رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(إيتاي أنغيل).. هكذا أختر قت القناة 12 الإسرائيلية قلب دمشق !

فيلم (إيتاي أنغيل) الوثائقي الذى حمل اسم (في سوريا بعد الأسد)

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

في خطوة غير مسبوقة، بثت القناة الـ 12 الإسرائيلية، مساء الإثنين (24 فبراير 2025 ) فلماً وثائقياً عن سوريا ما بعد مرحلة الرئيس المعزول (بشار الأسد) ، أعده (إيتاي أنغيل) بعد تمكنه من دخول الأراضي السورية وبقاءه فيها متخفياً في هويته الأجنبية التى يحملها ودون أن يفصح عن حمله الجنسية الإسرائيلية وكذلك دون الكشف عن طريق دخوله.

فيلم (إيتاي أنغيل) الوثائقي الذى حمل اسم (في سوريا بعد الأسد)، والذى جرى بثه ضمن برنامج (عوفدا – الحقيقة) يمثل خرقاً غير مسبوق للأراضي السورية بعد نجاح المعارضة المسلحة من الإطاحة بالنظام السوري.

إذ تضمن مشاهد من قلب العاصمة السورية دمشق، وكافة الأماكن التي دخلها (إيتاي أنغيل) ومنها قصور رئاسية وسجون، فضلاً عن اعترافه بسرقة وثائق سرية، ودخوله مصنعا للمخدرات قام نظام (الأسد) بتمويله، واخترق مقرات إيرانية غير معروفة.

كما تحرك (إيتاي أنغيل) في قلب العاصمة السورية دون أن يكشف عن هويته وتحرك بين مبنى السفارة الإيرانية، الذي كان يشكل عصب المحور الشيعي، والتقى هناك بمقاتلي (هيئة تحرير الشام).

ووفق الرواية الإسرائيلية، فإن أحد الأماكن الأكثر حيوية ونشاطاً في دمشق كان (ساحة المرجة)، ويقول أحد زوار الساحة لـ (إيتاي أنغيل)، (اختفى قريبي منذ 16 عامًا. قالوا إن السجون تم إخلاؤها وتم إطلاق سراح الناس، ولكن حتى يومنا هذا لم نره).

وفق فيلم (القناة 12)، فإن الميدان مليء بالذكريات الصعبة

الميدان مليء بالذكريات

وفق فيلم (القناة 12)، فإن الميدان مليء بالذكريات الصعبة فقبل 60 عاماً تم إعدام الجاسوس الأشهر (إيلي كوهين)، الذي كان يعمل لحساب إسرائيل، وبعد إعدامه، تم نقل جثته إلى مكان مجهول.

ومنذ ذلك الحين وإسرائيل تنتظر الإجابات، وربما الآن، بعد سقوط نظام (الأسد) ومجيء النظام الجديد، ستصل معلومات جديدة تسمح لتل أبيب بمعرفة شيء ما عن مكان دفن (كوهين).

بحسب مشاهد الفيلم، زار (إيتاي أنغيل) السفارة الإيرانية بدمشق، والتي هاجمتها الغارات الإسرائيلية طويلا، حيث بقيت كميات كبيرة من الحطام، وكميات من الوثائق التي مزقها الإيرانيون قبل فرارهم، وأقراص وخوادم تحتوي على ملفات سرية لا نهاية لها، وألبومات صور شخصية وجوازات سفر لجواسيس وعملاء في خدمة إيران.

ووصل (إيتاي أنغيل) لمراكز صناعة تولّد أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، وهي الصادرات الأولى للأسد، المخدرات، وفق (القناة 12)، كما التقي (إيتاي أنغيل) بشخص نجا من سنوات التعذيب بعد سجنه بسبب الاحتجاجات، مثل عشرات الآلاف الذين سجنوا واختفوا.

الأكثر إثارة للدهشة كان قيام (إيتاي أنغيل) بإجراء مقابلات مع مقاتلين تابعين لفصائل معارضة، حيث طرح عليهم أسئلة مباشرة عن مستقبل العلاقة مع إسرائيل وردود فعلهم تجاه الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان.

