بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
في عصرٍ مشحونٍ بالتكرار والتقليد الناجِم عن تدفُّق المؤثرات السمعيَّة البصريَّة من كُل حدبٍ وصوب، يندر مُصادفة ظاهرة جديدة يُمكن اعتبارها فريدة بصورة تستحق الالتفات إلى درجةٍ صارت تدفع البعض لابتداع ما يُطلق عليه (التريندات) الرخيصة في سبيل لفت الانتباه مثل الفنان (تامر هجرس).
ومع هذا سُرعان ما تنطفئ ضجة (التريند) المُفتعَل بنتيجةٍ سلبيَّة عجزت عن جذب تفاعُلٍ صادقٍ بعيد المدى، وإذا بنا نُفاجأ بظاهرةٍ جديدة من شخصيَّة غير جديدة في الوسط الفني، ظاهرة أنجبت نفسها بنفسها.
وتراكمَت آثارها ببطء لتتضخم خلال هذا العام غازية عقول الجماهير بتأثيرها النهائي المُبهج وأسلوبها الطريف وانطلاقتها العفويَّة غير المُفبركة، ليُطلق عليها (الطريقة الهجرسيَّة) نسبةً إلى مؤسسها الفنان (تامر هجرس)!
يمتاز (تامر هجرس) بشخصية ليس لها شبيه في الوسط الفني، فلا أحد يُشبهه في الشكل أو المظهر أو الفكر أو أسلوب الكلام، لقد وُلدَ مُغايرًا للمألوف؛ ثم امتزجَ ما سمعه وشاهده وقرأه وجرَّبهُ بتلك الروح ليُقدّم شخصًا ذا مزاجٍ مُميّز وطابعٍ خاص يصعُب تقليده.
وبعد أعوام طويلة من تطوُّر تلك الشخصيَّة أصبحَت نموذجًا يتجه نحوه اهتمام الأجيال الجديدة الغارقة في لذّة الفضول تجاه هذا الكيان النادِر الذي يجمع بين العُمق والطرافة، الجديَّة و (ترك المقادير تجري في أعنّتها).
مظهر الاستقراطي وابن البلد
الاجتهاد في سبيل الهدف مع عدم السعي المُستميت لتحقيقه، مظهر الاستقراطي وجوهر ابن البلد الأصيل، جسرٌ بين محاسِن الشرق وإيجابيَّات الغرب.
تركيبة استثنائيَّة تُذكرنا بالحوار الطريف الذي دار بين (تامر هجرس) وبين الشخصية التي أداها الفنان أحمد رزق في مسلسل (بدل الحدوتة تلاتة) حين وصف وجبته المُفضلة قائلاً: (الأكلة دي كُل ما افتكرها ما بعرفشِ أركّز في حاجة تانيه، بنسى الدنيا.. بُص يا مستر زيد؛ هى طعنها عامل زي الكُفتة، بس هي مش كُفتة!
(تحس ان هى كده ملفوفة بورق الطرب؛ بس هى مش طرب.. لا، هي مِكسِ غريب، ما تبقاش عارف هى كُفتة واللا طرب واللا سجق.. تحس ان هيّ كده زهرة من كل بستان، أكلة كده أوّل ما تدوقها تحس انك مش قادر تتخيَّل أي أكل تاني غيرها).
وهكذا تركيبة (تامر هجرس)، ما أن يتذوَّق المشاهد أسلوبه على الشاشة لا سيما خلال الأعوام الأخيرة حتى يُدمن تلك التركيبة الهجرسيَّة النادرة اللذيذة ويطمح لمُشاهدة المزيد من أعماله القادمة، كما أنهُ من تلك الشخصيَّات الحريصة على النمو الداخلي والتجدد المُستمر.
ما يجعل المُشاهِد يلحظ سريعًا مستوى النضج المُتصاعِد في شخصيته على الصعيدين: الإنساني الشخصي والإبداعي الفني، وتتزايَد مشاعر الاحترام تجاهه بعد كُل لقاء أو حوار تلفزيوني يتجلَّى فيه الصدق والشفافية وانعدام الازدواجيَّة في حديثه مُقارنة بفنانين آخرين يقولونَ كلامًا بينما تُنكر نظراتهم وأفعالهم هذا الكلام.
لم يعُد رجُل الأدوار المحدودة
كل المؤشرات تدل على أن (تامر هجرس) اليوم لم يعُد رجُل الأدوار المحدودة، بل اتسعَت دائرة الأدوار التي تليق به ويليق بها ويستطيع تأديتها بإبداعٍ ومهارة.
لقد غدا مثاليًا لدور رجُل الأعمال الذكي، والزوج ورب الأسرة المُتفهّم، والأستاذ الجامعي المُجتهِد، والعالم الباحِث الغارق بين تجاربه المعمليَّة، ومئات الأدوار العميقة والمُركبة والبسيطة والكوميدية.
مع عدم تجاهُل دور الرجُل الرومانسي الجذّاب لافتقار الشاشة خلال هذه المرحلة لعددٍ كافٍ من الفنانين الصالحين لتأدية هذا الدور رغم كونه كنزًا للمنتجين في كُل زمانٍ ومكان..
ولو افترضنا أن شخصيَّة (عماد الحلو) عادت بشخصيَّة أكثر وعيًا ونُضجًا وخبرة لتلتقي مُجددًا بشخصية (عُلا عبدالصبور) في سلسلة (البحث عن علا) هذه المرَّة.
لن يكون نجاح هذا الجزء من السلسلة أقل من نجاح الجزء الثاني الذي تقاسم بطولته مع النجمة هند صبري الفنان (ظافر العابدين)، ويا سلام لو رأيناه في عملٍ رومانسي كوميدي مُتقن مع نجمة الشاشة المُتألّقة (ياسمين عبدالعزيز) لتكسر المبيعات حاجز شُبَّاك التذاكِر دون شك.
لقد نجحت (الطريقة الهجرسيّة) في اجتذاب مزيد من الأتباع والمُريدين والمُعجبين عبر وسائط التواصُل الاجتماعي.
وهذا الجمهور حرَّكَ أوراق اللعب لتتجه بوصلتها نحو هذا الفنَّان مُضاعفةً تسليط الأضواء عليه بصورة تُشير إلى أن أبواب الحظ الفني بدأت تفتح ذراعيها لتلقّيه وتتويجه على عرش النجوميَّة التي سبقه آخرون إليها.
لقد اختار لهُ التوفيق الإلهي الوقت الصحيح لينطلق كالشّهاب معوّضًا غياب السنوات السابقة، ويُهجرس معهُ مزاج جمهوره المُترقّب بشغَف.