رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
تأتي أهمية فيلم (لا أرض أخرى) حيث يظهر ما أنتجته مجموعة (فلسطينية إسرائيلية) تدمير منطقة (مسافر يطا)

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

هى صرخة مدوية إذن في وجه (ترامب ونيتياهو)، أطلقها فلسطينيون وإسرائيليون في فيلم وثائقي بعنوان (لا أرض أخرى) عشية جوائز الأوسكار (2 مارس 2025)، تلك التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني، وهم بالطبع الآن يقومون بحرب ضروس كي يستبعدونه من قائمة الترشيحات للفوز بالأوسكار هذا العام.

فيلم (لا أرض أخرى) هو من إنتاج مشترك بين (فلسطين والنرويج) ويشترك في صناعته (إسرائيليون)، إلا أنه يستعرض حقائق مذهلة عن التهجير والتجويع والإبادة.. أسلحة مألوفة في عرف الكيان الصهيوني.

أبرز ما في شريط (لا أرض أخرى) السينمائي، أنه يستعرض بديهيات صار التعرف عليها أسهل الآن أكثر من أي وقت مضى، كوننا شاهدين على أهوال الحياة اليومية في ظل الاحتلال والمآسي الصارخة التي يفضي إليها، كما حدث في عملية (طوفان الأقصى) التي ماتزال آثارها تمثل جرحا غائرا في الضمير الإنساني حتى اليوم، ولايبدو في الأفق بادرة أمل في الخلاص للشعب الفلسطيني.

وكما رأي ويرى العالم كله حاليا، ليس الأمر مقصورا على (غزة) التي تعاني منذ أكثر من 14 شهرا حربا إبادية مجرمة، بل أيضا كامل الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية التي ابتلعها ويبتلعها المحتل الغاصب للأرض عبر مماراسات يبيد فيها البشر الحجر.

من هنا تأتي أهمية فيلم (لا أرض أخرى) لـ (باسل عدرا ويوفال أبراهام)، حيث يظهر هذا الفيلم الذي أنتجته مجموعة (فلسطينية إسرائيلية) تدمير منطقة (مسافر يطا) في الضفة الغربية المحتلة على يد الجنود الإسرائيليين، والتحالف الذي ينشأ بين ناشط فلسطيني وصحافي إسرائيلي.

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
تقع (مسافر يطا) جنوبي الضفة الغربية، وتضم عدة قرى وتجمعات يعود تاريخها إلى مساكن القبائل البدوية القديمة

كهوف منحوتة في الصخر

تقع (مسافر يطا) جنوبي الضفة الغربية، وتضم عدة قرى وتجمعات فلسطينية يعود تاريخها إلى مساكن القبائل البدوية القديمة في أرض فلسطين التاريخية، كانت المساكن الأصلية عبارة عن كهوف منحوتة في الصخر ولا تزال موجودة حتى اليوم.

ولكن بطبيعة الحال، فضل سكان المنطقة، في السنوات الأخيرة، الانتقال إلى مساكن أكثر راحة ون القصف العشوائي المتعمد؛ فزودوا أنفسهم بالكهرباء ومياه الشرب، وبالإضافة إلى ذلك، أنشأوا مدرسة.

قصة فيلم (لا أرض أخرى) تحكي أن في أحد هذه التجمعات، نشأ ويعيش (باسل عدرا)، المحامي الشاب الذي وثق منذ فترة طويلة انتهاكات الجيش الإسرائيلي والسلطات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين الأصليين.

وفي السنوات القليلة الماضية، انضم إليه في جمع ونشر الأخبار الصحافي الإسرائيلي (يوفال أبراهام)، تنشأ صداقة بين الإثنين، لكن بينما يستطيع (يوفال) التحرك بسيارته بحرية، وعبور الحدود والعودة إلى إسرائيل في غضون ساعات قليلة، بينما يمنع (باسل) من أي حركة: ليس لديه أوراق هوية، وبالتالي لا يستطيع التحرك.

وفي وضعه نفسه – بحسب أحداث (لا أرض أخرى) –  يعيش سكان المنطقة والأراضي المجاورة الآخرون: جميعهم يعيشون تحت الاحتلال العسكري، وقد أعلنت إسرائيل المنطقة كمنطقة تدريبات عسكرية خاصة بها.

