بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
فن التمثيل تعدد طرق الاداء الخاصة به ، إذ يتطرق إلى جميع أحوال النفس البشرية وإظهارها أمام الجمهور ، ومن طرق الأداء التمثيلية ، التمثيل (الكوميدي) الضاحك، وقد تم العثور على نص مسرحي مصري قديم.
تم ذكرة في مقالة سابقة ، وهذا النص من النصوص (الكوميدي) الهزلية الضاحكة، وهو خاص بشخصية (ست) الذي تنكر خداع راع في رحلته الشمسية، ومن هذا النص نستنبط كيفية تدريب الممثل الكوميدي في مصر القديمة ، ونستعرضها كالتالي:
هيئة الشخصية والتدريب الجسدي
كما نعلم أن القناع ظهر في مصر القديمة، والشخصية في النص هى لست، وصورة ست الجسدية أشبه بالحمار وهو غير متناسق الجسد بالمرة، ولكن سوف يتنكر في قناع أبو فيس، وأبو فيس شخصية حيوانية ، فهو ثعبان لا يقل طوله عن مائة ذراع (حوالى اثنين وخمسين مترا).
والممثل (الكوميدي) الذي يلعب هذه الشخصية، ينبغي عليه أن تكون هيئته الجسمية في شكل ست، وبالتنكر في شكل أو فيس، سوف يحاكي حركات أبو فيس الثعبانية، بجسد ست، ولكن جسد ست غير متناسق ويعرف بشكل الحمار.
وهنا سوف تظهر الشخصية وهى تؤدي الحركات الثعبانية الخاصة بالثعبان أو فيس، الذي لا يقل طوله عن اثنين وخمسين متر، وله يدين ورجلين، في صورة تثير الضحك (الكوميدي)، إذ أن شخصية أبو فيس مرفوضة من الجمهور وشخصية ست مرفوضة أيضا ، فتحدث المفارقة الضاحكة وهذا ما نلاحظه في المشهد التالي :
مشهد ست متنكر في هيئة أبوفيس
(أبو فيس يتنكر لخداع راع) في الصباح الباكر وهو معتزم شرا من المكان الذي ستشرق منه الشمس ، ويخفي شخصيته ، ويفضل هذا الشرير أن يغامر بالدخول في المعركة أبو فيس يستعد (فجأة يظهر شخص يوقفه ويقيد حركته.. ويظهر أبو فيس في حالة رعب وكلماته محبوسه ويرتعد) .
ومن الطبيعي سوف تنكشف الخدعة لأن الحركات الجسدية غير متناسقة الهيئة ، فيتم القبض عليه من قبل شخص
مشهد يصور القبض على ست
الشخص القابض على أبو فيس: إذا تكلمت مسخت الآلهة وجهك، وستنتزع الإلهة أنثي الفهد قلبك، وستشد وثاقك الإلهة العقرب، وستقوم إلهة العدالة بتعذيبك، وتسدد إليك الضربة القاضية.
(أبو فيس يرتعش لا يستطيع النطق)
وفي هذا المشهد لابد للممثل أن يتدرب على الحركات الجسدية التي أصابت الشخصية بالرعب، ومن الطبيعي سوف يستخدم أرجله ويداه، ويظهر أنه ليس الثعبان أبو فيس ، ومن تلك المفارقة يكون الضحك والسخرية من الشخصية الغبية.
ونتدرج في المشاهد لنرى أن ست عندما أنكشف أمره من قبل الآلهة ، ويشعر بشعور الآلهة العدائي ، فيقرر أن يفعل فعلته الكبرى ، فيدعى أنه ليس هو أبو فيس ويصب على نفسه لعنة، ويتنكر، مما يظهر الحدث بشكل يثير السخرية أكثر، مما يجعل الجمهور يدخل في نوبات من الضحك (الكوميدي) المتواصل.
ويلجأ ست إلي حيلة أخرى، ويدعي أنه ليس أبوفيس، كما سبق القول، ويبدأ في التحدث ويصب اللعنة على نفسه:
مشهد أبو فيس مدعيا الجنون
أبو فيس يصب للعنة على نفسه متنكرا: اسقط يا أبو فيس، اهبط يا أبو فيس يا عدو رع ، إن ماذقته أقوى من المذاق الذي يبدو عذابا، للإلهة العقرب، وإن ما أنزلته بك لشديد، ولسوف تعاني من معاملتها لك إلى الأبد، لن تفلت بعد، ولن تهرب أبدا، يا أبو فيس، يا عدو رع .
ومن هذا المشهد نلحظ التغيرات الصوتية، ما بين صوت الحمار، وصوت الثعبان المزعومان ، فالأول غليظ يشبه النهيق، والثاني فحيح كصوت الثعبان ، وينبغي للممثل (الكوميدي) أن يتدرب على هذا الصوت الذي يظهر كذبة، ونتخيل صوت الحمار عندما يحاول أن يصدر صوت فحيح الثعبان.
ويتقلب بين صوت الحمار وصوت الثعبان، مع الحركات الجسدية المرتعشة، الجنونية، ونرى في المشهد التالي توبيخ أبوفيس لنفسه كأنه مجنون ليتوهم الجميع بانه ليس أبو فيس ، لتظهر حقيقة ست.
مشهد أبو فيس يخاطب نفسه
أبو فيس مخاطبا نفسه: أدر وجهك فإن رع يفزع من رؤيتك.
إلى الوراء يا من يستحق رأسك أن يقطع ووجهك أن يشوه.
فليحطم رأسك من يأتي على جوانب الطرقات، وليكسر عظامك.
من يقيم على الأرض وليمزق لحمك ، وليسلمك إلى إله الأرض ، يا أبو فيس يا عدو رع.
(وظل أبو فيس يتنكر، ويهذي بكلماته، وتركه، رع والآلهة المحيطون به، في حالة الهذيان دون مقاطعته ، ولم ينخدعوا بهذه الملهاة، ووضع آتوم وهو اقدم الآلهة حلال لهذا الموقف بكلمة مليئة بالاحتقار، وتبعه بقية الآلهة).
إلى أن يفتضح أمره بين الآلهة ونرى رد فعلهم
مشهد اكتشاف تنكر ست
آتوم يقول: أرفعوا رؤوسكم يا جنود رع واطردوا هذا الجبان من صحبتنا.
جب يقول: انتبهوا أنتم يا من تشغلون أماكنكم على أنكم ملاحوا مركب خبري تقدموا للأمام وبأيديكم الأسلحة التي أعطيت لكم.
حتحور تقول: خدوا سيوفكم.
نوت تقول: هيا طاردوا ذلك الهلع الفزع.
وكما لاحظنا من المشاهد السابقة كيفية التمثيلي الضاحك (الكوميدي) عند المصري القديم، ونلاحظ أن إضحاك الجمهور تم من خلال الشخصيات التي لا يحبها الجمهور، فجمع المتناقضات بين الشخصيتين ، في الهيئة الجسدية مشتملة على الصوت.
والموضوع كان في قمة الجدية، مما ولد شعور الضحك عند الجمهور، وهكذا نشاهد طريقة تمثيلية كوميدية عند المصري القديم، فقد اختار الشخصيات المرفوضة، وعمل حبكة تمثيلية متدرجة تثير الضحك من خلال الشخصيات المرفوضة، ولم يلجأ للسخرية من الشخصيات المحببة للجمهور ليستخف بها كي يضحك الجمهور.
وللأسف نجد في عصرنا الحديث ظهور هذا النوع من بعض السخفاء، يطلق عليهم مؤلفي الكوميديا، معهم مجموعة يطلق عليهم ممثلين بالخطأ يسخرون من شخصيات عملاقة في التراث كشعراء، وقادة، ومحاربين.. إلخ، كي يثير الضحك.
ولكن هذا النوع لا يستمر، وينسى من الذاكرة، ولن نطيل أكثر من ذلك، وننوه أن المسرح المصري القديم قدم طريقة في تدريب الممثل الكوميدي تتفق مع الذوق العام للجمهور، ونرجو في عصرنا الحالي أن يكف ممثلين ومؤلفي الكوميديا عن سخافتهم، ويتعلموا طرق التمثيل (الكوميدي).