رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(حبيب العمر).. الفيلم الذي أنقذ (فريد الأطرش) من المقامرة وبنى مجده الفني والمادي

حقق فيلم (حبيب العمر) نجاحا فنيا وماديا ساحقا أثناء عرضه في سينما (رويال) بالقاهرة عام 1947
(يازهرة في خيالي) من الأغنيات الناجحة في الفيلم

كتب: أحمد السماحي

منذ نهاية الأربعينات وحتى منتصف الخمسينات كان عندما يقول أي نجم سينمائي أن فيلمه نجح، فإن السؤال التالي الذي كان يسمعه فورا من الوسط الفني إلى أي حد كان فيلمك ناجحا؟.. هل اقترب مثلا من نجاح فيلم (حبيب العمر) لفريد الأطرش؟!.

حيث حقق فيلم (حبيب العمر) نجاحا فنيا وماديا ساحقا أثناء عرضه في سينما (رويال) بالقاهرة عام 1947، وتكمن أهمية الفيلم في الأغنيات والاستعراضات التى تضمنها وكانت حدثا فنيا من حيث التجديد والتطوير.

من هذه الأغنيات أغنية (يا زهرة في خيالي) كلمات الشاعر الغنائي صالح جودت، وألحان (فريد الأطرش)، والتى اخترقت الحدود، ووصلت للعالمية، وغناها العديد من المطربيين العالميين.

وبعد شهور من عرض الفيلم، وفي حفل افتتاح سينما (ريفولي) في القاهرة في بداية عام 1948، قدم العازف العالمي الشهير (جيرالد شو) مقدمة أغنية (حبيب العمر) في بداية عزفه في حفل إفتتاح دار العرض.

كما أن فيلم (حبيب العمر) هو أول إنتاج للمطرب فريد الأطرش، وأول فيلم يجمعه بالفنانة (سامية جمال) التى كون معها ثنائيا فنيا من خلال عدة أفلام بعد ذلك هي (أحبك أنت، عفريته هانم، آخر كدبة، تعال سلم، ما تقولش لحد).

كان فيلم (حبيب العمر) هو الفيلم السادس في مشوار (فريد الأطرش)

كواليس (حبيب العمر)

كان فيلم (حبيب العمر) هو الفيلم السادس في مشوار (فريد الأطرش) بعد أفلام (انتصار الشباب، أحلام الشباب، شهر العسل، جمال ودلال، ما أقدرش).

 وقرر (فريد الأطرش) أن يخوض تجربة الإنتاج السينمائي لأول مرة، واجتمع بصديقه المخرج (بركات) ـ كما ذكر في مذكراته – وقال له أنني أريد أن أنزل إلى ميدان الإنتاج السينمائي.

 فقال له (بركات): وكيف تدبر المال وأنت تمر بضائقة مالية بعد أن خسرت كثيرا من خلال المراهنات على الخيل ومن لعب القمار، لدرجة أنك لا تستطيع دفع إيجار شقتك؟!

فقال له (الأطرش): أخذت اليوم بعض المشترين إلى حظيرة خيلي فثمنوها بأربعة آلاف جنيه، وغدا سأقبض الثمن وأوقع عقد البيع، وقد حز في نفسي أن أفرط فيها، ولكن الضرورة تتقدم على الهواية.

فقال له (بركات): وماذا تصنع أربعة آلاف جنية لإنتاج فيلم غنائي؟، فرد عليه الأطرش: عرضت سيارتي للبيع وبعتها فعلا بثمنمائة جنيه، وأستطيع أن أكمل هذا المجموع إلى خمسة آلاف جنيه أن أنا سجلت أسطوانة واحدة.

ورد عليه (بركات) قائلا: إنتاج أي فيلم غنائي لا يقل عن 30 ألف جنيه، فكيف تبدأ وأنت تملك خمسة آلاف فقط؟! فقال له الأطرش: اتفقت مع موزع الأفلام (عبدالرازق الجاعوني) أن يقرضني مبلغ عشرة آلاف جنية بضمان الفيلم.

فبدا الارتياح على وجه (بركات) وقال : أن نبدأ بنصف الميزانية هذا معقول.

وفجر(بركات) لصديقه (فريد الأطرش) أكثر من مفاجأة حيث قال له: وقد اتفقت لك مع (ستوديو الأهرام) على تقاضي جزء من إيجار الاستديو مقدما على أن يؤجل باقي الإيجار إلى ما بعد عرض الفيلم، أما أنا فلن أتقاضى منك قرشا إلا بعد سداد ديون الاستديو وعرض الفيلم.

قرر (فريد الأطرش) أن يخوض تجربة الإنتاج السينمائي لأول مرة،

فريد الأطرش و(دعاء الكروان)

بعد انتهاء مشكلة الإنتاج لم يعد متبقيا على بدء الفيلم سوى القصة، وكان كثير من النقاد يأخذ على أفلام (فريد الأطرش) ضعف عنصر القصة، وانتبه إلى هذا، لذلك قرر البحث عن قصة جيده لفيلمه السادس.

ووجد في قصة (دعاء الكروان) لعميد الأدب العربي طه حسين مبتغاه، لكن بعد قراءة القصة وجد المخرج (هنري بركات) طبقا لخط القصة الجاد والمأساوي، صعوبة إقحام الغناء والرقص في ثناياها.

مما جعل فريد الأطرش يعتذر عن تقديمها بعد أن دفع مبلغا ضخما، وهو 600 جنيه للدكتور (طه حسين)، وطلب (الأطرش) من صديقه الكاتب (بديع خيري) كتابة قصة تصلح لفيلم غنائي استعراضي، فقدم لهما (حبيب العمر).

تدور أحداث قصة فيلم (حبيب العمر) في إطار بسيط مليئ بالغناء والكوميديا

قصة (حبيب العمر)

تدور أحداث قصة فيلم (حبيب العمر) في إطار بسيط مليئ بالغناء والكوميديا، وبعض المواقف الدرامية حول (ممدوح/ فريد الأطرش) الذي يهوى الموسيقى والغناء ويجاهد مع مجموعة من أصدقائه الفنانيين (الزعتراني/ حسن فايق)، و(هليهلي/ إسماعيل ياسين).

و(برق/ سعيد أبوبكر) و(مرعش/ حسن كامل) و(النور/ حسن أبوزيد) و(توتة/ سامية جمال) لتقديم فنهم في بلدهم (المنصورة)، فلا يجدون من جمهور المنصورة سوى الاستهجان والإعراض، فيقررون النزول إلى القاهرة.

وبالفعل ينزل الجميع في شارع (محمد علي)، حيث يلتقون بالشيخ (عاشور/ محمد كمال المصري) صديق والد ممدوح، الذي يحتضن الجميع ويشاركهم مشقة البحث عن عمل، وتدور باقي الأحداث المليئة بالمفارقات، والتى تنتهي بالنجاح لهؤلاء الشباب.

بعد عرض فيلم (حبيب العمر) أشاد به عدد من كبار نجوم الفن والكتابة

إشادات بـ (حبيب العمر)

بعد عرض فيلم (حبيب العمر) أشاد به عدد من كبار نجوم الفن والكتابة، من هؤلاء السيدة روزاليوسف، الكاتب والشاعر كامل الشناوي، السيدة عزيزة أمير، والمخرج محمود ذوالفقار، والمخرج أحمد بدرخان والكاتب الصحفي مصطفى القشاش.

 فضلا عن كبار وجهاء وباشوات هذه الفترة، فقال سعادة الدكتور سليمان عزمي باشا أحد أشهر الأطباء المصريين: (فيلم حبيب العمر ممتاز من جميع نواحيه).

وقال معالي عبدالمجيد باشا صالح وزير الأشغال : (لم أر في حياتي فيلما أبدع من فيلم حبيب العمر)، أما عبدالسلام الشاذلي باشا العالم الزراعي الجليل، ومؤسس كلية زراعة الإسكندرية والذي كان يحظى بمكانة كبيرة بين العلماء فقال : (بذل في هذا الفيلم أقصى الجهود ليكون فيلما عظيما وجاء كذلك).

نجح الأستاذ (فريد) في جعل فيلمه هذا فخر للموسيقى الشرقية بالألحان الجميلة

نقد فيلم (حبيب العمر)

يوم 20 مارس 1947 كتب ناقد مجلة (الصباح) نقد لفيلم (حبيب العمر) جاء فيه الآتي: (بدأت سينما رويال بالقاهرة من يوم الاثنين الماضي بعرض باكورة إنتاج الموسيقار البارع فريد الأطرش (حبيب العمر).

