بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
استقطب مسلسل (المهرج) أنظار المشاهدين وخلق حالة من الترقب والإثارة، طوال حلقاته العشر، التي خلت تماما من المط والتطويل، ومرت كطيف خاطف رغم الغموض الذي يعتريه، خاصة بعد عرض الحلقة الثامنة التي زادت من غموض الأحداث حول جريمة القتل التي باتت محور القصة.
نعم الحلقة الثامنة من مسلسل (المهرج) تحديدا سلطت الضوء على مقتل (طالب) في ظروف غامضة، مع تزايد الشكوك حول الشخصيات الرئيسية، أبرز المتهمين تشمل (رشا) التي لعبت دورها الفنانة (أمل بشوشة) بحرفية عالية جدا – كما عهدناها – ومن ثم استطاعت أن تعيدها ممثلة قوية إلى الواجهة، بعد فترة غياب ليست بالقصيرة.
وزوجها الإعلامي الشهير (خليل) الذي يجسده الفنان (خالد القيش) بقدرة كبيرة على تقمص الشخصية والاندماج في الدور، كذلك، المحامي (منصور)، والذي يؤدي دوره الفنان (باسم ياخور)، الذي أدى دوره بأفضل ما يكون على مستوى الكوميديا والتراجيدا بحيث حاز على إشادات كبيرة من الجمهور بفضل أدائه المقنع والغامض.
كان السؤال الأول الذي سألته لنفسي بعد أن أنهيت مشاهدة مسلسل (المهرج): هل فعلا كانت نهاية متوقعة؟، صحيح أنني قرأت آراء كثيرة حول العمل، وتتبعت مراجعات متعددة، معظمها كان يشعر بخيبة الأمل من النهاية التي وصفها بـ (المتوقعة).
وهو ما لم أشعر به على الإطلاق، وأظن أن الجمهور يشاركني الرأي، لكن، وبما أنني لن أسير وفقا لمقولة (الأمور بخواتيمها)، فلم أركز على النهاية طوال فترة المشاهدة بشغف، لربما لأن هناك تسع حلقات تسبق الحلقة الأخيرة تجعل من المهم الحديث عنها أيضا.
ودعوني أعترف بداية أن القصص المتعددة في مسلسل (المهرج) كانت حبكتها الدرامية متقنة بشكل جيد، وتبشر بنمط واعد لمسلسلات الجريمة أو المسلسلات البوليسية، والتي لا نجدها كثيرا في الدراما العربية.
خصوصا في الوقت الذي تطغى فيه الأعمال المعربة على الإنتاجات الرئيسية في سوريا ولبنان، قد يكون الشكل العام لهذا النوع من المسلسلات متشابها مع أعمال من مناطق جغرافية أخرى، ولكن أليست هذه هي الجريمة؟.. موحدة الشكل والظروف والنتيجة في أي مكان في العالم؟، لكن الوحيدة التي أبدت (أمل بوشوشة) تفوقا من حيث لغة الجسد.
إيماءات وحركات (أمل بوشوشة)
جاءت إيماءات وحركات (أمل بوشوشة) في (المهرج) لتعيدنا إلى أجواء تحفتها الدرامية الأولى (ذاكرة الجسد)، حيث لم تفقد رشاقتها المعهودة ووجهها المعبر بقسماته القاسية أحيانا والناعمة في آحايين أخرى، خاصة وهى ترقص على أنغام (أبو) رقصة تراجيديا تذكرنا بسعاد حسني في أغنية (بانو بانو) من فيلم (شفيقة ومتولي)، وهى تتقلب على أوجاعها.
ربما كانت رقصة قصيرة، لكنها عكست حالة التخبط والكآبة اللتين عايشتهما (رشا) وهى حائرة بين زوجها الخائن وعيشقها المجنون (طالب)، الذي جسده (إبراهيم الشيخ) بطريقة زورباية تحمل قدر من الجنون واللامعقول، لكنها الحتمية الدرامية التي صنعتها (رشا شربتجي) أحكمت اللعبة وعبرت عن الاضطراب النفسي الذي يعانيه.
ولعل أكثر ما أعجبني في (المهرج) تلك الجرعة من الكوميديا في ثنايا أحداث تتسم بالحركة والغموض الذي اكتنف الحلقات المفعمة بالإثارة والتشويق، خصوصا بين شخصيتي (منصور/ باسم ياخور) وزوجته (فدوى) التي جسدتها (ديما الجندي) بعفوية وتلقائية ملفتة، ومع ذلك كانت بالقدر المناسب لطبيعة الأحداث الساخنة.
هذه الجرعة الكوميدية لم تؤثر سلبا على أحداث (المهرج) الدرامية المتسارعة، كما أن شخصية (منصور) أعادت إلى الأذهان بدايات (باسم ياخور) في الكوميديا من خلال مسلسلات مثل (عيلة ست نجوم)، وغيرها من أعمال على براعته في اللون الكوميدي.
إذ تمكن من خلال هذه الشخصية من رسم صورة مختلفة عن الصورة النمطية للمحامي، والتي عادة ما نراها في المسلسلات العربية؛ ذلك الشخص الأنيق، الهادئ، المستمع الجيد، وفي معظم الأحيان يبدو ذلك الوسيم بالطبع الذي يمشي عادة في خيلاء مستعرضا جسده الممشوق.
وهذه ليست بأي شكل من الأشكال إشارة إلى الأداء المذهل والحضور المحبب للنجم الأردني (إياد نصار) في مسلسل (مفترق طرق)، رغم اختلاف الأحداث التي حملت نوعا آخر من الإثارة في تلك المسلسلات التي يكتنفها الغموض، وهى في نفس الوقت مطعمة بجرعة رومانسية.
وأرى أنه على العكس تماما فإن (المهرج) نأي بنفسه تماما عن الحديث عن الشخصيات النمطية، وهى ملاحظة عامة على جميع المسلسلات العربية في السنوات الأخيرة، أنها لم تعد تدفع المشاهد للتعاطف معها أو حتى تذكرها لسنوات قادمة، جراء ذلك الترهل والعشوائية التي تحظى بها تلك الأعمال المهترئة.
الحدث الأهم وليست الشخصية
لقد باتت شخصيات المسلسلات في السنوات الأخيرة شخصيات بلاستيكية ليس فيه روح المغامرة، لا نتذكر منها إلا ما ندر، لكن (المهرج) يختلف عن غيره؛ فسواء كان (طالب)، الذي قتل، أو حتى الشخصيات الأخرى التي نعتقد أنها قتلت، تتركنا بلا أي شعور تجاهها.
قد يقول البعض أن (المهرج) مسلسل جريمة، فالحدث هو الأهم وليست الشخصية، قد لا يكون هذا الرأي دقيقا، إذ أننا شعرنا ببعض الارتباط بشخصية (منصور)، برغم أنها لا زالت بعيدة بعض الشيء عنا، لكنها في نفس الوقت تبدو وكأنها شخصية رسمت بريشة مختلفة عن باقي الشخصيات، أو أن أداءها بذل فيه جهد أكبر من باقي الشخصيات.
أبرز ما لفت نظري عودة (نضال نجم) إلى الشاشة بعد وقت من الغياب، ولكن تبقى السلبية الوحيدة في شخصيته، أنه لم يمسك أو يجلس على مكتب يمارس الكتابة في مشهد واحد، علما بأن للكاتب وهج خاص به يجعل شخصيته متفردة في أحداث تتسم بالإثارة.
ولكن لم أشعر بذلك أبدا في شخصية (أكثم)، ولم يظهر منه إلا شابا طائشا مضطربا وخائفا طوال الوقت يبحث عن فرصة حب، وقد يكون انتقاما في وجهة نظر أخرى، سواء من زوج (رشا) أو حبيبها المجنون (طالب) الذي سببا لها كثير من المشكلات التي نالت من سمعتها وسببت لها كثير من الأرق.
ويبدو ملحوظا أن الأحداث في النهاية تسارعت بشكل لم يعد منطقيا، وكأننا نريد زيادة الغموض غموضا، المجرم اشترى سكينا طبق الأصل عن سكين الجريمة، تذهب الشرطة لتبحث في جميع المحال التي تبيع الأدوات المنزلية في المدينة، وفعلا تجده!
أحداث كثيرة مرت خلال المسلسل لم تكن منطقية، لكن يمكن التغاضي عنها لحساب الأداء الجيد، خاصة (غزوان الصفدي) في دور المحقق، وكذلك (عدنان أبو الشامات) في شخصية (سجيع) صاحب النفوذ القوي الذي يسمح بأي أحد، حتى ولو كانت زوجته صغيرة السن التي خانته مع (خليل).
أبرز المسلسلات الموسم
مسلسل (المهرج)، من وجهة نظري الشخصية يعتبر أحد أبرز المسلسلات التي لاقت اهتماما كبيرا منذ لحظة عرضه، حتى الوصول إلى خط نهايته التي كشفت الغموض الذي طال الحلقات العشر.
مع بداية عرض حلقاته الأولى، كان مسلسل (المهرج) في دائرة الضوء بفضل موضوعه المشوق والأحداث التي تخللتها الألغاز والتشويق، بالإضافة إلى تقديمه قصة جريمة معقدة من الصعب فك طلاسمها، ومع قرب عرض الحلقة الأخيرة، ازدادت التساؤلات حول من هو القاتل، وهل ستأخذ نهاية المسلسل منعطفا غير متوقع؟
مع تقدم الأحداث في مسلسل (المهرج)، بدأت الجماهير تطرح نظريات متعددة حول القاتل، وركزت كثير من الآراء على شخصية (طالب) حيث اعتقد البعض أن القاتل هو (طالب) نفسه الذي دبر تفاصيل الجريمة ليجعلها تبدو وكأنها انتحار.
ومع ذلك لم يظهر أي دليل يدعم هذا الاعتقاد، مما جعل ملامح الجريمة تظل غامضة، خاصة مع عدم وجود أي إثبات حاسم يعزز هذه الفرضية.
الملفت من خلال المتابعة اليومية لمسلسل (المهرج) أنه درات الكثير من النقاشات بين متابعين المسلسل حول ما إذا كان (طالب) هو الضحية التي راح ضحيتها بفعل جريمة معقدة أم أن المجرم ما زال طليقا لم يكشف عنه أحد.
وعلى أية حال فإن الجريمة كانت محكمة بحيث لا يمكن الكشف عن القاتل بسهولة، وهو مالم يتوقعه البعض حتى يتم الكشف عن مفاجأة كبيرة تجعل من نهاية مسلسل (المهرج) غير متوقعة.
ومع تقدم الأحداث، بدأنا نرى أن كل شخصية في المسلسل تحمل دوافع خفية تجعلها مشتبها بها، لقد كانت هذه الحلقات بمثابة رحلة اسكتشاف لمواقف وأسرار قد تكون قد تخفى عن عين المشاهد، ومن هنا ظهر قدرة المخرج (رشا شربتجي) في تقديم الألغاز وتوظيف الفنانين بشكل جيد ربما جعل من المسلسل واحدا من أكثر الأعمال الدرامية إثارة في الموسم.
ظني أن مسلسل (المهرج) يعد واحدا من أبرز المسلسلات في الموسم الشتوي الحالي، وفي النهاية، سيظل مسلسل (المهرج) علامة مميزة في الدراما السورية والعربية، التي استطاعت أن تحافظ على إثارة المتابعين طوال حلقاته، وأن تقدم لهم عملا مليئا بالتشويق والمفاجآت.
ولهذا أطلق الجمهور العنان لتخميناته حول هوية القاتل، وتناولت صفحات التواصل الاجتماعي العديد من النظريات والتحليلات حول أحداث المسلسل، ومع كل حلقة جديدة تنهار هذه النظريات وتظهر حقائق جديدة تغير مجرى الأحداث بشكل جذري.
وقد أعرب الجمهور عن إعجابه بأداء الممثلين خاصة (أمل بوشوشة وخالد القيش وباسم ياخور)، وهم الذين قدموا أداء متميزا وأقنعوا الجمهور بواقعية شخصياتهم، كما أثنوا على الإخراج المتميز للمسلسل والذي ساعد في خلق أجواء من التشويق والإثارة.