رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب:: رؤية نقدية لمسلسل (الكابتن)

يتجلى الصراع بين الإرادة الحرة والقدر المحتوم في (الكابتن)

بقلم الإعلامي: شريف عبد الوهاب *

مع بداية شهر رمضان، تابعنا مسلسل (الكابتن)، بطولة أكرم حسني وإنتاج كريم أبو ذكري، والذي استطاع في 15 حلقة أن يقدّم تجربة درامية فريدة تجمع بين الكوميديا والفانتازيا. ومع انتهاء حلقاته، وجدتُ نفسي أتأمل في أبعاده الفلسفية التي تتجاوز الطابع الكوميدي التقليدي.

المسلسل يحمل بُعدًا فلسفيًا يتجلى في عدة محاور:

1- فلسفة الحياة والموت

(الكابتن) يعيد طرح العلاقة بين الحياة والموت من منظور غير مألوف، حيث يتحول البطل، الطيار حسام، إلى وسيط بين عالم الأحياء وعالم الأرواح، هذه الفكرة تثير تساؤلات حول معنى الحياة، وأهمية تحقيق الذات قبل فوات الأوان، في رؤية تؤكد أن الموت ليس نهاية، بل امتداد لرحلة الإنسان ومحاولة أخيرة لإنجاز ما لم يكتمل.

2- المسؤولية الأخلاقية والعبء الإنساني:

يجد البطل نفسه مُجبرًا على تحقيق أمنيات أرواح لم تستطع إكمال رحلتها في الحياة، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا حول مدى التزام الإنسان بمساعدة الآخرين، حتى بعد رحيلهم. هل نحن مدينون للآخرين بإنهاء قصصهم الناقصة؟، وهل يمكن للمرء أن يكون مسؤولًا عن مصائر لم يكن له يد فيها؟

3- الإرادة مقابل القدر:

يتجلى الصراع بين الإرادة الحرة والقدر المحتوم في (الكابتن) من خلال رحلة حسام، الذي لم يختر أن يكون في هذا الموقف، لكنه يجد نفسه مضطرًا لخوض التجربة. هذه المعالجة الفلسفية تسلط الضوء على جدلية الاختيار والمصير، ومدى قدرة الإنسان على التكيف مع الأدوار التي يُفرض عليه لعبها في الحياة.

4- الهروب من الماضي والمواجهة الحتمية:

كل روح تظهر للبطل تحمل قصة غير مكتملة، وكأن الماضي يعود للمطالبة بإغلاق فصوله، هذه الفكرة تتناول فلسفة مواجهة الماضي، حيث لا يمكن للإنسان المضي قدمًا دون إنهاء حساباته العالقة، في (الكابتن) تتحول الأرواح إلى انعكاس لمخاوف الإنسان وتردده في مواجهة ذاته.

في أجواء تجمع بين الفانتازيا والكوميديا، يمر بطل (الكابتن) بتجارب تبدو عبثية

بين الفانتازيا والكوميديا

5- البحث عن المعنى وسط الفوضى:

في أجواء تجمع بين الفانتازيا والكوميديا، يمر بطل (الكابتن) بتجارب تبدو عبثية، لكنها تكشف عن رحلة بحث عن المعنى وسط الفوضى، حتى في أشد اللحظات غرابة، يظل الإنسان قادرًا على اكتشاف ذاته وإدراك قيمته.

رؤية نقدية للعمل

الإيجابيات:

1- القصة الفريدة:

مزج المسلسل بين الكوميديا والفانتازيا بطريقة غير مألوفة، مستندًا إلى حبكة درامية مشوقة تخرج عن المألوف في الدراما المصرية، مما منحه طابعًا خاصًا.

2- الأداء التمثيلي:

(أكرم حسني) قدم دورًا مليئًا بالمفارقات، حيث جسّد شخصية تتأرجح بين الكوميديا والخوف من المجهول، ما أضفى على الشخصية واقعية وجاذبية.

3- الإخراج والإنتاج:

استطاع المخرج معتز التوني توظيف العناصر الفانتازية بشكل سلس، مع الحفاظ على مصداقية السرد، كما أن الإنتاج الضخم لكريم أبو ذكري انعكس في جودة الصورة والمؤثرات البصرية، ما منح العمل هوية بصرية قوية.

4- الرسائل الإنسانية:

رغم الطابع الكوميدي، فإن مسلسل (الكابتن) يحمل في طياته رسائل عميقة حول الفرص الضائعة، وأهمية استكمال المهام قبل فوات الأوان، مما أضاف له بُعدًا دراميًا مؤثرًا.

في بعض المشاهد، طغت الكوميديا على المنطق الدرامي

سلبيات المسلسل

1- بعض المبالغات الكوميدية:

في بعض المشاهد، طغت الكوميديا على المنطق الدرامي، مما جعل بعض اللحظات تفقد تأثيرها.

2- الإيقاع غير المتوازن:

شهدت بعض الحلقات بطئًا في السرد، حيث بدت بعض المشاهد أطول من اللازم دون إضافة فعلية للأحداث.

3- تطوير الشخصيات الثانوية:

رغم دور الشخصيات الجانبية في دعم القصة، إلا أن بعضها لم يحظَ بتطوير كافٍ، مما جعلها تبدو مجرد أدوات لتحريك الأحداث دون تعمّق درامي حقيقي.

4- الشخصية الثانية بجوار أكرم حسني:

أحد الممثلين الشباب الذين ظهروا بجواره قدّم أداءً لافتًا، وكان من الممكن تعميق شخصيته بشكل أكبر، ليس من حيث المساحة الزمنية، ولكن من حيث البناء الدرامي.

التقييم العام

(الكابتن) يمثل تجربة جديدة في الدراما المصرية، حيث نجح في المزج بين الفانتازيا والكوميديا بطرح جريء وغير تقليدي. ورغم بعض الملاحظات، استطاع المسلسل أن يجذب الجمهور، محققًا نجاحًا ملحوظًا كأحد أبرز الأعمال الرمضانية لهذا العام.

الخلاصة

(الكابتن) ليس مجرد مسلسل كوميدي، بل عمل يحمل بُعدًا فلسفيًا عميقًا يتناول مفاهيم الحياة، الموت، المسؤولية، والمصير.. إنه رحلة رمزية في البحث عن الذات، حيث يجد الإنسان نفسه في مواجهة تساؤلات وجودية تجبره على إعادة النظر في حياته.

* رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب – رئيس الشبكة الثقافية بالإذاعة المصرية الاسبق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.