وتولى إخراج هذا الفيلم المخرج المتفنن الأستاذ (بركات)، فأبدع وابتكر، وجعل الفيلم من بدايته إلى نهايته موضع إعجاب الناس وسرورهم، وقام بتصوير الفيلم المصور البارع الأستاذ (ؤ)، فأفرغ كل فنه في أن يكون هذا الفيلم آية ناطقة فكان له ما أراد.

واستطاع أن يجعل مناظر ومشاهد هذا الفيلم عبارة عن لوحات فنية خالدة، وأراد الأستاذ (فريد الأطرش) أن يجعل هذا الفيلم أبرز عنوان على أن الموسيقى الشرقية عندما تسيطر على الفيلم ستسيطر في الوقت نفسه على حواس المتفرج الشرقي، فتضاعف إعجابه.

ونجح الأستاذ (فريد) في جعل فيلمه هذا فخر للموسيقى الشرقية بالألحان الجميلة التى وضعها لأغانيه، ولهذا يبتهج المتفرج، عندما يسمع فريد الأطرش يغني في هذا الفيلم.

وتردد ألحانه فرقة من أصحاب الأصوات الجميلة تصاحبها موسيقى شرقية ترتاح لها الأذن المصرية لأنها تطابق الذوق المصري.

أما (سامية جمال) في هذا الفيلم فسيطل اسمها مرددا على كل لسان إعجابا بها، ففي كل مشهد من المشاهد التى رقصت فيها بالفيلم كانت آية في الفن، حتى ليخيل للناس عندما تظهر في أي مشهد أن يستبقوا هذا المشهد لجمال رقصاتها فيه.

فإذا بالمشهد الثاني أبدع، والمشهد الثالث أروع، وهكذا تنتقل (سامية جمال) من نجاح إلى نجاح في هذا الفيلم.

ونعود إلى المخرج (بركات) لنقول أن من أحدث ابتطاراته أنه استغل المجموعة الظريفة، التى اشتركت في تمثيل هذا الفيلم فقسم أفرادها على أجزاء الفيلم.

فالجمهور بينما هو يستمع إلى أغاني بطل الفيلم (فريد الأطرش) ويعجب بها، إذا بسامية جمال تلفت أنظار الجمهور برقصاتها البارعة، كأنها تقول للجميع: (نحن هنا).

ثم يبرز إلى الميدان (إسماعيل يس) بخفة روحه، فيأخذ المتفرجين إلى صفه بعض الوقت، ثم يبرز بعده محمد كمال المصري (شرفنطح)، فحسن كامل، ثم الكوميدي المدهش حسن فائق.

وهكذا يتضاعف سرور الناس بهذا الفيلم، الذي يجمع بين الغناء الشرقي والموسيقى الشرقية والرقص الشرقي، والفكاهة الشرقية من مجموعة كلها من أبطال السينما في الشرق.

وسنعود إلى الفيلم لنشر ملاحظاتنا الفنية على بعض المواقف والمشاهد، ونكتفي الآن بأن نهنئ الأستاذ فريد الأطرش بهذا التوفيق الذي حالفه في باكورة إنتاجه.

بطاقة فيلم (حبيب العمر)

إنتاج: أفلام فريد الأطرش

قصة وسيناريو وإخراج: هنري بركات

حوار: بديع خيري

مهندس المناظر: هاجوب أصلانيان

الماكياج: مصطفى إبراهيم

المونتاج: جلال مصطفى

تصوير: أحمد خورشيد

مساعدو الإخراج: يوسف معلوف، أحمد فتحي حسن، محمد علوان

الإكسسوار: نجيب خوري

تسجيل الأغاني والموسيقى: شارل فوسكلو

أخذت المناظر في ستديو الأهرام

الريجسير: فلاديمير

تأليف الأغاني: بيرم التونسي الذي كتب أغنيات (توكلنا على الله، أحبابنا يا عين، يهون عليك)، وكتب الشاعر صالح جودت أغنية (يا زهرة في خيالي)، وكتب الشاعر يوسف بدروس (قوليلي إيه).

موسيقي وألحان: فريد الأطرش.

بطولة ( فريد الأطرش، سامية جمال، محمد كمال المصري، حسن فائق، إسماعيل ياسين، سعيد أبوبكر، إلياس مؤدب، حسن كامل، محمد علوان، لولا صدقي، ثريا فخري).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.