وأحد المقاطع من الفيلم يظهر فيه (إيتاي أنغيل) وهو يسأل أحد المقاتلين ما إذا كانت لديهم مشكلة مع إسرائيل، ليجيبه المقاتل بابتسامة، مما اعتبره البعض مؤشرا على تغييرات جذرية في مواقف بعض الفصائل المسلحة تجاه إسرائيل.

وُصفت هذه الزيارة بأنها فضيحة بكل المقاييس فقد انتقد العديد من السوريين المعارضين

موقف السوريين

وُصفت هذه الزيارة بأنها فضيحة بكل المقاييس فقد انتقد العديد من السوريين المعارضين السماح لصحفي إسرائيلي بالتجول بحرية في أماكن حساسة ، وإجراء لقاءات داخل معاقل المعارضة، بينما كانت السلطات السورية وحلفاؤها يواجهون اتهامات بتشديد الرقابة على الإعلاميين المحليين وعدم السماح لهم بتغطية الأحداث بحرية.

أما الحكومة السورية فقد اعتبرت ما حدث دليلا على تورط بعض الفصائل في علاقات مشبوهة مع أطراف خارجية، مؤكدة أن وجود صحفي إسرائيلي في دمشق يمثل انتهاكا خطيرا لسيادة البلاد وأمنها.

كما تساءل الكثيرون عما إذا كانت زيارة (إيتاي أنغيل) مجرد تحقيق استقصائي صحفي، أم أنها تمت بالتنسيق مع جهات استخباراتية إسرائيلية خاصة أن الصحفي سبق وأن زار غزة بعد الحروب الإسرائيلية عليها، ووثّق الدمار والخراب من منظور يخدم السردية الإسرائيلية عن الأوضاع في المنطقة.

كذلك أكد صحفيون سوريون أن الدخول كسائح يختلف تمامًا عن الدخول بصفة صحفية، خاصة أن تصوير الأفلام الوثائقية يتطلب موافقات وتصاريح خاصة، واعتبر بعضهم أن وجود (إيتاي أنغيل) في دمشق وتصويره فيلمًا وثائقيًا يشير إلى أن السلطات السورية كانت على علم بهويته الحقيقية.

فيما ذهب بعض المحللين إلى أن الهدف من هذه الزيارة قد يكون إرسال رسالة إلى الجمهور الإسرائيلي والعالمي بأن سوريا بعد التغيرات السياسية أصبحت بيئة أكثر انفتاحا تجاه إسرائيل، بينما يرى آخرون أن ما حدث قد يكون جزءا من جهود استخباراتية لجمع معلومات عن مواقع حساسة في سوريا.

كما تفاعل السوريون بغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين دخول (إيتاي أنغيل) إلى دمشق استفزازًا لمشاعرهم، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السوري المحتل والتوغل المتسمر للأراضي السوري في جنوب سوريا خاصة في درعا والقنيطرة.

مؤكدين أن السماح له بالتصوير داخل دمشق تجاوز لكل الخطوط الحمراء، وطالب مغردون ومعلقون بتوضيح رسمي من الجهات المعنية حول كيفية دخول الصحفي الإسرائيلي إلى البلاد، واصفين الأمر بالفضيحة الإعلامية التي تستدعي مساءلة المسؤولين عن منح التصاريح الإعلامية.

وجاء هذا الحدث بعد أسابيع فقط من إعلان شركات الطيران العاملة في سوريا عن تلقيها تعليمات تمنع نقل مواطنين يحملون الجنسيتين الإيرانية والإسرائيلية إلى البلاد، ووفقًا لمصدر في مطار دمشق نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، فإن (شركات الطيران التي تسيّر رحلات إلى دمشق تلقت تعليمات صارمة بعدم نقل إيرانيين أو إسرائيليين إلى سوريا).

لم تكن زيارة (إيتاي أنغيل) إلى سوريا الأولى.. هكذا يقول (إيغل)

الشيشة من قلب دمشق

استبق (إيتاي أنغيل) بث فيلمه الوثائقي، على القناة الإسرائيلية الثانية عشرة، بسلسلة من التغريدات نشرها عبر حسابه الخاص بموقع التواصل الإجتماعي ( فيس بوك) وعبر ( منصة أكس)، من ضمنها تغريدة حملت صورة له يدخن الشيشة في أحد المقاهي الدمشقية، وكتب معها (من دمشق مع الحب).

وأفتتح (إيتاي أنغيل) الفيديو التشويقي لفيلمه بالقول: (لا أؤمن بأنني بصفتي إسرائيلياً كان يمكنني أن أتجول هنا)، في لقطة يظهر فيها بين جماهير سوريا تحتفل بسقوط الأسد، تليها مشاهد له جالساً داخل مسجد يستمع إلى خطبة الإمام، ومشاهد أخرى داخل السفارة الإيرانية.

وأشار إلى أن هذه الزيارة جاءت في وقت حرج للغاية بالنسبة لسوريا، حيث تولى (أبو محمد الجولاني)، زعيم جبهة النصرة السابق، الرئيس المؤقت (أحمد الشرع)، زمام الأمور في المنطقة بعد انهيار النظام السوري، مما أدى إلى حالة من الفوضى التي سمحت له ولآخرين بالوصول إلى معلومات حساسة كانت مخفية في السابق.

لم تكن زيارة (إيتاي أنغيل) إلى سوريا الأولى، ففي عام 2012، زار البلاد برفقة زميله (أمير تيبون) من القناة 12 الإسرائيلية، وذهب إلى (خربة الجوز) بمنطقة إدلب.

ورغم ما نُشر في وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري عن مرافقة مقاتلين من المعارضة لهما في حينه، نفى (إيتاي أنغيل) ذلك في مقابلة مع قناة (فرانس 24)، موضحاً أنه دخل سوريا بجواز سفر أوروبي بدلاً من جوازه الإسرائيلي، على الرغم من تقارير صحفية إسرائيلية سابقة أشارت إلى امتلاكه جواز سفر أمريكياً دخل به إلى شمال العراق.

وفي المقابلة ذاتها مع (فرانس 24)، جاء رد (إيتاي أنغيل) على سؤال حول زيارة (بلد عدو) قائلاً: (نحن أعداء، ولا توجد فرصة للحوار بين السوريين والإسرائيليين. لكنني صحفي ولا أمثل دولة إسرائيل، ومن المهم جداً بالنسبة لي الذهاب إلى سوريا، خصوصاً بعد تجاربي في العراق وتونس ومصر وليبيا.

وأشار (إيتاي أنغيل) إلى أن الدافع وراء زياراته للدول العربية وسوريا منذ عام 2012 كان تغيير وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي حول ما يجري في العالم العربي، خاصةً بعد ثورات الربيع العربي التي تُصوَّر في الإعلام الإسرائيلي باعتبارها ثورات ستؤدي إلى تدمير الدولة العبرية.

وأوضح أن الواقع يختلف تماماً عما تُروج له الحكومة، إذ تؤكد لقاءاته مع السوريين أنهم (لا يجدون مشكلة مع الإسرائيليين، بل لديهم مشكلات مع الحكومة والنظام والسياسة الإسرائيلية).

وفي إطار سعيه للتسويق الإعلامي الداخلي والخارجي، يبني (إيتاي أنغيل) سردية الصحفي الإسرائيلي الأول الذي يخترق حدود سوريا، مسلطاً الضوء على دخوله إلى مناطق صراع خطرة، ولا يفوّت الفرصة للتعبير عن اهتمامه بسوريا.

إذ كتب في ديسمبر الماضي منشوراً تناول فيه الأكراد باعتبارهم (المجموعة الوحيدة في سوريا التي يمكن التحالف معها)، معرباً عن أمله في أن تتخذ إسرائيل موقفاً مماثلاً، خاصةً بعدما سيطر الأكراد على مساحة تُقدر بـ30% من سوريا، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل.

وقد أكد موقفه الداعي لتدخل إسرائيلي في سوريا من خلال دعم الأكراد في مقال نشرته صحيفة (هآرتس) في السابع عشر من ديسمبر 2024، وتلاه بمنشور على فيسبوك بعد أسبوع.

(إيتاي أنغيل) صحفي ومراسل حربي إسرائيلي بارز، يعمل مع برنامج التحقيقات الاستقصائي (عوفدا)

من هو (إيتاي أنغيل)

(إيتاي أنغيل) صحفي ومراسل حربي إسرائيلي بارز، يعمل مع برنامج التحقيقات الاستقصائي (عوفدا) على قناة 12 الإسرائيلية، ويعد من أبرز الصحفيين الإسرائيليين المتخصصين في تغطية مناطق النزاع حول العالم.

وحصل على جائزة سوكولوف للصحافة عام 2017، وهي أرفع جائزة صحافية في إسرائيل، كما يعمل محاضراً في التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة تل أبيب، حيث يدرس دورة حول الصراعات العالمية، ويعرف بأسلوبه المباشر في التغطيات الميدانية، حيث سبق أن غطى النزاعات في الشرق الأوسط، إفريقيا، والبلقان.

بدأت مسيرة (إيتاي أنغيل) الصحفية في صفوف الجيش الإسرائيلي، فقد خدم بعد المرحلة الثانوية موظف كمبيوتر في إذاعة الجيش الإسرائيلي، ثم ترقى حتى أصبح محرراً للأخبار الأجنبية في المحطة، ما فتح له آفاق تغطية مناطق النزاع والحروب حول العالم، واشتهر بذهابه إلى مناطق خطرة.

وكانت بدايته مع الحرب الأهلية في يوغوسلافيا ثم تغطية كرواتيا على نفقته الخاصة بعد عدم موافقة إذاعة الجيش الإسرائيلي.

ويبدو أن (إيتاي أنغيل) حافظ على علاقات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ما أتاح له فرصة مرافقة جنود جيش الاحتلال في معارك مختلفة، وهى فرص لا يمنحها الجيش لأي صحفي.

من ضمن هذه التجارب، شارك في تغطية حرب لبنان عام 2006، وانضم إلى عملية ليلية لوحدة من جيش الاحتلال حين واجه المقاتلون كميناً لحزب الله، بحسب روايته.

وبعد 18 عاماً، عاد قبل عدة أشهر إلى القرية نفسها التي كان فيها مع جنود لواء ناحال 931 الإسرائيلي حينها، لكن هذه المرة برفقة مقاتلي الاحتياط من لواء ألكسندروني في جيش الاحتلال.

وذلك لتصوير حلقة جديدة من برنامجه (عوفداه)، حيث حصل على مواد مصورة من “أصدقاء” داخل الضاحية في بيروت ومراكز أخرى في لبنان، وهي مواد يصعب الوصول إليها لغير الإسرائيليين.

كما دخل قطاع غزة خلال حرب الإبادة الأخيرة، برفقة جيش الاحتلال، لتصوير حلقة خاصة في بيت حانون ضمن برنامج (عوفداه) على القناة الإسرائيلية؛ حيث التقط صورة مع مصور صديق له أمام المنازل الفلسطينية المدمرة ومركبة تابعة لقوات الجيش تبدو وكأن مهمتها فتح الطريق من خلال إزالة الركام.

إجمالاً: ىيعد الفيلم الوثائقي الذى عرضته القناة الإسرائيلية، وتمكن (إيتاي أنغيل) من دخول الأراضي السورية، حدثاً خطيراً يستوجب معه التدقيق في عمليات دخول واختراق إسرائيلية مماثلة للعديد من العواصم العربية جرت ولازالت تجرى دون إن ينتبه أحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.