ونتيجة لذلك، حرمت العائلات من حق العيش على تلك الأرض التي لم يعرفوا غيرها، قبل أن يأتي إليهم ضابط (أوكراني) أو (مجندة إثيوبية) في جيش الاحتلال لإجبارهم على تركها.

تصل الجرافات والجنود الإسرائيليون في كل ساعة من النهار والليل، وهذا مستمر منذ سنوات، مع توالي إصدار تصاريح مصادرة الأراضي وأوامر الهدم من قبل بعض المكاتب الحكومية.

في مرارة يروي فيلم (لا أرض أخرى)، كيف تجلى العائلات دون أن يهتم أحد بإيجاد سكن بديل لهم، وتضطر عائلات بأكملها إلى الخروج من منازلها، تقطع أنابيب المياه، وتصادر مولّدات الكهرباء بشكلٍ غير قانوني من جانب العدو المحتل.

وحتى مبنى المدرسة (المقامة بجهد وكد الأهالي) لم تسلم من الآلة العسكرية البغيضة، حيث يسوى بالأرض بواسطة الجرافات، بعد أن أُجبر الجنود المدججين بالسلاح الأطفال المذعورين على الخروج من فصولهم الدراسية.

في ظل غياب سقف يأويها، تعود بعض العائلات للسكن في الكهوف القديمة، بينما يحاول آخرون – في ستر الليل – بناء ملجأ للطوارئ، لكن مداهمة عسكرية لجيش الاحتلال تمنعهم من إكمال العمل في إصرار على التهجير.

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
تتناوب العمليات العسكرية مع – في كثير من الأحيان بدعم من الجنود أنفسهم

انخفض عدد القرى الفلسطينية

في المنطقة نفسها، وبينما انخفض عدد القرى الفلسطينية، ازدادت أعداد مستوطنات المستوطنين الإسرائيليين، الذين يزداد استقرارهم في المنطقة ببطء وبمساعدة الجيش، وهم أيضا يشاركون في السياسة الاستعمارية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الكريهة.

تتناوب العمليات العسكرية مع – في كثير من الأحيان بدعم من الجنود أنفسهم – زيارات متخفية للمستوطنين الملثمين الذين يرشق العديد منهم المنازل وساكنيها الفلسطينيين بالحجارة.

لا يبقى أمام الفلسطينيين المعرضين للاستبداد بهذه الطريقة الظالمة، سوى تحمل الهجمات المستمرة – التي عادة ما تمر دون عقاب، حتى إن نتجت عنها إصابات أو وفيات – ومحاولة المقاومة، لكن لكل إنسان طاقة، خصوصا بمواجهة قطعان متوالدة من المستوطنين الهمجيين.

لذلك عندما يفيض بهم الكيل ولا يمكنهم تحمل المزيد، يضطر أهل مسافر يطا إلى ترك أرضهم والانتقال إلى المنطقة الوحيدة التي يسمح لهم فيها بالعيش في سلام: قطاع غزة المكتظ.. ليس هناك أرض أخرى للذهاب إليها.. (لا أرض أخرى)، في الواقع.

الكاميرا في (لا أرض أخرى)، هى بطل الفيلم الأساسي، تسجل هروب المدنيين، والجرافات في عملها التدميري، والجنود يدفعون المصورين، حتى تحجب يد إسرائيلية تدفق الصور، ويضطر المصور إلى الهروب، وتتحول الأصوات إلى صراخ وتضيق الأنفاس.. إنه نفس السيناريو الحالي.

(لا أرض أخرى).. وثيقة بصرية سمعية خام ومؤثرة تسجل صور عنف مشابهة للعديد من الصور الأخرى التي تُتداول ويجري التعليق عليها في وسائل التواصل الاجتماعي، كان هذا الوضع معروفا منذ سنوات، كما كان معروفا منذ سنوات أن الحكومات الغربية تسامحت معه أو تجاهلته.

بالتالي أن يقرر مهرجان دولي مثل: مهرجان برلين السينمائي (حيث ظهر الفيلم للمرة الأولى، في فبراير الماضي)، في هذه الأوقات، عرض الفيلم الذي نتحدث عنه، فهذا تصرف شجاع، حتى وإن كان ضئيلا في الوقت الحالي حيث يطرح فيه (ترامب ونيتنياهو) فكرة تهجير أهل غزة إلى مناطق أخرى.

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
يظهر لنا (باسل ويوفال) في (لا أرض أخرى)، نشاطهما السلمي مخرجا ممكنا وإن انتفت إمكانات حدوثه

مخرج ممكن للسلام

يظهر لنا (باسل ويوفال) في (لا أرض أخرى)، نشاطهما السلمي مخرجا ممكنا وإن انتفت إمكانات حدوثه في الوقت الراهن (ولأفق مستقبلي غير معلوم): مهما كان الأمر صعبا، وبعيدا من الانتهاكات، وبعيدا من الضحايا، وبعيدا من مشاعر الانتقام، يبقى الطريق إلى تعايش محتمل موجود، وصداقتهما وتعاونهما يثبتان ذلك.

تعود آخر لقطات المجموعة الفلسطينية الإسرائيلية – المكونة من ناشطين آخرين، بالإضافة إلى (يوفال وباسل)، لتصوير وإنتاج (لا أرض أخرى) – إلى الصيف قبل الماضي، أي قبل هجوم (طوفان الأقصى) في أكتوبر 2023.

وبالتالي فالقمع والعنف الذي تعانيه عائلات (مسافر يطا) لاعلاقة له بتطورات أخيرة، بل يعتمد على قرار إسرائيل بإساءة استخدام سلطتها، بطريقة غير عادلة على الإطلاق، على الأراضي التي احتلتها، وهذا الفيلم الوثائقي الصغير والشجاع يوضح ذلك بجلاء.

الحقيقة المرة يعكسها (لا أرض أخرى)، في أن للعنوان قول يعكس واقعا، وبوح يعبر عن غضب وانكسار وخيبة، رغم أن في يوميات عيش مقاومة سليمة، تفشل في تحقيق المراد منها، لأن العدو مسلح ومجرم، إن يكن جنديا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو مدنيا يقيم في مستوطنة، ومدنيو المستوطنات أعنف من جنود الاحتلال، غالباً

(لا أرض أخرى) تعبير أيضا عن حق فلسطيني غير متنازل عنه إطلاقا.. صرخة مدوية، وإن بسلاسة وهدوء ظاهرين، تؤكد أن الفرد الفلسطيني غير متوقف عن دفاعٍ له عن أرضٍ مُلكٍ له، والأرض جغرافيا وتاريخ وبيئة واجتماع ويوميات عيش وعلاقات.

والعنوان فيلم (2024) للفلسطيني (باسل عدرا)، والإسرائيلي (يوفال أبراهام)، بالتعاون مع الفلسطيني (حمدان بلال)، والإسرائيلية (راحِل تسور)، الوحيدة بينهم المتخصصة بالسينما، إخراجا وتصويرا وتوليفا، والأولان صحافيان ناشطان، و(بلال) ناشط في مجال حقوق الإنسان.

النواة الأساسية لفيلم (لا أرض أخرى)، توثيق مصور في أعوام متتالية، تشهد مواجهة فلسطينية شبه يومية مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يجهد في تحويل (مسافر يطا) ضمن (19 قرية فلسطينية صغيرة في محافظة الخليل ـ جنوبي الضفة الغربية) إلى مركز تدريب عسكري، بأمر من قضاء إسرائيلي.

المركز يستند إلى أمرٍ قضائي إسرائيلي، يعني إزالة القرى كليا، في الجغرافيا والاجتماع والناس، وفي مسائل أخرى أيضاً.

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
أعوام التوثيق البصري تلك سابقة على (7 أكتوبر – 2023)، لكن التوثيق نفسه يبدو راهنا

التوثيق يبدو راهنا

أعوام التوثيق البصري تلك سابقة على (7 أكتوبر – 2023)، لكن التوثيق نفسه يبدو راهنا، إن يقرأ التاريخ الفلسطيني في سياق متكامل، يروي في جانب منه محاولات إسرائيلية دائمة لإبادة شعب بأكمله، وإزالة قرى وبلدات، وتزوير تاريخ، وسرقة ثقافة وتراث.

