رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: عرفتهم .. (زكريا أمان).. (2)

إبراهيم رضوان يكتب: عرفتهم .. (زكريا أمان).. (2)
جلس معي (زكريا أمان) ومعه حقيبه القوات المسلحة التي فتحها أمامي لأري  ديواني (الدنيا هيّ المشنقه)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

عندما سمعت من ينادي على اسم والدي واسمي.. خرجت مسرعا حتي لا أرهق والدي في الخروج خصوصا أن الجو غير مستقر في هذا اليوم.. وعندما وجدت شابا في زيه العسكري.. يحمل رتبه النقيب.

عرفته وعرفني.. إنه (زكريا أمان).. الذين يحكون لي عنه في كل رساله تصلني في معتقل طره السياسي اللعين.. والذي كنت أحذرهم منه في كل زيارة أو خطاب مني لهم.. على أساس انه ظابط من أمن الدولة حضر لكم ليراقبني من خلالكم أثناء وجودي في المعتقل.. لست ادري لماذا فرحت جدا لرؤيته خصوصا أن ملامحه طيبة جدا.. قلت له: زكريا أمان؟

 فقال لي: إبراهيم رضوان؟، وأخذته من يده  إلي الحجرة الصغيرة التي أنام فيها.. وهى حجرة صغيرة في مدخل الشقة التي نقيم فيها.. كانت هذه مخصصة لي قبل أن يختطفوني من أهلي وأنا شاب صغير تهمته أنه أصدر ديوانا يعبر فيه عن موقفه من فترة عبد الناصر الديكتاتورية..

لم يعجبهم الديوان فلفقوا لي 18 تهمة منها: (قلب نظام الحكم مع استعمال القوه.. والشوشره علي رئيس الدوله و نظامها).. الحجرة عباره عن سرير قديم جدا.. تستطيع من خلال ممر صغير الوصول إليه.. 

رغم أنني في الفترة الأولى من المعتقل كنت لا أستطيع النوم على السرير، حيث أنني تعودت على نوم الأرض علي هذا البرش الخشن المفروش على الأرضية الصلبة في العنبر المحضون بمئات الأجساد التي تصدر شخيرا ليليا واحدا في وقت واحد..

في حجرتي الصغيرة كنت لا أستطيع  النوم بين السماء والأرض على سرير أو أي شئ مرتفع.. لقد ظللت فتره بهذا الشكل حتى يتعود جسدي المنهك على النوم على كنبة أو على سرير أو على أي مكان آخر.

 جلس معي (زكريا أمان) ومعه حقيبه القوات المسلحة التي فتحها أمامي لأري  ديواني (الدنيا هيّ المشنقه)، حيث أحبرني أنه لا يفارقه ليلا ولا نهارا.. و أن كل الزملاء معه كتبوا منه نسخه أو أكثر..

إبراهيم رضوان يكتب: عرفتهم .. (زكريا أمان).. (2)
كانت جلسه طويلة.. كميات من الغذاء وضعها والده الحاج محمود على السفرة

(زكريا أمان) جائع جدا

دخل عليه إخوتي التسعة وصافحوه واحتضنوه جميعا.. دخلت أمي وفعلت نفس الشئ.. دخل والدي وصافحه واحتضنه وهو يبكي حيث كان بعد اعتقالي يبكي علي أي شئ..

شربنا الشاي معا.. أخبرني (زكريا أمان) انه جائع جدا ظننت أنه يريد أن يتغذى معي في المنزل.. أصابتني حالة داخلية من الحرج.. لم يكن بالمنزل لقمه واحده.. وشعرت بالخجل أكثر وأكثر..

يبدو أنه أحس بشعوري فقال لي أن أبلغهم في (شرنقاش) دائما أنني حاضر في يوم كذا.. وأحدد لهم الساعه التي أصل فيها حتى يقوموا بعمل ما لذ و طاب.. قلت له: تستطيع أن تستأذن وبعد أن تتناول الغذاء في منزلك تحضر  لي مرة أخري لنجلس معا..

قال لي (زكريا أمام).. ولماذا لا نختصر الطريق بدلا من ودنك فين يا جحا.. ونذهب معا إلى (شرنقاش) وتكون مفاجأه للجميع.. فوالدي (محمود أمان) يعرفك جيدا مما حكيته له عنك.. وشقيقي (علي أمان) عمدة البلدة كان يقول لي دائما:

على فكرة.. الولد ده مش هايخرجوه من المعتقل إلا جثه.. لأن الكلام اللي كاتبه على عبد الناصر يودي في  داهية.. عبد الناصر ما بيعتقش اللي بيشتمه.. و.. وجميع أشقائي وأعمامي يعرفوك، وجميع أخواني والعائله كلها..

