رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هل ينجح (طارق نور) في استعادة هيبة الإعلام والفن؟!

تشكيل مجلس إدارة الشركة المتحدة الجديد برئاسة (طارف نور)

كتب: محمد حبوشة

لا أخفي تفاؤلي بتولي الإعلامي والإعلاني الكبير (طارق نور) بتوليه مسئولية (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) مؤخرا، وأرى أنه قرار صائب للغاية، فالرجل يتمتع بذكاء حاد في التعامل مع المواطن المصري على مستوى الإعلام والإعلان، ولكن هل ينجح في استعادة هيبة الإعلام والفن في مصر؟

الإجابة على هذا السؤال مرهونة بخطط (طارق نور)، ومن قبل استيعابه لميراث الشركة المتحدة السيء في العصف بكوارد مهنية حقيقية، تعلم الخلل الذي أصاب فنيات الإعلام وصناعة الدراما في مصر خلال السنوات العشر العجاف الماضية.

كتبت في 30 نوفمبر الماضي، مقالا هنا في هذه المنصة قلت فيه: (ظني أن ما يحدث في الكواليس الآن حول تعديل مسار منظومتي (الدراما) والإعلام يبشر بنتائج إيجابية سوف تنعكس على المشهد المرتبك منذ عشر سنوات ماضية.

سنوات ضرب فيها الفساد جذوره في بطن التربة المصرية التي كانت صالحة للانطلاق نحو آفاق أوسع في ظل عالم يموج بالتحولات الكبرى في صناعة الإعلام والفن باستخدام فروض العصر من التكنولوجيا.

ولولا تلك الطغمة الفاسدة من المسئولين عن المنظومتين اللتين كانتا تشكلان القوى الناعمة المصرية من ناحية، ومن ناحية أخرى تؤكد على الهوية، لما حدث كل هذا التراجع في فنون الإعلام والإعلان والفن في مصر.

أقول للإعلامي والإعلاني (طارق نور): نحن عانينا طوال العشر سنوات الماضية من ضيق الأفق وسد منابع الإبداع الحقيقي في (الدراما) والإعلام، عندما اعتمدنا اختيارات القيادات على ذوي القربة والمصاهرة.

فضلا عن تدني مستوى المهنية، وحالات الإقصاء العمدي مع سبق الإصرار والترصد، للكوادر والمهنيين الحقيقيين، لحساب شرازم لا تفهم ولا تعي رسالتي الفن والإعلام.

هناك بادرة أمل في الإصلاح تبدو في أول اجتماع لطارق نور

بادرة أمل حقيقية للإصلاح

حقيقة يا سيد (طارق نور) لقد ضقنا ذرعا في وجود بادرة أمل حقيقية لإصلاح منظومتي (الدراما) والإعلام، عندما تحكم شخص واحد – تم استبعاده من المشهد الحالي – وهو في الواقع لم يكن يدرك حقيقة الإعلام الفن والمصريين، عندما كان يدير الملف عن طريق تعليمات عبر جروب (الواتس آب) للقنوات وحتى الصحف والمواقع الإلكترونية.

وفي وجود (طارق نور) على رأس (المتحدة) يحدوني الأمل في تعديل مسار هذه الشركة التي امتلكت كل هذا الكم من القنوات والصحف ووسائل الإنتاج التي تتمثل في جمع الأخبار وبث الإعلانات وإنتاج الدراما، وكان من المفروض أن تقدم إعلام مهني، إعلام صادق، إعلام منتمي، تستغل الخبرات الموجودة.

ومن ثم فعلى (طارق نور) أن يسعى جاهدا في تقديم منتج إعلامي مصري تنافسي يقوى على استعادة الإعلام المصري القوى الناعمة، عكس ماحدث من مزيد من السيطرة، مزيدا من التقوقع، مزيدا من سوء وضعف المحتوى، وهو ما يحتاج إلى عقلية تعي وتفهم وتملك القدرة على تعويض المليارات المهدرة، ولهذا أهمس في أذن (طارق نور) بهذه المقترحات:

أولا: لاعتدال مشهد الإعلام المصري يجب مراجعة هذا الكم وليس الكيف من هذه القنوات وذلك بإعمال العقل، هل نحن بحاجة إليها أم لا؟، ومن ثم يتطلب الأمر مراجعة هذا الكم الضخم من القنوات على نحو يعيد تشكيل المشهد من جديد.

ثانيا: تقسيم هذه القنوات إلى شبكات متخصصة (شبكة إخبارية، شبكة عامة، شبكة للشباب، شبكة للتقنية، شبكة دينية)، أو بمعني أدق شبكات جديدة لم تغطيها المتحدة ولا الإعلام الرسمي أو الحكومي، فعلى سبيل المثال ليس لدينا حتى الآن قناة دينية تحمل صوت الأزهر، كما أنه ليس لدينا قناة تحمل صوت الشباب، ولا قناة للأقاليم وأطراف الوطن.

ثالثا: مطلوب وبشكل عاجل وملح تصنيف هذا الكم من القنوات إلى قنوات متخصصة لكل قناة منها هوية وهدف ورسالة ومحتوى جيد، وهذا ليس بعسير، بل هو متبع في كل وسائل الإعلام في العالم من حولنا، ويمكن نقل تجارب بعض الدول العربية في هذا الصدد.

رابعا: لابد أن تكون هناك خطط لإنتاج البرامج (سياسية، اجتماعية، ثقافية، فنية) بمواصفات قياسية، وإنتاج درامي حسب حاجة المجتمع بحيث يعبر عن مصرنا المعاصرة والقوية، وليس عشوائيا كما هو حادث الآن.

