محمد شمروخ يكتب: همتك يا أستاذ (أحمد المسلماني): متى يعود ماسبيرو؟!
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
ليست مهمة عسيرة فحسب، بل لعلها قد تقترب من حدود المستحيل!.
تلك هي مهمة الأستاذ (أحمد المسلماني) العسيرة تتحدى وتختبر همته بعدما حمل من بين مهامه، هموم ماسبيرو إثر قرار تعيينه رئيسا للهيئة الوطنية للإعلام قبل أقل من شهر حتى اليوم.
والآن يواجه الأستاذ (أحمد المسلماني) من المشكلات المتراكمة ما ينوء بالعصبة أولي القوة، ولكن قبل حل المعضلات المالية والفنية والإدارية وما شابه، فإن أهم وأول مهمة، هى أن تعود الدولة إلى ماسبيرو!
أما المهمة الثانية والمرتبطة بالأولى ترابط الحروف الأبجدية في الكلمة الواحدة، أن يعود ماسبيرو إلى الدولة!.
وهل تركت الدولة ماسبيرو؟!
سؤال لن تقنع إجابته أحداً من الناس، حتى يزور مبنى الإذاعة والتلفزيون بنفسه والذي كان يوماً أبرز معالم القاهرة بإطلالته الرائعة على النيل، لكى يرى الزائر الوضع المزرى الذي وصل إليه أشهر المبانى المعمارية الحديثة في مصر.
فقبل أن تخطو إلى الريسبشن، ستصدم أنفك روائح كريهة، أغلب الظن أنها نتاج سوء ما وصلت إليه شبكة مواسير الصرف الصحي في المبنى العملاق!
ثم ستشارك عيناك أنفك رغماً، لتصدقها برؤية آثار ذلك على الأرضيات والجدران.
وللحظة ما سوف تشك أن حاسة السمع لديك قد تعطلت لأن الصمت يطبق على الجميع، رجال الأمن الذين ينتشرون حول وداخل المبنى يحمل مشهدهم ذكريات سوداء منذ أن صار ماسبيرو مقصداً للمحتجين مع انفلات الأوضاع إثر أحداث 2011 وما بعدها.
حين حوله الناس إلى يد موجوعة للحكومة.. إنها إحداث ثقلت ذكرياتها على القلوب، لكن الوجوه مجللة بكآبتها حتى الآن، وكذلك موظفو الريسبشن وأمن المبنى الخاص واليأس والإحباط مرسوم على وجوههم.
كذلك كل من في المبنى من العاملين من كل الفئات بدءاً من عمال النظافة والبوفيهات وحتى أعلى القيادات في المبنى!
مشهد النيل الخالد
أما الريسبشن نفسه من أمام باب 4 الشهير، فقد بدا خلف القضبان الحديدية التى جرى زرعها حديثاً، كأنه مدخل سجن الاستقبال.. والعياذ بالله.
حتى مشهد النيل الخالد يبدو غريباً من وراء الزجاج والقضبان!
والآن أغلق كل حواسك عن استقبال إشارات التأثر لأنك لن تحتمل!
لكن أنت حر في أن تترك صوت (وديع الصافي) يدوى في فراغ حزنك: (دار يا دار يا دار).
بإمكانك أيضاً، أن تستدعى إمرؤ القيس بشحمه ولحمه وجروحه وقروحه لتنشد معه:
(أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ في العُصُرِ الخالي).
لقد كدت أشاركه البكاء، عندما ذكر أى أحد علامات ماسبيرو البارزة في عصوره الذهبية، أنه لم يمسك دموعه وبكى حزناً على ما عاينه من سوء في آخر زيارة له للمبنى مقرراً ألا يعود إليه مرة أخرى!
هذا أول ما يواجه الأستاذ (أحمد المسلماني) وأعضاء الهيئة الوطنية للإعلام مع الشروع في الخطى تجاه المبنى المهيب!
وهذا أيضاً أول علامات هجران الدولة لماسبيرو، أقصد الهجران العاطفي، تماماً مثل جفوة بين زوجين حبيببن تخاصما تحت سقف واحد!
نعم.. الدولة باقية في قوات الحراسة وفي النظام الإداري الحاكم للمبنى وفي تحويل الأموال من مستحقات متأخرة للعاملين المتلهفين لـ (ورورة) ماكينات سحب النقود في طرقة الدور الأرضى.
نعم.. الدولة موجودة في ماسبيرو، ولكنها غير (متواجدة) ولعلك يا عزيزي القارئ الكريم أدركت الفارق الدقيق ما بين الوجود والتواجد.. ولو بالحس.
(ما هو لازم تحس علشان تفهم).
فبعد ان جرى ما جرى في 2011 وتبعاته، قررت الدولة – وهذا حقها – ألا يكون مبنى الإذاعة والتلفزيون في قلب القاهرة، يداً موجوعة، ذلك لأن (الحكومة مالهاش إيد توجعها) وهذا حقها كى لا تقع تحت ضغط أى جهة تستهدف هذا الوجع.
لذلك تركت الدولة ماسبيرو ولو إلى حين.
اختيار (أحمد المسلماني)
لكن السؤال الذي يلح بقوة: هل أفلحت الدولة في إيجاد بديل عن ماسبيرو!
عموماً الواقع الإعلامى يؤكد أن هناك هوة سحيقة فيما بين الدولة كمصدر للإعلام وبين المواطن كمستقبل لهذا الإعلام.
وهنا نجد أن المواطن لا هو موجود ولا متواجد في وسائل إعلام الدولة وقرر هو أيضاً أن يهجرها كما هجرته ـ بكمالة الخصام – إلى قنوات أخرى تبث عبر أجهزة الدش أو الإنترنت تفعل فيه الأفاعيل!
ولعل اختيار (أحمد المسلماني) كان إشارة إيجابية لاستعادة تواجد الدولة في ماسبيرو ومن شأن هذا التواجد أن يعيد المواطن مرة أخرى.
أما عن الحالة المالية المزرية والتى يراها كثيرون معضلة، فيكفي أن نعرف أن ما أنفق على بدائل ماسبيرو التى هجرتها أجهزة الريموت كنترول كما هجرت قنوات ماسبيرو، سوى ما تعلق بالرياضة (وماسبيرو زمان) كان يمكن أن يحل (كل) مشاكل ماسبيرو.
بل ويعيد إليه البريق، فقط بشرط توافر الإرادة لدى الدولة، وتوفر القدرة لدى الأستاذ (أحمد المسلماني) وهيئة الإعلام.
(وبسبب معرفتى به عن قرب، فأنا أدرك أن القدرة متوفرة، بشرط التوافر!),
وهكذا ستعود الدولة إلى ماسبيرو!
يبقى إذن السؤال الآخر: متى سيعود ماسبيرو إلى الدولة؟!
(آآآه.. جالك الموت يا تارك الصلاة).
بيد أن الإجابة لابد من أن أختطفها من لسان الأستاذ الفنان الكبير الراحل (سعد الغزاوي) في نهاية البرنامج الإذاعى الشهير قال الفيلسوف، وهو يختم حواره مع الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز: (هذا حديث شرحه يطول وأنا الليلة مشغول!).
والآن ما دامت تدوى في ذاكرتك أصداء موسيقى البرنامج المأخوذة من مقدمة أغنية (الحب كله) فسوف يعود ماسبيرو!