
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
تابعت عن كثب برنامج (قطايف) مثلى مثل كثير من الجمهور، برنامج (قطايف) الذي يقدمه الممثل (سامح حسين) على اليوتيوب، والذي حظي بجمهور كبير على صفحاته السوشيال ميديا، حيث تجاوز عدده 10 ملايين متابع على فيسبوك، و3 ملايين على (إنستغرام) ومثله على (تيك توك).
لقد ضرب (سامح حسين) مثلا في النجاح الإعلامي القائم على القبول الذي أساسه الصدق والإيمان، عندما تعامل بشكل تلقائي مع معطيات شهر رمضان بشكل يحقق رواج القيمة، ولا يسعى لركوب (التريند) الوهمي، تلك الآفة التي ينزلق فيها معظم إعلامي مصر، على جناح اختلاق الأكاذيب والفبركة، ووضع توابل حارقة في محتوى لايفيد بقدر ما يضر.
سر نجاح (سامح حسين) في البساطة التي يقدم بها برنامج بلا إمكانات كبيرة في الديكور وتجهيز الاستديوهات الضخمة، فبداية من الاسم (قطايف)، الذي اختاره لبرنامجه بما يحمله من دلالة تعبر عن مكون مميز للشهر الكريم، وصولاً إلى الموضوعات التي تحمل رسالة وقيمة إيجابية وبتكلفة دعاية لا تذكر.
استطاع (سامح حسين) أن يستحوذ على اهتمام الجمهور وسط زحام برامج الغوغائية والمسلسلات القاتلة للقيم والتقاليد التي تربينا عليها، وفي دقائق تعد على أصابع اليد الواحدة جذب جمهورا بالملايين، وحظي باستحسانهم بمشاهدات غير متوقعة، لدرجة جعلته يعتبر ما حدث معه (معجزة).
ربما تكريم (سامح حسين)، سواء من الهيئة الوطنية للإعلام قبل يومين، أو من وزارة الأوقاف، أو حديث الرئيس السيسي عنه في ذكرى (يوم الشهيد)، هو دليل نجاح لما يقدمه، وانتصار للقيمة الحقيقية للمحتوى الإعلامي الهادف وسط برامج تليفزيونية تخصم من رصيد الإعلام المصري يوميا، على جناح ركوب الترند اللعين.
ولكن تبقى القيمة والمعنى في طريقة (سامح حسين) البسيطة في تناول موضوعات حياتية نابعة من جوهر الدين الحنيف، وخاصة الحلقات التي شهدت رواجا كبيرا، مثل حلقة تحدث فيها الفنان عن (الصدق والعفو والرحمة، وحسن الخلق)، وتوقفه على حقيقة الموت، وأن الإنسان يمر كل عام على تاريخ وفاته دون إدراكه؛ لأنه ببساطة لا يعرفه.

نفحات إيمانية صادقة
وقد بدا (سامح حسين) بنفحاته الإيمانية صادقا، حين وصف يوم وفاة أي شخص بأنه سيكون يوما عاديا، وستستمر الحياة بعده، وأن خبر الوفاة على (فيسبوك) سيحظى بدمعة حزن، وفي المنشور التالي مباشرة ستكون هناك ضحكة.
وهذه رسالة مفادها بأن (موت الإنسان لن يغير شيئا في العالم حوله، لذلك عليه أن يجعل لحياته معنى)، تلك حقائق ربما لاندركها ولا نفهم معناها الحقيقي في حياتنا اليومية، وفي حلقة أخرى تحدث عن معنى (العدل، والحكمة والتحلي بالصبر)، قائلا لو أن المولى عز وجل تعامل معنا بالعدل سنقع في شرك كبير لن نقدر على احتمال تبعاته.
حتى عندما تحدث (سامح حسين) عن مصر وقيمتها الكبيرة منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحديث، ذهب إلى مناطق غير مطروقة في إعلامنا الوطني من خلال لغة سهلة وبسيطة تبعد عن التقعير والتنظير، واستخدام كلمات يكتنفها التعقيد الذي يشوش على عقل المتفرج بشكل يبعث على التنفير، بقدر ما يجذب المواطن إلى مناطق دافئة في حب الوطن.
