بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
بعد أيام قلائل في معتقل (طرة) السياسي طالعت فيها العديد من الوجوه و عايشت احداثا تتوالى.. قررت أن أراقب كل ما أستطيع مراقبته.. و أن أختزن بداخلي كل ما أستطيع اختزانه..
راقبت الجميع بكاميرا حرارية تخترق ما تحت الجلد لتمسح أعمق أعماق كل شخص.. أعدهم ليكون مسرحهم الجامع ديوان شعري واحد.. بالفعل.. استطعت أن أحقق ذلك فيما بعد في ديواني.. وجوه من المعتقل..
في مناقشاتي مع صديقي الأوحد (محمد عبد الواحد) كاتب القصة.. قال لي: قرأت علي صفحتك.. بعض الحلقات التي كتبتها عن فتره المعتقل في (طرة).. فهل هناك جديد؟..
إذا كانت الأحداث ما زالت عالقة في ذهنك فلماذا لا تكتبها للتاريخ خصوصا أنك تملك أسلوبا مميزا في السرد؟.. أخبرته أن الجديد متراكم في أركان الذاكرة.. وفي ظلمة البئر العميق للعقل الباطن.. وأن الأحداث مازالت تتفاعل في الأعماق.. أعايشها باستمرار كأنها حدثت بالأمس.. لكنني غير متحمس لإكمال ما كتبته..
أقنعني المبدع (محمد عبد الواحد).. أن ما بداخلي يعتبر سيرة ذاتيه لبلد.. ومن حق الأجيال القادمة أن تطلع على أسرارها .. خصوصا و أنني عايشت أسوا فترات معتقل السجن الحربي.. ومعتقل القلعة السياسي.. ومعتقل (طرة) السياسي..
كنت أحاول الهروب بكل الطرق من الانزلاق متشبثا بحبل والهبوط الى ظلمة بئر الذكريات.. وأن أوقظ الأشباح في مكامنها.. و قد ينقطع بى الحبل لأسقط في غيابات الجب ولا أجد من السيارة من يرمى إلى بحبل ..
ظل الأديب (محمد عبد الواحد) يطاردني حتى كتبت في ضيق الحلقة الأولى من حلقات المعتقل خاصة في (طرة).. أرهقني نفسيا.. حواسى تنسحب من الحاضر وتعود لماضيها..
الناقد الفني أحمد السماحي
يطفح على اللسان طعم سوس الفول.. تتصاعد إلى الأنف رائحة الخبيزة.. وخز الإهانات الميري بصوت خشن تحت شوارب كثة.. وحتى تناوب ضراط المساجين أثناء النوم يتردد في جنبات جمجتى.. ما زلت أعانى إرهاق المعايشة وكأنني نفذت حكما بإعادة هذه الدورة الزمنية مرة أخرى..
شجعني أيضا على هذه الخطوة الأديب الرائع والصحفي بالأهرام الناقد الفني المبدع دائما الأستاذ أحمد السماحي على هذه الخطوة.. بدعوته نشر حلقات هذه السيرة على صفحات بوابته الإكترونيه ذات الانتشار الواسع (شهريار النجوم)..
من رحم المعاناة فجأة وقعت في عشق الكتابة عن هذه الفترة.. جذبتنى الشخصيات وكأنها استردتنى مرة أخرى.. أصبحت أرى نفسى من وراء زجاج مضبب.. أسافر لنفسى عبر الزمن قادما لها من المستقبل بالخبر اليقين.. أطمئنها بين جنبات المعتقلات بأن لهذه الفترة نهاية..
أرسخ ما تزلزل في الوجدان داعيا بنفسى للتماسك.. اندمجت في كتابة عشرات الحلقات.. أعددتها للنشر في كتاب جامع.. كنت أجلس وحيدا في توتر بالغ أثر على حالة قلبى الصحية وزادها تفاقما وأنا استجمع شتات الأفكار.. أستدعي الأحداث الماضية..
(الدنيا هيّ المشنقة)
بعثت من جديد مئات الشخصيات المشهور منها والمهمش والتي قابلتها في داخل أسوار المعتقلات وأنا أحمل على كاهلى أحمال 18 تهمة أنا بريء منهم جميعا.. كانت الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هي أنني أصدرت ديواني الأول (الدنيا هيّ المشنقة).. وقرأت بعضا منه في ندوات عامة.. الغريبة أن الشخصيات المهمشة كان لها البطولة المطلقة عندي.. وكان لحكاياتهم العجب ..
و
ظابط أمن الدولة
كلب الكلاب هبشنى
خربشنى من عيالى
جيت اكتب شِعر.. حاشنى
النطع أبو كرش عالى
………………………..
يا عبد الله.. يا (دُورق)
متغطى بالقذارة
لو شفت وزير تِسُورق
وبتعشق الزفارة
………………………..
قرداتي.. مطبطباتي
عايش جوه السفوح
ع البدلة مريلاتى
وما كانش فيه طموح
………………………..
عريت مصر الحبيبة
وزرعت شوك نتانة
يا أحقر الديابة يا ماضغ اللبانة
………………………..
من حارة العوالم
خرجت زي فيل
قالوا عليك مسالم
لكنك (عزرائيل)
………………………..
تمضى على أى حاجة
تشطب على الأسامي
(الإمضا) حتى عوجة
يا بو الشكل الهلامي
………………………..
منفوخ على إيه يا بايل
على سلم الوزارة
تنقع جسمك فى سايل
تخرج برميل قذارة
………………………..
خروف بصوف.. مربرب
بيرجرج البزاز
يا كلب الليل يا أجرب
يا لاحس فى القزاز
………………………..
يا (عِرة) لينا برة
يا (سبه) لينا جوه
خارج من ألف جرة
راجل فى شكل (حوا)
………………………..
خرتيت ساكن فى جسمك
والشكل شئ كويس
الظابط هو إسمك
والرب.. يبقي (رَيِّس)
………………………..
مغرور وكلب أجرب
قلبك حيوان وزايف
من بير الكدب تشرب
وكلامك كله هايف
………………………..
نفسياً.. إنت (سادي)
والعادي نقول جبان
شايل حقد الأعادي
وتساند اللى خان
………………………..
يا (أمن دولة) أعوج
يا خلقة فار دميمة
قدام الله بتعرج
والنيّة مش سليمة
………………………..
غول الغرور فى قلبك
والكُفر.. والدنائة
إبليس بيجري جنبك
يا قمة الرداءة
………………………..
على إيه بِتْعَلِّى صوتك
وبتضرب أى (سِيدْ)
مصر بتتمنى موتك
يا مبعد البعيد
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد