رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(حمزة العيلي).. ممثل صاحب تكنيك خاص في الأداء الاحترافي

بأسلوب السهل الممتنع بدأ النجم (حمزة العيلي) أدائه الهادئ

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

من خلال ملاحظاتي الدقيقة له، أرى إن الممثل الموهوب (حمزة العيلي) يبني في نفسه عادة ملاحظة الآخرين وتذكر طريقة تصرفهم، فلو قبل ممثل دور رجل عجوز، على سبيل المثال، فيمكنه التحضير للدور جزئياً بملاحظة كيف يمشي المسنون، وكيف يقفون وكيف يجلسون، بعدها، يمكنه تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التي يريد تأديتها.

هكذا فعل (حمزة العيلي) في تفاعله وخفة حركته مع شخصية (درويش) في مسلسل (النص) في صولاته وجولاته في الحياة، وعلاقاتها بالآخرين ممن حولها مرورا بحالات مختلفة يتقلب فيها بين التراجيديا والكوميديا الخفيفة النابعة من روحه، وهنا دلالة واضحة أنه من النوع الذي يتعلم الممثل كيف يستجيب أناس مختلفون لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) بطُرق مختلفة .

المخرج العبقري الروسى (قسطنطين ستلانسلافسكي) يقول في كتابه الشهير (إعداد الممثل)، والذي يعد مرجعا عالميا لفن التمثيل بلا منازع: (إن أي فعل لا يستند إلى إحساس داخلي هو فعل لا يستدعي الانتباه، وإن أي فعل على الشاشة لابد له ما يبرره تبريرا داخليا، ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا).

وعلى حد قوله أيضا: (يجب على الممثل ألا يتخيل الأشياء دون أن يكون له هدف وراء هذا التخيل ومن أهم الأخطاء التي يمكن أن يقع بها الممثل هو أن يجبر خياله ويكرهه بدلا من أن يروضه ويلاطفه.

تلك الصفات الجيدة وغيرها دائما كانت وستظل منهجا يحتذى به من جانب  ضيفنا (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع الفنان (حمزة العيلي)، الذي يبدو شابا دائما ذو خبرة كبيرة في عالم التمثيل بفضل حرفيته في التجسيد الدرامي الذي جعله يخطو خطوات واثقة على سلم النجومية، بفرط من تلقائيته التي تشعرك بأنه واحد من الناس الذين تلتقيهم في حارة شعبية أو قرية نائية أو على أطراف وهوامش حياة البشر.

في كل دور يلعبه (حمزة العيلي) يمكنه تطوير ذاكرة عاطفية تمكنه من استرجاع الموقف

طريقة تمثيل معقدة

يبدو لك (حمزة العيلي) من أولئك الكادحين والمعذبين، المتعبين في سبيل كسب لقمة العيش بشق الأنفس، لكن يعلو جبينهم دائما ابتسامة رضا وقناعة بالمكتوب والمقدر لهم وعليهم في رحلة الحياة بحلوها ومرها، بشقائها وعذبها، إنهم باختصار ملح الأرض الذين يجعلون لها طعم بفضل تضحياتهم ودفاعهم بالروح والدم من أجل تراب هذا الوطن.

في كل دور يلعبه (حمزة العيلي) يمكنه تطوير ذاكرة عاطفية تمكنه من استرجاع الموقف الذي أوجد عنده رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يودون تأديته، غير أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولا يجب استخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملا وعميقا لها.

وهذا أمر لايخفى على ممثل ناضج بحجم (حمزة العيلي) الذي يتغير كثيرا وبأوجه مختلفة عبر الشخصيات التي جسدها على مدار رحلته، وهو من الممثلين الذين يجيدون فهم الآخرين بفهم ذواتهم وقدراتهم العاطفية قدر المستطاع، وإنهم يصورون الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم .

بأسلوب السهل الممتنع بدأ النجم (حمزة العيلي) أدائه الهادئ، وهو يحلق في بداية رمضان 2025 في شخصية (درويش) في مسلسل (النص)، و(نادر التمساح) في مسلسل (فهد البطل)، وأيضا دوره في (80 باكو)، حيث يدخل بسببها في صراعات وتحديات مصيرية، بينما يعيش حياة أخرى موازية تجعله غير مدرك لما يعيشه، فيحاول البحث عن ذاته وفهم حقيقة ما يدور حوله.

منذ الوهلة الأولى يتألق (حمزة العيلي) في أدائه، حيث يتكمن من توظيف لغة جسده التي تجمع بين السخرية من واقع مرير وأحلام يحققها في الواقع رغم أنها تبدو مستحيلة.

من الملاحظ أن (حمزة العيلي) لديه تكنيك خاص يتغلب من خلاله على جسمه، بحيث يبدو لك عملاقا في الأداء الدرامي بحسب (ستانسلافكي) باستخدام (الذاكرة الانفعالية)، وهو ما بدا لي واضحا من خلال أحداث مسلسل (النص) وربطها بالواقع البائس الذي يعيشه.

(حمزة العيلي).. في شخصية (درويش) يبدو مغايرا هذه المرة حتي يخال إليك أنه تكمن أهمية الممثل في مقدرته على فهم الشخصية والدور الذي يلعبه، إن امتلاك الممثل لطاقة خلاقة قادرة على تفهم الدور، هو ما يجعل الممثل متمكنا من أدواته وقادرا على التفاعل مع المتلقي.

في مسلسلي (النص) و(فهد البطل)

يملك قدرة الإدراك التعبيرية

يتلون (حمزة العيلي) من خلال حركات وإشارات واِيماءات وتكوينات وفعل، سواء كان خارجيا أم داخليا متفاعلا مع عناصر الدراما الأخرى في مسلسلي (النص) و(فهد البطل)، وهو في ذلك يستعين بأداوته الجسدية والصوتية، طبقا لخصائص أدائية معينة، للوصول إلى تجسيد أو تقديم الشخصية التي نسجها الكاتب وتصورها المخرج.

وهى كلها غايات تدرك من جانب نوع معين من الممثلين الأكفاء مثل (حمزة العيلي) الذين يملكون قدرا من الموهبة، وكثير من التواضع الذي يجلب الاستقرار والهدوء النفسي والاتزان في الشخصية.

ظني أن (حمزة العيلي) هو من ذلك النوع من الممثلين الذين يتسمون بأداء احترافي يؤكد أنه يتمتع بقدرة الإدراك التعبيرية في قرائته لحوارات النص، متصورا وباعثا ذلك العالم الداخلي المتأزم بشخصية البطل وانفعالاته النفسية الداخلية ومزاجها وأهدافها التي تروم الوصول إليها.

وهذه القدرة الإدراكية تفترض مقدرة الممثل التي يتم بواسطتها ترجمة تلك الانفعالات والخصائص السلوكية واسترجاع ملامح تلك الحركات والوضعيات والإشارات وطريقة الإلقاء ونبرة الصوت وشكل الكلام مع الشخصيات الأخرى.

ربما لجأ (حمزة العيلي) إلى المليودراما في أدائه البسيط في (النص)، والذي أراه من نوع السهل الممتنع، فهو ممثل يعرف جيدا كيف يوظف التقنيات الجسدية والصوتية كافة في خدمة شخصية البطل.

ويملك في ذات الوقت القدرة على التقاط هذه الحركة وتلك النبرة المسيطرة، وأسلوب التنقل والحركة وأسلوب الصوت والإلقاء، ولقد ظهرت تلك الصفات وغيرها مع (حمزة العيلي) حين قام بالعديد من الأدوار البطولية من مسلسلات لعب فيها أدوارا غاية في الأهمية في غياب نقاد حقيقين يمكنهم فرز موهبته الطاغية.

ومع ذلك فقد ظهر تواضعه الجم، ورغم أدائه البارع فهو لا يحب أن يلقب بالنخبوي، أو ينصف في خانة النجوم الأكثر شهرة، لأنه ببساطة يرغب في أن يكون ممثلا متاحا لكل الفئات العمرية والثقافية، لكن هذا لا يمنع أنه أحد الشباب القلائل الذين يسيرون إلى النجومية بخطوات مدروسة ومحترفة.

(حمزة العيلي) ينطلق في عالم التمثيل من خلال الموازنة بين تطويع الجسد والحوار المنطوق للتعبير عن حيثيات الشخصية، ولأنه ممثل مسرحي بالأساس له تجارب عديدة على خشبة المسرح الجامعي، فهو يمتلك مقومات بيئية وأزمنة تاريخية وفضاء قد يحدد من قبل المخرج الذي يتعامل معه في السينما والدراما التلفزيونية.

 

تتحول لغة الجسد عند الممثل (حمزة العيلي) بتحولات الشخصية وبنائها الدرامي

تحولات الشخصية وبنائها الدرامي

لدى (حمزة العيلي) إيمان راسخ بأن اجتماع كل هذه المعطيات من أجل خلق عمل درامي في (المسرح أو التلفزيون) قابل لتأويل المتلقي باختلاف التفسيرات العديدة يحيلنا إلى تعددية المعنى بأتجاه الحداثة، فتبقى الصورة المسرحية لديه محض تفحص واستنطاق من قبل المتفرج الواعي لحيثيات ذلك التصور، فلا بد أن تفرز بين ما هو رئيسي في الثيم وبين ما هو ثانوي من تفرعات، وهو ما يحاول جاهدا تطبيقه في التمثيل.

تتحول لغة الجسد عند الممثل (حمزة العيلي) بتحولات الشخصية وبنائها الدرامي، إذ لايمكن أن تكون منظومة الجسد خارجة عن الملفوظ الحواري، وهذه التحولات تنشأ من مفاهيم ومتغيرات الدور، فلكل تحول تغيير في حركات الجسد ليخلق شكلا فنيا ملائما يضيف تكاملا فنيا للعمل.

أما اذا كانت مرونة الممثل غير مطابقة للحوار فأنها تخلق نوعا من النشاز ولا تحقق شيئا، بل يسير العمل نحو فوضى الشخصيات، ولن ينجز التوصيل أو الفكرة فيسقط العمل في هاوية كبيرة.

ومن هنا فإن (حمزة العيلي) يستطيع كممثل أن يحقق تكامل الشخصية بسعيه إلى إسقاط الحالات المأساوية الذاتية على الدور، إذا كان يتطلب ذلك فيعمل على استرجاع تلك الحالات بصيغة التعايش والتطابق وبأستخدام الذاكرة الانفعالية حسب رأي(ستانسلافسكي – Stanislavsky).

وبحدوث التوافق والتوازن في دراسة الشخصية من قبل (حمزة العيلي)، وبعد الفهم الدقيق لهذه التفاصيل، وبعد القراءة المتفحصة للنص والوصول إلى إمكانية التجسيد والبث من خلال الخطاب (أي العرض) يمكنه أن يؤدي دوره على أكمل وجه.

والحقيقة أن لغة الجسد بامتزاجها مع اللغة الأدبية هى التي تشكل باتحادهما المنظومة الأدائية العامة لفن الممثل (حمزة العيلي)، ومحظوظ هو الممثل الذي يملك خبرات ينتظر كل شيء من عنده، جاهزا كي يمنحه أي عون يحتاجه خلال المشاهد المرهقة دراماتيكيا، كما يبدو لنا في تجاربه السينمائية والتلفزيونية.

ولد (محمد حمزة محمد حسن العيلي) في محافظة المنيا، وبعد حصوله على الثانوية العامة التحق بكلية الحقوق جامعة بني سويف ليتخرج منها حوالي عام 2007، ليلتحق فيما بعد بمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، الذي كان يديره المخرج خالد جلال، درس حمزة في المركز لمدة خمس سنوات وتخرج عام 2011، كانت دفعته هى الدفعة الثانية من خريجي المركز.

كان للمخرج (شريف عرفة) الفضل بتقديمه للجمهور من خلال العديد من الإعلانات الدعائية التي عمل فيها، فبعد أن بدأ مسيرته الفنية من خلال المسرح الجامعي في جامعة المنيا، كما قدم حوالي خمس عروض مسرحية في قصر الثقافة في المنيا، ظهر فيما بعد في عمل سينمائي للمخرج (شريف عرفة)، ومن ثم اختاره لأداء شخصية الحاج (كرم اكس لارج)، لاقى أداء (حمزة العيلي) في هذا الدور إعجابا كبيرا من قبل الجماهير.

صاحب موهبة كبيرة في الأداء الدرامي

صاحب موهبة كبيرة

لقد استطاع (حمزة العيلي) أن يثبت وجوده كفنان صاحب موهبة كبيرة، وذلك بناء على أدواره على خشبة المسرح، من خلال عدد كبير من المسرحيات التي قدمها كمسرحية (الاسكافي ملكا)، ومسرحية (أنا هاملت)، ومسرحية (السفينة ووحشين)، ومسرحية (ارتجال في المخ)، لكن تبقى أهم مسرحياته (ظل الحمار).