كثيرة هى البرامج التي تتشدق بمسألة الوطنية ليل نهار، لكنها تبدو لي كأنما يحرث إعلاميوها في البحر دون جدوى، لكن (سامح حسين) تحدث ببساطة الفنان الذي يعي معنى كلمة (وطن)، على مستوى المعنى والمبنى، ليطرح أفكار تصب في خانة الوطنية بفرط من محبة صادقة ويقين خالص وإيمان عميق نابع من القلب بحضارة مصر وتاريخها العظيم.
ظني أن إشادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ببرنامج الفنان (سامح حسين)، خلال شهر رمضان، وخلال حفل إفطار رمضاني، في ذكرى يوم الشهيد والمحارب القديم، حرك المياه الراكدة في الإعلام المصري، وبعث برسالة طمأنة للمواطن المصري الواقع بين رحى (برامج التفاهة)، ومسلسلات (الكره والعنف والعشوائية) التي جرفت حياتنا.
فقد أكد الرئيس على ضرورة تنشئة الأجيال على القيم والأخلاق المصرية الأصيلة، مشددا على الدور الجوهري للإعلام المصري في هذا المجال، إلى جانب دور الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة في بناء مجتمع قوي، وهذا ما يواكب ملامح الجمهورية الجديدة القائمة على العدل والإنصاف الذي ننشده.

لمس قلوب المصريين
ويأتي تكريم وزير الأوقاف للفنان (سامح حسين)؛ تقديرا لعطائه الفني المتميز، وما قدمه من محتوى هادف وناجح، من خلال برنامجه (قطايف)، بمثابة شهادة كبيرة تؤكد صدق تأثيره الكبير في وجدان المصريين، فقد لمس قلوبهم، كما أن الدكتور (أسامة الأزهري) ثمن جهوده في تقديم أعمال تحمل رسائل تربوية، وأخلاقية، وإنسانية سامية، تسهم في بناء الوعي، وتعزيز القيم المجتمعية النبيلة.
أبرز القيم والمعاني التي احتوتها (قطايف) الفنان (سامح حسين) في تقديم هذا المحتوى المتميز، أنها من شأنها تعزيز الهوية الثقافية المصرية، وترسخ للقيم الإيجابية في المجتمع، ليؤكد أن الفن الواعي يعد شريكا رئيسيا في مسيرة التنوير، وبناء الشخصية الوطنية، لا أن يكون معادلا موضوعيا للبطل الشرير في معادلة الدراما البغيضة.
وثمن وزير الأوقاف الدور الذي تلعبه الدراما الهادفة في معالجة قضايا المجتمع، مشيراً إلى أن مصر منارة للفنون الراقية، التي تترك أثرا إيجابيا في وجدان الأجيال، وأيضا أكد على أن العمل الفني إذا توافر له الحس التربوي والأخلاقي، أصبح وسيلة قوية لنشر الوعي، وتعزيز السلوكيات الإيجابية التي تبني ولا تدمر.
هل وعى إعلاميوا مصر الذين أغرقونا في بحار متلاطمة من البرامج التي تسعى لركوب (الترند) على حساب القيم، هذا الدرس العملي الذي قدمه (سامح حسين) على اليوتيوب، دون تسليط فلاشات التصوير، وإمكانات الإنتاج الضخم، أنه مهما بلغت التكونولوجيا مبلغها تظل بعيدة عن كشف جوهر الدين والإنسان الذي يدعم القوى الناعمة.
ياسادة: بقليل من العقل والحكمة يمكننا أن نعبر بالمشاهد المصري الذي يعيش ظروفا ضاغطة من عنق الزجاجة الفارغة إلى بر من الأمان المعرفي، لو اجتهدنا قليلا من خلال أفكار بسيطة تحض على الفضيلة، ولا تحرض على العنف والضجيج الذي لايجدي سوى جلب أساليب البغض والكراهية.