرجل وسألتني ..هل أعطينه بقشيشا كبيرا.. ذكرت لها المبلغ الذي بقششت به عليه فصرخت: الراجل يا إبراهيم سابنا لوحدنا وقفل علينا الأوضه يكون جزاءه البقشبش الصغير ده.. لو سمحت ارجع و اعطيله البقشيش ده.. كان البقشيش ما يقترب من المبلغ الذي كان في جيبي الصغير الذي ما زال إصبعي بداخله.
ذهبنا وجلسنا في أحضان أبو الهول.. كانت ملتصقة بي.. و لأول مرة في حياتي تقبلني أنثي بطريقة خاطفة ثم تطلب من الله أن يسامحه.
بعد دقائق جاء من يحيينا.. فأعطته بعض النقود.. ثم جاء آخر في آخر.. وكلما جاء أحد تعطيه.. أثناء انصرافنا قالت لي: علي فكره يا إبراهيم.. العشرة اللي خدوها مننا فلوس شخص واحد.
قالت لي فجأة.. هاكون عندك بكره في شارع زين العابدين يا إبراهيم.. حاولت أن أمنعها من الحضور فلم استطع.. لم أنم ليلتها.. كان موعدها العاشرة صباحا.. وقفت في البلكونه من الفجر حيث كنت أقيم في الدور الرابع لأجد سيارة تتجه الى الشارع المقابل ثم تعود مرة أخرى اإى حارة العدوي من الجهة الصحيحة التي أسكن فيها..
السلالم متهالكه ولا تتناسب مع مستواها المرتفع جدا.. أذكر أنها كانت أول عمارة وقعت عندما هز الزلزال مدينة القاهره.. فتحت لها الباب المفتوح.. الحجره مخجله.. والملابس في كل مكان.. و..
كانت بدايه لمرحله جديده من مراحل حياتي أنا الشاب الصادق مع نفسه.. الطاهر الذي لا يفهم شيئا من الدنيا إلا الشعر ولم يلتق بامرأه في حياته.. و..
كانت مرحلة جديدة و طويلة من مراحل حياتي أشعر أنها عطلتني وما زالت آثارها موجودة حتي الآن.
و
الغربه بره الوطن
الغربه لو جوه الوطن..
حرف المواجح نكتبه
والغربه لو بره الوطن..
كاس المراره بنشربه
علشان كده.. حافظي على..
قلب اللي حبك من زمن
خليني جنبك في الصلا..
واحميني من عصف المحن
……………………….
إسقيني لو ريقي نشف..
وارقيني لو جوايا ضيق
أنا كل ليله باكتشف..
إنك وحيدتي ع الطريق
دا أنا كل توتي بينقطف
ليكي يا عنوان الشرف
علشان كده حافظي على..
قلبي اللي حبك من زمن
خليني جنبك في الصلا
واحميني من عصف المحن
……………………….
حتى في نومي باندهك..
وأشبهك بملاك رقيق
صبحت ملامحي تشبهك..
وبقينا واحد ع الطريق
يا أم العبايه الفزدقي..
بلسان حبيبك انطقي
علشان كده حافظي على..
قلبي اللي حبك من زمن
خليني جنبك في الصلا..
واحميني من عصف المحن
……………………….
سامحيني لو قصرت يوم..
مهما أكون ..متحمله
مع قهوتك أهمس يدوم..
يا اللي انتي بينا مكمله
ومفيش ما بينا مشكله
لو صعبه حتى المسأله
علشان كده حافظي على..
قلبي اللي حبك من زمن
خليني جنبك في الصلا
واحميني من عصف الزمن
من كتاب (مدد مدد..)
سيرة ذاتية لبلد