(استيفان روستي).. ملك (الإيفيه) في السينما المصرية
بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
علمتنا السينما أن الناس أقنعة، مثلما سبقها المسرح إلى وجود ثنائية أساسية في البشر، القناع الضاحك أو المبتسم، الذي يدل أن صاحبه إنسان بالغ الطيبة، وأنه الأحق أن نكون قريبين منه، نأمن له، أما الوجه الثاني فهو عبوس غاضب بشدة، يعكس نوايا الشر، وتدبير المؤامرات على جناح الإيفيه مثل الفنان المبدع (استيفان روستي).
وفي عالم التمثيل منذ مئات القرون لم نر الوجه الثالث، وهو الوجه الوسط أو المحايد، لذا قالوا أن الدراما في أبسط حالاتها هى صراع بين الوجهين، وعلى الطيبين أن ينتصروا في معاركهم.
وفي عالم التمثيل البسيط، وباقتناع الكثير من المخرجين أن المتفرج ساذج للغاية فقد تمت المبالغة في تصوير الطرفين، أما شرير مثل أغلب الأدوار التي جسدها الفنان الكبير (محمود المليجي).
أو مثل كل الأدوار المضحكة التي رأينا عليها الفنان الكوميدي (إسماعيل يس)، والغريب أن هذا الممثل الكوميدي لم ينجح في إبكاء الناس في مشاهد كان يحب عليهم التأثر والبكاء مثل مشهد موت الابن في فيلم (صاحبة العصمة)!
وسوف نتحدث بداية من هذا الأسبوع عن مجموعة من عباقرة التمثيل الكوميدي في السينما المصرية، وأيضا في المسرح ارتدوا القناعين معا، واستخدموا الإيفيهات، أو لزمات كوميدية للشخصيات الشريرة.
مدام تسمحيلي بالرقصة دي
سنبدأ هذا الأسبوع بالفنان الكبير (استفان روستي) الذي مازالت إيفيهاته حاضرة حتى اليوم، وأحيتها وسائل التواصل الاجتماعي مجددا.
فمثلا في فيلم (سيدة القصر) طلب وهو الرجل الوقور من (فردوس محمد) أن ترقص معه، وراح يتصرف بما لا يناسب سنه وهو يقول لها: (مدام تسمحيلي بالرقصة دي)!،
فكنا نعلم كمشاهدين أنه يسخر منها، فهو يعرف انه لا طبقتها الاجتماعية، ولا سنها، ولا تكوينها الجسماني قد يدفعونها أن توافق على طلبه!
وليس من المهم أن تستجيب له المرأة أو ترفض كلياً، لكن المهم هى الطريقة التي طرح بها (استفان روستي) السؤال للمرأة، التى ردت بإيفيه أعلى مما طلبه، حيث قالت له : (ماترقص يا اخويا حد حايشك).
فيرد بإيفيه أعلى فيقول لها: طب أروح اتحزم وأجيلك!
فالرجل واحد من المتآمرين علي صاحب القصر، يدبر له المؤامرات، ويستطيع أن ينتزع الضحك من جمهور الصالة كل هذا حدث كما ذكرت لكم في فيلم (سيدة القصر) عام 1958 اخراج كمال الشيخ.
(استفان روستي).. زكي بشكها
في فيلم (سيدة القصر) كان (استفان روستي) قد بلغ السابعة والستين من العمر، لكنه يستطيع أن يغير جلده بصفة منتظمة، وأن يمثل هذه الأدوار التي لم يقدمها كثيراً.
ونحن الذي نعرفه من قبل ممثلاً، ومخرجاً وكاتب سيناريو، وأنه من أصول نمساوية جاءت به أمه ليعيشا في مصر ويستقرا بها، ويتزوج من إمرأة أوروبية تظل معه حتي آخر حياته، وكان يتقن العديد من اللغات.
و(استفان روستي) لم يبدأ في إطلاق مثل هذه العبارات أو (الإيفيهات) سوي في فيلم (المليونير) إخراج (حلمي رفلة) عام 1950، وهو يلعب الكوتشينة مع (إسماعيل يس).
ومعه زميلان آخران، ويتحدث عن نفسه أن اسمه (زكي بشكها)!، إنه اسم غير مألوف على الناس، ولا يمكن نسيانه، لكن الطريقة التي نطق بها الممثل جملته حفرتها في ذاكرة الناس فصارت من الإيفهات التي لا تنسي، وعاشت الشخصية مع الأجيال.
(استفان روستي).. في صحة المفاجآت
في نفس السنة وفي فيلم (شاطئ الغرام) إخراج بركات، وبطولة ليلى مراد، وحسين صدقي، رأيناه في صورة الرجل الناضج الذي يتمني ألا تحقق (ليلي) أي قبول في الغناء أثناء الحفل.
وعلي طريقة العنطوز يردد (في صحة المفاجآت).. إنها عبارة لو رددها أي ممثل غير (استيفان روستي) لخرجت مختلفة، فهي لا تصلح أن تكون إيفيه، لكن الممثل بأدائه جعلنا لا ننساها.
وتبدو المفاجأة مدهشة فالغناء يلقي قبولا لدي الناس وهو يردد عبارة أخرى تعبر عن خيبة أمله، وعلى ملامحه كل ما يشعر به!، فيقول لزوجته التى تدير معه المؤامرة: (دي اللي كنتي عيزه تحرجيها، دي مافيش حد ما أعجبش بيها!).
وفي عام 1956 وفي فيلم (حب ودموع) إخراج كمال الشيخ، نرى (استفان روستي) يجسد دور النادل الذي يراقب فتاة بريئة في البار تدخل عالم الليل مضطرة، ويجدها تمسك بكأس الخمر.
ويسألها: بتشربي إيه؟!
فترد: كونياك.
فيقول لها: (الكونياك مشروب البنت المهذبة)!
نشنت يا فالح.. أشهر إيفيهاته
في عام 1958، ومع مخرج مختلف يميل إلى أفلام الحركة الخفيفة، هو (حسن الصيفي)، يجسد (استفان روستي) في فيلم (حبيبي الأسمر) دور (سمسم) العصب الأساسي في عصابة تهريب الماس.
في أحد الأيام يوكل إليه رئيس العصابة مهمة التخلص من الشاب (أحمد/ شكري سرحان) الذي اندس عليهم، بهدف الانتقام من (سمرة/ سامية جمال) حبيبته السابقة التي تزوجت من زعيم العصابة.
ويعطى (سمسم) مساعده مسدساً، ويأمره بأن يقود الراقصة (زكية/ تحية كاريوكا) وصديقها (أحمد) من محبسيهما فى الغرفة إلى الخارج، يفعل (سمسم) ذلك، بناءً على أوامر من (رستم بك/ يوسف وهبي)، رئيس عصابة تهرّب الماس والنقود إلى خارج مصر.
وذلك بعد أن انقلبت (زكية) و(أحمد) على العصابة، ورفعا لواء العصيان، ولأن الاثنين يعرفان المصير الذى ينتظرهما فى الخارج جزاء تمرّدهما تنتهز (زكية) فرصة صعود الجميع على سلم صغير يقود إلى الخارج.
فتدفع مساعد الرجل الممسك بالمسدس، والذى يسير خلفها ليسقط من على السلم، يفاجأ مساعد الرجل (محمد توفيق)، فيطلق النار بصورة عشوائية لتستقر رصاصته فى جسد (سمسم).
يسقط (سمسم) إلى جوار مساعده (محمد توفيق) على الأرض، فيعتذر له الأخير ويقول له سمسم؟!: (هى جت فيك؟! لا مؤاخذة!).
ويأتى رد (سمسم) أو (استفان روستي) الذى لا يتوقعه أحد، ويردد بعبقريته غير المتكررة، وبصوته الأجش المتفرد (نشنت يا فالح.. يا أخى سفخص ع اللى شيلهولك).
إنه إيفيه هو كل ما يأتي إلي خاطر مجرم يموت، لذا فإن هذا الإيفيه ظل مرتبطاً بالفنان يردده الناس كمثل شعبي يدل علي خيبة الأمل الشديدة في شخص يرجي منه أن يقوم بالنشان، ويصيب الهدف.
كان التحول حدث قوي في تلك السنوات، بالنسبة للممثل، الذي يقوم بدور الشرير خفيف الظل، ولكنه لا يكف عن إطلاق تعليقاته مثلما حدث مع (نعيمة عاكف) في (تمر حنة) وهو يقوم بدور خالها المزعوم.
ومع (إسماعيل يس) في (حسن وماريكا)، وأيضاً في (ملك البترول)، ويظل يعمل بلا توقف حتي فيلمه الأخير (آخر شقاوة) عام 1964، وهو أيضاً دور كوميدي.