أعوام من التوثيق تلخص بعض التاريخ الفلسطيني الراهن، وتفضح بعض التاريخ الإسرائيلي الراهن أيضاً، والتاريخ الأول حاضر والإثباتات متنوعة، والتاريخ الثاني مفضوح بأكاذيبه وتزويره وافترائه.

لذا، مع أن الجانب السينمائي فيه غير فني وغير مبهر باشتغال مطلوب، يقول (لا أرض أخرى) إن كفاح الفلسطيني، فردا وجماعة، دائم، طالما أن إسرائيل تحتل وتبيد، دائما.

وعلى الرغم من أن السينما في (لا أرض أخرى) عادية للغاية، ومع هذا ينال جائزة أفضل فيلم وثائقي في (بانوراما) الدورة الـ 74 (15 ـ  25 فبراير 2024) لمهرجان برلين السينمائي، وجائزة الجمهور.

هاتان الجائزتان، بعد مضمونه التوثيقي، كانتا كافيتين لإثارة غضب إسرائيل الرسمية، وغضب اللوبي اليهودي الصهيوني المتسلط على ألمانيا، ما دفع مسؤولين رسميين فيها إلى إعلان موقف رافض للجائزتين، ومواجه إياهما (ومواجهة المهرجان أيضا، وتقريع إدارته ولجنة تحكيمه).

خصوصا أن الإسرائيلي (يوفال أبراهام) غير رحيم، في تصريحٍ له بعد نيل الجائزتين، مع (دولته) التي يقول فيها واقعا: إنها تمنع عن الفلسطيني حقه في عيش كريم في أرضه وبلده.

(لا أرض أخرى).. صرخة مدوية في وجه (ترامب، ونينياهو) عشية الأوسكار!
عام تلو آخر، يصور (باسل عدرا( ما يفعله إسرائيليون، جنودا ومدنيي مستوطنات، بأهل (مسافر يطا)

تأكيدا لوحشية إسرائيلية

ومع ذلك يظل التوثيق، الذي يعتمد فيه (أبراهم) وسائل عادية في التصوير، بل يصبح شهادة بصرية لا تصنع سينما، بل تصور واقعا حياتيا، ولا تخترع خيالا، فالواقع حي وطبيعي، وأفعال المحتل الإسرائيلي أسوأ من أنْ يكون خيالاً لشدّة واقعيّته.

عام تلو آخر، يصور (باسل عدرا( ما يفعله إسرائيليون، جنودا ومدنيي مستوطنات، بأهل (مسافر يطا)، وبعض أهلها أهل له، ووالده (مواظب) شبه دائم على سجون المحتلّ.

أما (يوفال أبراهام)، فصحافي يريد فهم الحاصل ميدانيا، فيكون عينا أخرى تضيف مشاهداتها تأكيدا لوحشية إسرائيلية في محو وإبادة وتغييب، ومن ثم فإنه لن يكون الرد على (7 أكتوبر – طوفان الأقصى) أول تمثيل لها ولا آخرها، مع أن في الرد الإسرائيلي هذا وحشية غير مسبوقة.

هذا نزاع غير مكتفٍ بعسكر ومستوطنات وقيادات تزور حقا فلسطينياً، وتحرقه وتجهد في إبادته، لكن (لا أرض أخرى) يريد كشفا آخر لوحشية إسرائيلية في التعامل مع الفلسطيني ـ الفلسطينية، من دون اهتمامٍ بأي جانب من الجوانب السينمائية.

وترتيبا على كل ماسبق يبدو طبيعيا أن (لا أرض أخرى) يجري اللوبي الصهيوني المتحكم في هوليوود جهودا مضنية في استبعاده من القائمة النهائية لترشيحات الأفلام التي ستفوز بالأوسكار يوم 2 مارس القادم، لأنه ببساطة أطلق صرخة مدوية في وجه (ترامب ونيتنياهو) اللذين يحاولان لي عنق القضية الفسلطينية في نهاية المطاف، حتى ولو كان ذلك قبل السابع من أكتوبر 2023.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.