15:02:18
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
انهارت العلاقة بيني وبين (هدى العجيمي) لفترة طويلة إلى أن التقينا مرة أخرى في منزل الشاعر (عبد الله شرف) الذي يقيم في قرية (صناديد) بالغربية لتعتذر لي وتعترف أنها أخطأت في حقي و ظلمتني..
بعدها تكرر اللقاء عند الشاعر (عبد الله شرف) حيث أن منزله في (صناديد) كان يستقبل في كل جمعه مئات من الأدباء الذين يحضرون من كل أنحاء العالم العربي بعد صلاة الجمعة لنتناول الغذاء في منزله..
كان (عبد الله شرف) ظاهرة إنسانية وإبداعية لن تتكرر.. يجلس بيننا على كرسي متحرك والسيجارة لا تفارق فمه مع الابتسامة الملائكية الجميلة التي يتحلي بها.. و(عبد الله شرف) لا يتحرك حيث كان مصابا بضمور شديد جدا في العضلات..
رغم ذلك كان يبث في الحضور روح البهجة والتفاؤل الى الدرجة التي نشعر أننا نجلس على كراس متحركة بينما هو الحر الطليق بروحه الشاعرية السامية وفيض كرمه..
لم أتأخر عن لقاء واحد من لقاءات (عبد الله شرف).. كان يصاحبنى في زيارته الشاعر الدكتور (أحمد مرزوق) من نبروه، فننطلق سويا من طلخا تحت المطر لنقضي أسعد يوم في حياتنا مع (عبد الله شرف) ولفيف الحضور اللذين كان من بينهم دائما (محمد جبريل، صلاح عبد السيد، يس الفيل، هدي العجيمي) ومعظم أدباء مصر والوطن العربي.
حتى أصبح بيته في (صناديد) أكثر زخما من أي هيئة ثقافية في مصر.. وفي الحياة الأدبية المصرية المعاصرة لم يستطع شاعر أو أديب آخر – باستثناء ملتقى العقاد – أن يجمع كل هذا الحشد من المبدعين اللذين يشدون الرحال إليه..
كان المرض يقعده عن الحركة، لكنه لا يمنعه عن التواصل مع الجميع عبر الهاتف أو البريد حتى أن أهل القرية كانو يتجمعون لمشاهدة وجوه جموع لا يرونها إلا في الصحف والمجلات تكتظ بها دار (عبد الله شرف) ذات الباب المفتوح دائما يطل على ساحة القرية ومسجدها..
بل وأحيانا تتهادى في طرقات القرية إلى بيته سيارة الإذاعة أو سيارة تليفزيون وسط الدلتا ..
الشيخ (محمد متولى الشعراوي)
وقد نشا (عبد الله شرف) في عائلة أزهرية.. وتعلم نطق الحروف والكلمات على يدى الصديق المقرب من والده الشيخ (محمد متولى الشعراوي) حينما كان ياتى لزيارة أبيه من معهده الأزهري في طنطا..
في قريته تعلم (عبد الله شرف) تعليمه الابتدائي على يد والده الأزهرى الذى كان يعمل أستاذا للتفسير في جامعة الأزهر، ولما أتم حفظ كتاب الله التحق بمعهد طنطا الدينى الذى حصل منه على الثانوية الأزهرية، والتحق بجامعة الأزهر ليحصل فيها على بكالوريوس تجارة عن عمر 33 عاما.
وكان تأخره الدراسى بسبب مرض ضمور العضلات الذى أصاب أخيه من قبل.. وفي الجامعة تعرف في كلية التجارة على الشاعر (أحمد سويلم) الذى أصبح فيما بعد واحدا من أصدقاء العمر..
وكانت بداية تفتحه الثقافي بسبب وجود مكتبة ضخمة في بيته اطلع فيها على كنوز التراث الأدبى و الأدب المعاصر.. كما ساعده على البدء في كتابة الشعر أخوه (محمود شرف)..
كانت بداياته الشعرية بدراسته المتعمقة للعروض.. وقد كانت بدايته في النشر حينما فوجئ بقصيدة له في مجلة (الزهور) التابعة لمجلة (الهلال)، لكنها منسوبة لاسم شاعر آخر كان يتردد عليه في بيته واستعار منه كراسة أشعاره.
وحينما أرسل (عبد الله شرف) للمشرف على المجلة الشاعر (صالح جودت) مفصلا ما حدث لقصيدته قام بمنع هذا الشاعر من دخول المجلة.. وهذا الشاعر قد اختفى تماما من الساحة الأدبية..
الشاعر (أحمد سويلم)
ولكن كانت لهذه الواقعة أثرها على (عبد الله شرف) بمنحه الثقة في استحقاق قصائده للنشر فبدأ في النشر حتى غطت قصائده كل الدوريات المصرية والعربية مثل (المنهل – الفيصل – الأديب اللبنانية.. إلخ ).. حتى أن بعض شعره ترجم إلى اللغة الإنجليزية كما ساهم في إنشاء جماعة (أصوات أدبية)..
وأنجز (عبد الله شرف) موسوعة تضم شعراء مصر منذ عام 1900 حتى 1990 بمجهوده الشخصى ضمنها ترجمة 187 شاعرا.. وله 7 دوواين شعريه منها (العروس الشاردة، القافلة، تأملات في وجه ملائكي)، وله العديد من البحوث المنشورة منها (يا أهل الشعر – العربية لغة الجمال – يحى حقى كما عرفته – زرقاء اليمامة … إلخ).
ومن القصائد التي أذكرها له :
لها في القلب ما تهوى
و لى أنفاس ناياتي
لها الأحلام مشرقة
و لى شوقى و آهاتي
فكم هامت بها روحي
وكم طافت بها ذاتى
أضئ حياتها حبا
وتطفئ ضوء مشكاتي
وأغفو فوق أشواقي
وتغفو فوق أناتي
وقد توفى (عبد الله شرف) عن عمر الواحدة الخمسين مخلفا غصة في قلوب محبيه.. رحم الله (عبد الله شرف) إنسانا وشاعرا.. مكانا و زمانا ..
و الله زمان يا عم (عبد الله) الحبيب الصافي..
أيوه وحشني جدا ملمحك
علشان كده باستسمحك..
أبعت إليك من قلبي زهرة معطرة
جمعت كل قلوبنا..
كنا بنيجي ليك قبل الميعاد
واقفين أمامك..
وأنت ع الكرسي اللي رافض يوم تقوم..
وتصلي في أحضان حبايبك
يا حبيب
جمعتنا.. وأنت الوحيد اللي
استطاع..
يجمع في ألف و ألف شئ..
مع ضده.. في بيته البراح
الله عليك يا عم عبد الله
الحبيب
دايرة تسامح للجميع
وقمر تصالح للي طال بينهم خصام
الله عليك واقف إمام..
رغم الوجود علي كرسي
حاضن فيك..
بقاله سنين طوال
يا قلب قادر مهما يحصل ..
ع الصمود والاحتمال
في كل يوم جمعه يا صاحبي
كنت أجيلك وألمحك..
والله تشبه بالتمام
سيدنا علي
سيدنا أبو بكر الحبيب
سيدنا عمر
والخالق الناطق يا عبد الله الأصيل
تشبه بلال.
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد