بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
لم تكن كل الأصوات الفردية على اختلاف درجاتها وموهبتها كافية لتحقيق طموحات (علي إسماعيل) الموسيقية.. وإنما جنحت به عبقريته إلى صناعة صوت جديد لموسيقاه.. صوت له خصائصه و شخصيته الخاصة غير المسبوقة..
وقد ألف هذا الصوت من جماعية لثلاث أصوات نسائية مزج بينهم في هارمونى متكامل اكتسح بهم الساحة الفنية مطلقا عليهم اسم (الثلاثى المرح).. إلى جانب صوت آخر لثلاث أصوات رجالية أطلق عليهم (ثلاثى النغم)..
وفي بعض الحفلات والأفلام السينمائية مزج بين الثلاثى المرح وثلاثى النغم في أعمال خلدتها الذاكرة الفنية المصرية.
الثلاثى المرح والبداية:
سناء البارونى (شقيقة الممثلة الكوميدية سهير البارونى)، و(صفاء يوسف لطفي).. طالبتان في معهد الموسيقى – الذى تخرج منه (علي إسماعيل) – تتميزان بصوت ينبض بالحياة .. مفعم بالبهجة..
كونتا سويا ثنائيا جميلا يصدح في حديقة معهد الموسيقى بأغانى خاصة بهما ذات لون خفيف مميز.. بعد فترة قصيرة انضمت لهما زميلتهما في المعهد (وفاء).. ولأن برامج الهواة في الإذاعة هي الباب الملكى للموهوبين الجدد للعبور الى الساحة الفنية فقد تقدم ثلاثتهن كفرقة واحدة عام 1958 إلى إحدى هذه البرامج..
عبر صوتهن من الأذن المرهفة لـ (علي إسماعيل) إلى عقله لتبرق الفكرة باستخدامهن كصوت موحد لأعماله.. أعجبت زوجته نبيلة قنديل بالفكرة وشجعته على تبنيهم بألحانه و كلماتها.. ودفعت إليه بكلمات أغانيهم الأولى، ومن بينها الأغنية الرمضانية (أهو جه يا ولاد)..
تم تقديم الأغنية إلى لجنة النصوص التي يرأسها (أحمد رامي) وكان من بين أعضائها الشاعر محمود حسن إسماعيل، والشاعر صالح جودت، والشاعر صلاح عبد الصبور، والشاعر طاهر أبو فاشا، وعزيز باشا أباظه..
أحمد رامى وأغانى المهرجانات
بالمناسبة لنا أن نتخيل هؤلاء الشعراء أمناء على الوجدان الفني المصرى من ناحية كلمات الأغانى وهم يقرأون نصوص أغانى المهرجانات التي تخرب الآن هذا الوجدان برعاية التكاتك والميكروباصات..
نتخيل رد فعل (صلاح عبد الصبور وهو يقرأ ليعتمد أغنية (شقلطوني في بحر بيرة).. و تعابير وجه (أحمد رامي) وهو يقرأ كلمات أغنيه (طب خد.. ولا انت ما بتعرفش تصد).. والتعليق الذى يسطره (طاهر أبو فاشا) تحت كليب (عليا الطلاق كله بيكدب)، و أن نتخيلهم في نطقهم لأسماء مطربين من عينة أسماء (شاكوش وبيكا وشطة وكسبرة و غيرهم من التوابل.
بعد اعتماد اللجنة لأغنية (أهو جه يا ولاد) تقدم (علي إسماعيل) بطلب إلى الشجاعى متعهد المواهب لتلحين الأغني.. تقاضى (علي إسماعيل) عن تلحينها 20 جنيها، بينما تقاضى الثلاثى 140 جنيها..
لتتوالى بعد ذلك ألحانه مع كلمات زوجته (نبيلة قنديل)، ومنها (افرحوا يا بنات.. ياللا وهيصوا.. رمضان أهو نور فوانيسه).. و(حلاوة شمسنا.. و خفة ضلنا).. و(ما انتش خيالى يا ولا)، و(أهلا بالعيد أهلا)، و(أنا حلوة) وغيرها لتتوالى أعمال كبار الشعراء الكبار بكتابة خاصة بلون الفرقة.
وهي الغنية الخفيفة ذات المعانى الجميلة البسيطة المبهجة.. فكتب لهم (مأمون الشناوي) أغنية (العتبة جزاز)، وكتب لهم (صلاح جاهين ومرسى جميل عزيز وصالح جودت) وغيرهم أعمال.
من لون (البحر بيضحك ليه، هنا مقص وهنا مقص هنا عرايس بتترص، زق المرجيحة، سكر نبات، شيل ايدك من على خدك، يا ولاد بلدنا).. بالإضافة إلى أغانى فولكلورية من قبيل (على نور العين.. مسي لى يا قمر)..
