رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: (الدراما السورية) في امتحان ما بعد القمع

(ابتسم أيها الجنرال) .. نموذج للأعمال التي تمتعت بالجرأة

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

يتطلع الكثيرون هذه الأيام الى سوريا ما بين متفائل بحدوث نهضة حقيقية في الحياة بشكل عام وفي الدراما خصوصا، وبين متشائم من نوايا الحكام الجدد اصحاب النزعة السلفية تجاه الدراما السورية.

الحقيقة أن (الدراما السورية) التي استطاعت طوال العقود الثلاثة الماضية أن تقدم نفسها كواحدة من أهم أسلحة القوة الناعمة السورية، تقف الآن في حيرة من أمرها تجاه الأوضاع الجديدة وتعامل مبدعي الدراما معها.

يتطلع بعض صناع (الدراما السورية) الى سقف الحرية الذي سوف يسمح به النظام الجديد بقيادة (أحمد الشرع)، وهل سيفرض قيودا سياسية حديدية مثلما اعتاد (بشار الأسد) أن يفعل لمنع المبدعين من مناقشة أي قضايا حقيقية تخص المجتمع السوري طوال أكثر من عقدين؟!

كذلك يترقب الكثيرون موقف المبدعين السوريين في الفترة المقبلة وما إذا كانوا يملكون النية والجرأة للكفاح من أجل انتزاع حق رفع سقف الحرية في (الدراما السورية) من النظام الجديد.

أم أنهم سوف يسيرون في نفس الطريق الذي سلكه قبلهم مبدعون مصريون عقب إزاحة نظام الرئيس الراحل (مبارك) ثم إزاحة حكم (الإخوان)، حين لجاوا إلى طريقة براجماتية لمغازلة قادة العهد الجديد، وفي نفس الوقت تحاول الضحك على ذقون المتابعين للدراما.

المعنى المقصود هو تقديم أعمال تبدو في ظاهرها جريئة ترفع سقف النقاش حول الواقع السوري، لكنها في حقيقة الأمر ليست سوى محاولة لتجريم النظام الساقط ومغازلة النظام الناجح الحالي.

حدث هذا في مصر حين انهالت الأعمال الدرامية بعد سقوط نظام (مبارك) تندد بنظامه وممارسات الأجهزة الأمنية في عهده في محاولة لمد جسور الود مع جماعة الإخوان التي كانت بدأت تنسج خيوطها على مفاصل السياسة في مصر وقتها، ثم اتجه نفس هؤلاء لتقديم أعمال تندد بحكم الإخوان وتبرز جرائمهم بعد نجاح ثورة 30 يونيه في إزاحته.

كيف يمكن تصنيف المسلسل الذي تعتزم شركة (ميتافورا) على انتاجه باسم (صيدنايا)

(صيدنايا).. السجن المرعب

ولا اعرف كيف يمكن تصنيف المسلسل الذي تعتزم شركة (ميتافورا) على انتاجه باسم (صيدنايا) وهو اسم السجن المرعب الذي استقر فيه كل من جرؤ على ذكر بشار بسوء، وهل سيكتفي بإدانة نظام بشار على جرائمه بحق الشعب السوري، أم يتحلى بالجراة لمناقشة الأوضاع الحالية في سوريا.

سبب الحيرة أن الشركة نفسها قدمت واحد من أهم وأجرا المسلسلات في تاريخ الدراما السورية وهو (ابتسم ايها الجنرال) في عام 2023 والذي تناولت فيه قصة رئيس عربي يتورط أفراد أسرته في صراعات داخلية مميتة بسبب خلافات على السلطة والنفوذ.

حيث تبدأ القصة بتسريب فضيحة أخلاقية تتعلق بشقيق الرئيس، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المتسارعة التي تكشف الفساد والقمع داخل النظام، فيما اعتبر أقسى انتقاد مبطن لبشار الأسد ونظامه.

لكنني أخشى في الحقيقة أن يكون الهدف من مسلسل (صيدنايا) تكريس ذكريات الشعب المرعبة تجاه النظام البائد ما يجعله ضمنيا طريقة خبيثة لترويج النظام الجديد بين السوريين لانه خلصهم من جرائم الأسد.

وتواجه (الدراما السورية) حاليا امتحان التحول من الأعمال التاريخية الحافلة بالاسقاطات والرمزية إلى أعمال تتحلى بالجرأة في مناقشة وربما انتقاد الواقع والممارسات الحالية، وهو امتحات عسير دون شك، خاصة بعدما استقر أغلب المخرجين والكتاب على الهروب من مواجهة عنف النظام باللجوء الى الدراما التاريخية.

وفي الأعمال الأكثر شهرة مثل (باب الحارة، ليالي الصالحية) وغيرها لم يكن الحاضر السوري مطروحا إلا عبر الإسقاطات التي راهن المبدعون السوريون على أن ضيق أفق رجال الأسد ومحدودية ذكائهم سيمنعهم من التقاط الرابط بين الإسقاط والواقع.

الفنان السوري (جمال سليمان)

مستقبل الدراما السورية

قد أكون مبالغا في التشاؤم لكنني أصارحكم بأنني لا أشعر بالكثير من التفاءل تجاه مستقبل الدراما السورية ولا أي دراما عربية، لأن دروس التاريخ تقول أن الهم الأول لاغلب المنخرطين فيها مد حبال المودة مع السلطة القائمة ورجالها، طلبا للنفوذ والتميز من جهة الممثلين خصوصا وربما بعض المخرجين والكتاب. 

خذ مثلا مسارعة الفنان السوري (جمال سليمان) في مختلف المناسبات لتبرير قرارات (الجولاني) خصوصا مد الفترة الانتقالية إلى 3 سنوات، هل يمكن أن يكون لها تفسير سوى التزلف للنظام الجديد؟!

ألم يكن الأجدر بسليمان وغيره من الفنانين مطالبة النظام الجديد بإزالة الحواجز والقيود عن (الدراما السورية) كخطوة أساسية لإرساء ثقافة الديمقراطية الغائبة منذ عقود.

شركات الإنتاج بدورها تبحث عن تعظيم الثروة وتحقيق الربح من أي عمل تنتجه بعيدا عن الشعارات، ولعلنا نتذكر في مصر أن معظم الأعمال الجادة تكفل فنانون مؤمنون برسالى الفن بتمويلها من جيوبهم الخاصة، وأتذكر هنا فيلم ناجي العلي الذي انتجه الفنان الراحل (نور الشريف) وخسر بسببه الكثير من ماله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.