رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: (ميا خليفة) والرجال.. أيهما أكثر أباحية؟!

التبرع بالمقتنيات الشهيرة أمر مألوف جدا بين الفنانين والمشاهير في الغرب

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

قابلني قبل أيام منشور لأحد المواقع الإخبارية العربية يتحدث عن قيام ممثلة الأفلام الإباحية (ميا خليفة) الأمريكية من أصل لبناني، بعرض نظارتها التي ذكر الخبر أنها اشتهرت بارتدائها في أفلامها في مزاد علني وخصصت عائد البيع الذي بلغ 104 آلاف دولار لصالح اعادة تعمير لبنان.

استوقفني الخبر ليس لأنني من متابعي (ميا خليفة) – لا سمح الله – ولكن من حجم التعليقات المهول على الخبر والذي تجاوز وقت أن قرأته عشرات الآلاف من التعليقات، فكرت للحظة في قراءة بعض التعليقات لمعرفة كيف يفكر العرب في مواقف مثل هذه.

التبرع بالمقتنيات الشهيرة أمر مألوف جدا بين الفنانين والمشاهير في الغرب، وسمعنا في عديد المناسبات من قبل عن تبرع (رونالدو) مثلا بحذاء سجل به في نهائي دوري الأبطال، مثلما اعتاد كثير من مشاهير هوليوود على التبرع بمقتنياتهم مثل جيتار عزفوا عليه أو فستان ظهر في فيلم مهم.

كما أن فكرة التبرع بالمقتنيات لإقامة مزاد خيري عليها انتقلت في السنوات الماضية الى الثقافة العربية، واحتضنت دبي وغيرها من المدن العربية بعض المزادات الخيرية لمقتنيات الفنانين والمشاهير العرب وتم تخصيص عوائد البيع لأغراض خيرية.

الخلاصة أن ما فعلته (ميا خليفة) ليس بدعة، وكان يمكن أن ينتهي الأمر ببساطة إما بشكرها على تبرعها لصالح بلدها الأم التي لم يعد يربطها به سوى الحنين، أو بتجاهل الخبر نهائيا اذا كنت من المقتنعين بأن ما تفعله بعيد عن الحلال.

ما لفت انتباهي أن كل هؤلاء الساخرين تحدثوا عن تفاصيل دقيقة تخص النظارة

يسخرون من (ميا خليفة)

لكن الغريب بالنسبة لي على الأقل أن النسبة الغالبة من التعليقات جاءت من رجال، وكلهم يسخرون من (ميا خليفة) ونظارتها وتبرعها، أغلبهم كتب يسخر من الفكرة ومن النظارة، لكن ما لفت انتباهي أن كل هؤلاء الساخرين تحدثوا عن تفاصيل دقيقة تخص النظارة لا يمكن أن يلم بها سوى من شاهدوا أفلام مايا الإباحية.

كذلك لجأ قليلون منهم لاستخدام الدين في استنكار ما فعلته معتبرين أن الله لا يقبل سوى المال الطيب، دون أن ينتبهوا الى أن التبرع ليس دينيا وليس لمسجد مثلا أو حتى كنيسة، لكن المهم بالنسبة لهم هو إثبات تدينهم.

ليس مهما أن الساخرين من تبرع (ميا خليفة) باعتبار أن مالها حرام لم يتوقفوا لحظة للتفكير في أن اعتيادهم على مشاهدة أفلامها وتذكر تفاصيل دقيقة منها ذكروها في تعليقاتهم هو تصرف يدخل تحت بند الحرام أيضا.

كما أن أصحاب التعليقات المتدينة الوقورة الذين يعرفون أن الله طيب لا يقبل سوى المال الطيب، ليس لديهم تبرير للاهتمام والتعليق على خبر يخص ممثلة اباحية، ما يعني ضمنا أنهم يعرفونها وربما يتابعون أفلامها كذلك.

أدانت الغزو الصهيوني لغزة وفضح جرائمه على مواقع التواصل الاجتماعي فور حدوثه،

(ميا) تدين الغزو الصهيوني

أتذكر أنني سمعت عن (ميا خليفة) لأول مرة حين كنت أكتب مقالا هنا عن المشاهير الذين بادروا بإدانة الغزو الصهيوني لغزة وفضح جرائمه على مواقع التواصل الاجتماعي فور حدوثه، ووجدت اسمها بين هؤلاء المشاهير في وقت تقاعس فيه أغلب الفنانين والمشاهير العرب عن دعم أهلنا في غزة ولو بالكلمات.

لم تنتظر السيدة (ميا خليفة) التي تمتهن الدعارة وقتا حتى تكتشف الاتجاهات الآمنة قبل الادانة، مثلما فعل الكثيرين، ولم تتوقف عن الإدانة رغم قيام مجلة (بلاي بوي) الإباحية بفسخ التعاقد معها عقابا لها على ما تفعله، وكتبت وقتها أن ممثلة الدعارة اتخذت موقفا أشرف من ملايين العرب. 

نعم هي أشرف بالنسبة لي من الذين يتراقصون في حفلات المطربين العرب والغربيين ويرفعون صوت الموسيقى حتى لا تزعجهم صرخات وأنات أطفال غزة الجوعى والمصابين، أو ممن يشمتون فيما يتعرض له الأطفال والنساء والمدنيين هناك كرها في حماس ما تمثله.

لا أقر بالتأكيد عمل (ميا خليفة)، لكنني أتعجب بالفعل ممن تكالبوا على إدانتها والسخرية منها في حين أنهم يلتهمون أفلامها بشراهة، في تعبير مؤسف عن حالة (الشيزوفرينيا) التي أصابت معظم المجتمعات العربية منذ أن ابتليت بمرض (التدين الظاهري) الذي تم الترويج له منذ حقبة السبعينات في القرن الماضي.

التدين الذي يسمح للشخص بأن يكون حسيبا رقيبا على عمل غيره بينما يكون من حقه أن يتحرش وربما يزني كذلك، أو ينصب على الزبائن او يتلاعب بالأسعار ويخزن البضائع حتى يرتفع سعرها، أن يفعل كل هذا دون تأنيب ضمير طالما أنه يؤدي الصلاة في الصفوف الأولى بالمسجد.

كيف استطاع الكثيرون برعاية بعض رجال الدين الفصل بين التدين والأخلاق؟، وبين أداء الطقوس الدينية وبين انعكاسها على سلوكياتهم؟، وكيف أقنعوا أنفسهم باستدعاء الدين حينما يحتاجون له فقط بينما يتجاهلونه حين تنتهي حاجتهم؟.. أسئلة عديدة لا أعتقد أن هناك من يمكنه الإجابة عليها في الوقت الحالي على الأقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.