نختصر الموضوع وتقوم فورا لترتدي ملابسك ونذهب معا إلى (شرنقاش) لنتناول الغذاء والجلوس معا  فترة  أطول.. وسأحضرك إلى أسرتك بمجرد أن تنتهي زيارتي العسكرية التي سأحاول أن أمدها بعض الأيام حتى أستمتع بك.. ارتديت ملابسي.. واتجهت مع (زكريا أمان) إلى (شرنقاش).. هناك  استقبلتني عائلته  بحفاوة كبيرة لم أكن أحلم بها ..

كانت جلسه طويلة.. كميات من الغذاء وضعها والده الحاج محمود على السفرة.. كل أنواع الطيور (البط والدجاج والحمام)، وكل أنواع اللحوم وكل أنواع الأطباق التي تتواجد ثمارها بالحقول.. ركزت أنا على البطاطس التي أحبها والتي كنت محروما منها في المعتقل لأني أحب أن آكلها مسلوقة ومحمرة..

سحب الحاج محمود طبق البطاطس من أمامي قائلا: يعني كل أنواع اللحمة والطيور قدامك.. ما تمدش إيدك على أي حاجة منهم ونازل أكل في البطاطس.

إبراهيم رضوان يكتب: عرفتهم .. (زكريا أمان).. (2)
أخذني (زكريا أمان) إلي حديقة الموز لنجلس على (قياس)

في حديقة الموز

أخذني (زكريا أمان) إلي حديقة الموز لنجلس على (قياس).. و نقف في بعض الأوقات لنقطف بعض أصابع الموز.. رائحة الموز كنت  أشمها لاول مره في حياتي.. تذكرت أغنية عايدة الشاعر وهى تقول:

(عليكي ضحكة يا مديحة

أحلي من الموز أبو ريحة).

ظللنا فترة طويلة مع  الموز.. بعدها  أخذني (زكريا أمان) مع من حضروا للإحتفال بي إلى بيت أخته على نهر النيل.. ليخرج لنا أكثر من (جوبية) بها أسماك كثيرة من كل نوع.. قاموا بشويها في الفرن من أجل العشاء.

ورغم امتلاء البطون أكلنا من السمك الطازج، وجلست أنا و(زكريا أمان) في البلكونة يحكي لي عن فتره طويله قضاها مع ديواني.. وأنه كان لا يصدق أنه سيراني مرة أخرى!

و

وكان البنا والمونة ..

اللي رمم بيها أعضائي..

اللي كانت بايشة من جوه

وكان القوة ليا قوية لما

كنت محتاجه

وكان زكريا مالي شطوطي برياحه وأمواجه

 وكان القديس بمعنى الكلمة..

 كان شيخ اللي يندهله

جميع الناس معاه أهله

سندني في زحمة العوزه

 وقف ويايا في فترة

 خروجي من قزازة صبر

 مقفولة على الآخر

 وكان زكريا فعلا فعلا صنف فاخر..

 كامل الأوصاف

جرئ.. عمره في لحظه ما خاف

ولا خرجت في يوم إيده

وهي فاضية من جيبه

ولا شوفته في يوم أبدا قفل

 بابه ..

ولا شباكه من بر

حماني من سنين مرة

لحقني قبل ما النداهة تخطفني

 وشرفني.. بوقفة شريفة جنبي..

 تاخدني لبداية مشاويري

 تكمل كل تقصيري مع عيلتي

 وكان زكريا شايل في الوجع

 شيلتي

وميلتي كان بيعدلها

 وبيكمل..

في سكة رحلتي

 المزروعة بالأشواك

 ملاك فعلا ..

في دنيا كلها شياطين

وكان زكريا هو الباقي ليا..

 بعد رحله صبر مش سهلة

 مع الجهلة..و قطاع الطرق..

والجيفة.. والأندال

 بلال يدن عشان أصحى

وفرحه تكفي كل الكون

نبي عاقل معاه مجنون

وصاحب ليا من يومها صحيت وياه ..

ولسه الدنيا نايمة في صمت

بتشخر في ليل نومها

من كتاب (مدد مدد..)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.