وقد لحن لهم (علي إسماعيل) ألحان معظم أغنياتهم.. وعندما تهافت الملحنين بعد ذلك على التلحين لهم مثل (سيد مكاوى وحلمى بكر وعبد العظيم عبد الحق ومنير مراد وحتى محمد عبد الواهاب)، كان (علي إسماعيل) هو من يقوم بالتوزيع الموسيقى لهذه الألحان للحفاظ على هوية الفرقة..
نجاح متفجر
أصبحت فرقة (الثلاثي المرح) هى الفقرة الأولى لمعظم الحفلات الغنائية لما تشيعه أغانيهم على السهرة من جو التفاؤل والبهجة.. حتى أنه بمجرد الإشارة لفقرتهم في حفل أضواء المدينة كانت الصالة تضج بالتصفيق.. و قد حضر جمال عبد الناصر عدة حفلات لهم و بخاصة في الليالى الرمضانية..
استعانت السينما أيضا بنجاح فرقة (الثلاثي المرح).. منها مقدمة فيلم (صغيرة على الحب) فغنوا (التليفزيون.. التليفزيون.. بقى في بلدنا حاجه عظيمة.. كله ثقافه وعلوم وفنون.. التليفزيون.. التليفزيون).. تمهيدا لجو الفيلم الذى تدور أحلام بطلته و أحداثه في مبنى التليفزيون.. وكذلك في فيلم (غرام في الكرنك) الأغنية الرائعة (حلاوة شمسنا.
وفي فيلم (يوم من عمري) لعبد الحليم حافظ ليضيفوا طاقة البهجة الخاصة بهم في أغنية (ضحك ولعب وجد وحب).. و مقدمة فيلم (أجازة صيف) وأغنية (أمان.. أمان) من فيلم (أمير الدهاء).. وغيرهم..
وقد جاب بهم (علي إسماعيل) كل ألوان الأغنية الشعبية والريفية والعاطفية و لوطنية والدينية وأغاني الأطفال ومناسبات الأفراح والميلاد والأعياد، وقد شاركوا في حفل زفاف (نهى) ابنة الرئيس أنور السادات..
كما تم الاستعانة بطاقتهم المبهجة في الأحداث السياسية المعاصرة مثل توقيع الوحدة بين (مصر وسوريا) و ذكرى (ثورة يوليو) و بناء (السد العالي)، بما تضفيه روح البهجة من قبول العقل الباطن الجمعي للشعب لهذه القرارات السياسية وابتلاعها عاطفيا إلى حد الفرح بها..
وقد قرر أعضاء الثلاثى المرح الاعتزال في قمة التألق.. تزوجت (سناء الباروني) من المخرج (حسن الإمام).. وقد أشركها بالغناء في بعض أفلامه مثل أغنية (عيد النصر يا رجال) في فيلم (عنتره بن شداد)، من كلمات بيرم التونسى و ألحان (علي إسماعيل) أيضا..
بالإضافة الى أدائها الأغانى في أفلام ثلاثية نجيب محفوظ و منها أغنية (يا سمباتيك خالص يا مهندم) من فيلم (بين القصرين).. و أغانى فيلم (دلال المصرية) وغيرها حتى قررت اعتزال الفن نهائيا والتفرغ لأسرتها.
أما (صفاء) فقد تزوجت هى أيضا من مساعد حسن الإمام المخرج (سامى أبو النور)، والذى أخرج العديد من الأفلام و المسرحيات مثل مسرحية (نرجس).. أما (وفاء) فقد سافرت للعمل بالتدريس في إحدى الدول العربية..
ينافس نفسه بفرقة (ثلاثى النغم)
في نفس التوقيت قام على إسماعيل بمنافسة نفسه ونجاحه مع فرقة الثلاثى المرح بتكوين فرقة (ثلاثى النغم) من أصوات رجالية ثلاثة.. وقد ابتكر لهم (علي إسماعيل) لونا خاصا بهم هم أيضا.. واشتهرت لهم أغاني عدة منها (اترستأنا.. أحمر وحلاوة.. الحلوة دي.. السعادة والهنا..
واشتركو في بعض الأفلام مثل فيلم (هي و الرجال).. و قد ناغم (علي إسماعيل) بين (الثلاثى المرح وثلاثى النغم) في العديد من الأعمال الناجحة مثل (هنا مقص وهنا مقص، ست البنات، الدنيا لما تروق، الهولاهوب، أما عروسه أما عريس، الخرزة الزرقا) وغيرها..
ولأسباب مجهولة لا تتوفر المعلومات الكافية عن أعضاء فرقة (ثلاثى النغم) وبداية ومصير كل منهم، لذلك أدعو المؤرخ والناقد الفني الأستاذ (أحمد السماحي) بملء هذه المنطقة الشاغرة من تراثنا الفني..