أما على صعيد السينما، ففي عام 2011، ظهر (حمزة العيلي) في عملين سينمائيين الأول (18 يوم)، و فيلم (إكس لارج) من إخراج شريف عرفة، وفي عام 2013، أدى دور شخصية المرور في فيلم (على جثتي) للمخرج محمد بكير)، وفي العام التالي أدى دور شخصية (حسني) في فيلم (الجزيرة 2) للمخرج شريف عرفة.

وعلى صعيد الشاشة الصغيرة، ظهر (حمزة العيلي) في عدد كبير من المسلسلات منها عام 2010، حيث ظهر في مسلسلين هما مسلسل (الكبير أوي1) حين لعب دور (عامل التكييف) للمخرج إسلام خيري.

وشارك (حمزة العيلي) في مسلسل (أهل كايرو)، ولعب فيه دور فرد من أفراد أمن الفندق، المسلسل للمخرج محمد علي، وفي عام 2011، ومن بعده لعب عدة أدوار كما في مسلسل (مطلوب رئيس).

في عام 2012، ظهر (حمزة العيلي) في ثلاثة مسلسلات، وهى (شربات لوز) بدور (يحيى)، ومسلسل (رقم مجهول)، ومسلسل (كاريوكا) حيث أدى شخصية الفنان (محرم فؤاد)، وفي العام التالي ظهر في مسلسل (آسيا)، ولعب فيها دور الضابط (مينا عازر)،

بعد ذلك توالى ظهور حمزة في مسلسلات عديدة، ليرسخ وجوده كفنان مبدع، فمثلا كان له حضور خاص وقوي على مدى السنوات التالية، منها على سبيل المثال ظهر في مسلسل (الشطرنج) الجزأين الأول والثاني، ومسلسل (الكبير أوي5، ومسلسل مأمون وشركاه، ومسلسل 7 أرواح، ومسلسل (ليلة) في عام 2017.

وفي عام 2018 ظهر في مسلسل (خفة يد)، وفي العام التالي ظهر بدور (جمال) في مسلسل (ابن الأصول)، وفي مسلسل (قمر هادي) بدور (مروان أبو المكارم)، في عام 2020 ظهر في فيلم (يوم وليلة).

شارك (حمزة العيلي) في أعمال أخرى مثل (شقة 6، ضد الكسر، نصيبي وقسمتك 2021)، منعطف خطر، وادي الجن، فيلم الورشة 2022)، رسالة الإمام، جزيرة غمام، العودة، دفعة لندن، وفيلم الباب الأخضر 2023، مطعم الحبايب، الأصلي، الصندوق، المداح، تيتا زوزو، خالد نور وولده نور خالد 2024، فقرة الساحر، وفيلم الهوى سلطان، جودر، 80 باكو، النص، فهد البطل 2025.

على منصة النكريم

عديد من الجوائز

نال (حمزة العيلي) العديد من الجوائز منها جائزة أحسن ممثل صاعد عن مسرحية (ظل الحمار) في المهرجان القومي للمسرح عام 2010، وفي عام 2014، نال جائزة (الدير جست) كأحسن ممثل شاب وذلك على مستوى الشرق الأوسط.

ونال جائزة أفضل ممثل في (مهرجان الحياة) في بورسعيد عن دوره في مسلسل (7 أرواح)، وكرم في المهرجان الكاثوليكي على اختياره لأعماله.

يقول (حمزة العيلي عن نفسه: (أحب أن أغير في الشخصيات لا أخاف من التغيير أبداً، وأصعب الأدوار هى التي أؤدي فيها شخصية عادية، لذا فهو يحب الأدوار التي بحاجة لعمل كثير، فالأدوار العادية تتعبني لأنها بحاجة لمجهود.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان القدير (حمزة العيلي) الذي يمتلك موهبة فنية ثقيلة، مخضرم فنيا، ولم يأخذ حقه على قدر ماتستحق موهبته وحضوره الفنى، فهو صاحب الإطلالة المميزة والصوت الحاد الأمر الذي مكنه بأدائه الجيد وصوته القوي وملامحه الصارمة الحادة من اجتياز الصعب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.