
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
يظهر إن صناع الدراما الرمضانية هذه السنة فيهم حاجة لله!
آه وحياة النعمة دي على عينك!.
ـ ليه بقى؟!
ـ أقولك
ـ قول يا عم
ـ ربنا بعت لهم قصة الضابط اللى ع المعاش بتاع حكاية ضرب سواق الميكروباص هو أولاده، علشان يثبت لنا إن المنتجين والمؤلفين والمخرجين لم يظلموا المجتمع المصري في تناولهم لقضية (البلطجة).
أصل الناس من أول رمضان وهم نازلين على المسلسلات إنها بتشوه صورة المجتمع وإن التركيز كبير على نوعيات (غريبة) من البلطجية والمنحرفين، وفي هذا تشويه لصورة مصر أمام بقية لعالم.
ـ وماذا في ذلك؟!
ـ أبدا يا سيدي.. لأننا كدنا نصدق أن أشكال (البلطجة) والانحراف في مشاهد بعض المسلسلات، ليست إلا نوعاً من المبالغات الدرامية بتعمد تضخيم العيوب وتقديم صورة الشارع المصري وكأنه ساحة للملاعب الشعبية.. وقعت تحت سيطرة فرق البلطجية!
وعليها.. وراحت فرق السوشيال ميديا على مواقعها المتربصة إيشي فيسبوكجية وإيشي إكسجية وإيشي يوتيوبرجية، وكلهم نازلين بالتأنيب والتقريع على رؤوس صناع الدراما.
حتى أوشكنا أن نصدق بأن (البلطجة) ما هى إلا ظواهر سينمائية أو تهييسات درامية مفتعلة، بينما الناس الحقيقيون في الشوارع، يمشون في الأرض يخلفون وهم يخفون تحت ملابسهم أجنحة الملائكة!

إنه الجنون الإجرامي
ألا ترى أن الأرض المصرية تنشق في الدقائق القليلة السابقة للمغرب في كل يوم طوال الشهر الكريم، لتخرج لنا زرافات إناساً، بوجوه ضاحكة مستبشرة يتلقون راكبي السيارات بالبشر والإحسان، لتمتد الأيادى بالبلح رطباً جنياً ويلقون إليهم بعلب العصائر وزجاجات المياه المثلجة من خلال نوافذ سياراتهم، لا يفرقون بين ملاكي وتاكسي وميكروباص وأوتوبيس؟!
هذا إن لم يلحوا عليهم بالنزول لمشاركتهم الإفطار في موائد مفتوحة ممتدة بطول وعرض الشارع.
سبحانك يا مقلب القلوب!.
ألم تكن هذه الوجوه قبل رمضان، هى نفسها التى تلقى بعضها بعضاً وهى مكفهرة مزمجرة مهددة متوعدة لأي سبب كبر أم صغر، تفه أم عظم؟!.
وإذا نحن على هذا الجدال المتصاعد، تترامى إلينا أنباء عن واقعة وقعت في أحد التجمعات السكنية في مدينة 6 أكتوبر، بأن رجلاً مهماً؛ تجاوز الخمسين أو الستين؛ يخرح هو وأنجاله لينالوا ضرباً مبرحاً على سائق سيارة ميكروباص مكلف بنقل تلاميذ إحدى المدارس من بيوتهم إلى مدرستهم يومياً، ولكنه وهو في طريقه (حك) في عربية زوجة الرجل المهم!.
وتوثقت الأنباء بفيديو يظهر الرجل المهم وهو يخرح من شنطة سيارته، قطعة حديد؛ فيما يبدو أنه (الكوريك) أو مفتاح عجل خصصه لمواحهة الطوارئ بجانب مهمته الأصلية؛
ثم إذا به بأسلوب (البلطجة) ينهال بالكوريك على السيارة الميكروباص المتوقفة خالية من الركاب، إذ يبدو أن التلاميذ الذين كانت تحملهم السيارة وهم في طريقهم من أو إلى مدرستهم، قد هربوا منها، لما وجدوا الرجل المهم هو وأولاده يحاصرون السيارة إثر وقوع (تصادم الحكة)مع سيارة زوجة الرجل المهم!.
لا أقول كان المشهد مفزعاً، لكنى أؤكد أنه مشهد لا يمكن وصفه إلا بالجنون بل بالإجرام!.
نعم إنه الجنون الإجرامي غير المبرر، فما حدث لا يمكن أن يكون سبباً لأن ينهال أبناء الرجل المهم، ضرباً وركلاً على سائق الميكروباص الذي استسلم للأبناء الثلاثة وهم يلتفون حوله في دائرة سقط في وسطها ليتلقى ضرباتهم بلا أدنى مقاومة منه او رحمة منهم، بينما يكمل الأب المهم ضرباته بقطعة الحديد وهو يدور حول السيارة!
حقاً كان تحرك أجهزة الأمن بوزارة الداخلية سريعاً، فتوصلوا إلى مكان الواقعة، وألقوا القبض على الرجل المهم وأولاده وأحيلوا إلى النيابة العامة التى تولت أمرهم.

زوجة رجل مهم
إلى هنا فكل شيء يسير في طريقه المعتاد، وهى واقعة تحدث كل يوم في الشارع المصري الموبوء بكل أشكال (البلطجة)، وربما لولا قيام أحد الأشخاص بتصوير وقائع الاعتداء المستفز لما شعر أحد بما حدث، فكم من مثل سائق ميكروباص يتلقى الذل والمهانة على يد مثل ذلك الرجل المهم؟!
وربما بعد عودته مع أولاده مظفرين من المعركة، كانوا يتفاخرون بأنهم أعطوا درساً لا ينسي لشخص تجرأ على مس جناب الرجل المهم؟!.
وماذا في الأمر، فاستعراض (البلطجة) عن القوة والتهديد بها ظاهرة متأصلة في البني آدمين وكم من أحد يصرخ في وجهك ” أنت ما تعرفش انت بتلكم مين؟!”
لكن هناك سؤالاً درامياً في الخلفية يتردد بإلحاح: من هو ذلك الرجل المهم؟!
ـ ولا مهم ولا حاجة.. ده حسب بيان وزارة الداخلية هو “ع المعاش من كام سنة”.
ـ معاش إيه؟!
ـ أهو معاش والسلام.. هو المعاش بيفرق ما بين الأستاذ (فرحات المنوفي) في فيلم (البيه البواب) وبين (هشام باشا أبو الوفا) في فيلم (زوجة رجل مهم)؟!
ـ يعنى باختصار هو المكافئ الواقعي لسيادة المقدم (هشام أبو الوفا) بطل قصة فيلم (زوجة رجل مهم!)، لكنه مع ذلك لم يبلغ مركز هشام باشا!
ـ بالضبط كده.. وربنا يكفيك شر آخر قفلة في آخر درج المكتب بعد ما تطلع حاجاتك منه وتسلم المفتاح، فمهما كان موقع مسئوليته، إلا أنه يكفي أن كان يقال له يوماً ما (يا سعادة الباشا).
ومن موقع باشويته السابقة، أفرخ باشتين صغيرين كخليفتين في أرض الباشوية العظمى يضمنان بقاء النفوذ وعودة الروح إلى بيت هشام أبو الوفا!
لكن تأمل في هذا الباشا جيداً وهو يخرح الكوريك، تأمل حجم الثقة والهدوء، مع إن السواق الغلبان لم يبد منه أى خطر، لكن (هشام باشا) الجديد فيما يبدو أنه استفاد من درس هشام القديم، ولم يجرجر السائق على القسم ليعرض نفسه للإحراج من حضرة المأمور ويجد نفسه مرمي في النبطشية لحد ما الأمين يخلص المحاضر المتكومة قدامه.
وعلى إيه.. لا أنت تاخد حقك بيدك وبيدي ولديك، خاصة وأنهما هشامان صغيران في قائمة الهشاشيم التى لا تنتهى بهذا البلد (وانت حل بهذا البلد).
ألم يكن أولى احترام خبرة الباشوية والتعامل بحكمة مع الأمر.. ألا يقدر الرجل أنه يعرض نفسه وأسرته لهزة كبرى سوف تستمر طويلاً مع سيول من اللعنات من كل من شاهدوا الفيديو؟!
آه بصحيح..
سلمت يد هذا المجهول الذي سجل هذه اللحظات التى اختصرت قصة هشاشيم مصر كلها مع مواطن حك في سيارة تابعة لأى باشا إذ لو لم يحدث أن سلط كاميرا موبايله، لتحولنا من فيلم (زوجة رجل مهم) إلى العيش قسراً في (أرض الخوف).
وإلى اللقاء في أعمال أخرى!