وذلك شريطة أن تكون هناك أكواد حقيقية وليست على شكلة أكواد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التي لم لم تتطبق بشكل عملي حتى الآن، بالإضافة إلى خطة لكل قناة أو شبكة متخصصة حسب تخصصها، بحيث أن يخدم جزء من هذا الإنتاج الخطة القومية للوطن.

التنوع هو مفتاح الأمل في التطوير

التنوع مفتاح التطوير

خامسا: تطوير الإعلام المصري يحتاج إلى هذا التصنيف الذي يخدم على السياحة والتنمية والبنية الأساسية، وهذا يشكل محتوى البرامج، أما الإنتاج الدرامي فيحتاج لخطة قومية قوية ومحمكة، تشمل مشاركة تنافية بين كل شركات الإنتاج الوطنية ولا ضير من مشاركة شركات عربية تعنى بجودة المنتج.

فمثلا: نحن بحاجة في موسم رمضان والمواسم الموازية لدراما تدعم الانتماء الحقيقي، وليس على شاكلة هدم القيم والسلوكيات التي تناقض القانون، دراما تدعم قضايا التعليم والذكاء الاصطناعي، دراما تعلي من قيم المرأة والطفل والشباب حتى ولو كان بأسلوب الأكشن والإثارة والتشويق.

بدلا من الأفكار الغارقة في السذاجة والغيبيات والميراث وغيرها من موبيقات الدرامية المصرية في الفترة الأخيرة، وذلك بخطة تترجم هذا المحتوى الدرامي بأسلوب يجعل من الخيال حقيقة واقعة على الأرض وتساهم في التأكيد على بنية أخلاقية قوية.

سادسا: نحن بحاجة الآن إلى فتح سوق الإعلان، وهذا من شأنه أن يضمن لها هذا العائد تجويد محتواها ومعداتها، وبهذا نكون قد وجدنا حلا للقنوات والإنتاج والمحتوى من عوائد تلك الإعلانات التي تتحول بدورها إلى قوة دفع معنوية ومادية لإصلاح دفة الإعلام المصري القوي والقادر على تحقيق طموحات الوطن.

سابعا: في مجال الأخبار التي تشكل العمود الفقري في الإعلام المصري، والتي كانت سوقا مفتوحا لمن يجري ويلهث للوصل إلى الاحترفية والمهنية، لكنها فجأة اقتصرت على  الشركة المتحدة وحدها تتحكم فيها على هواها.

وبهذا يمكننا تطوير العمل الإخباري بطريقة تضمن المصداقية وتحارب الشائعات التي تستغلها قنوات الإخوان وغيرها من قنوات تستهدف جهود الحكومة المصرية، ويضطر مجلس الوزراء لتكذيبها فيما بعد أن تكون قد أحدثت تشويشا أو إرباكا للمشهد السياسي.

ولعله يبدو معلوما للكافة أن القيود على الخبر أصبحت عملية شبه مستحيلة، والقيام بها يساعد على نشر الشائعات والبلبلة، ملف الإعلام له كود مهنى يعرفه من عملوا فيه مثل أى مهنة أخرى، وله كود سياسى يضعه النظام الحاكم وفق الدستور والقانون، وإذا وعينا هذا الواقع عندها يمكن أن نخرج من المعادلة الحالية لصالح معادلة جديدة تعيد إلى الإعلام المصرى حيويته وتأثيره.

تبقى الكوارد التي تعبت مصر في تعليمها هى حجر الزاوية

الكوادر هى حجر الزاوية

ثامنا: تبقى الكوارد التي تعبت مصر في تعليمها وتدريسها وتدريبها في خلال الـ 100 سنة الماضية هى حجر الزاوية في الإعلام المصري، ويبلغ قوامهم حوالي 110 ألف مازالوا يجلسون في البيوت.

تاسعا: لابد أن يقوم (طارق نور) بعقد لقاء أو عمل منتدى أو ندوة يتم من خلالها تسجيل أسمائهم ومهنهم وسابقة عملهم، ويعاد توزيع تلك الخبرات على هذه القنوات كل في تخصصه (الوثائقي، الأخبار، الأطفال، الدراما)، ومن هنا نشرك جميع الكوادر الإعلامية في مشهد الإعلام المصري.

وأقول لـ (طارق نور) في هذا الصدد: خدعوك فقالوا أن الساحة خاوية من المواهب والكفاءات الصحفية والإعلامية القادرة على قيادة الدفة والوصول لبر الأمان فى المؤسسات القومية الكبرى.

فقط هنالك كتائب للدمار الشامل تجثم على أنفاس الصحفيين والإعلاميين الحقيقيين فى قلب المشهد المرتبك، بفعل مجموعة من الجهلاء وعديمى الموهبة الذين يتحكمون فى مصائر طوابير الموهوبين الذين ينتمون إلى المهنة بشكل حقيقى، فقد هبوا علينا بليل أسود مثل الجراد الأحمر.

ولجأوا إلى الشللية واستعانوا بمن يخاصمون المهنة والمعرفة بأبسط قواعد العمل الصحفى، وراحوا ينكلون بكل من ينتمى للكفاءة والمهنية التى تصب فى مصلحة تراب هذا الوطن. 

وهم فى ذلك يرسخون لمقولة بعض المغرضين بأن الدولة تريد إضعاف المؤسسات للسيطرة عليها، هكذا يهمسون الآن، ويرددون فى الدهاليز على استحياء تارة، وتارة يجاهرون فى إصرار غريب بجهلهم الذى ينم عن ضيق صدورهم، بينما الجدران العتيقة تئن بالوجع من فرط ضعفهم وعدم قدرتهم على الفرز الحقيقى.

عاشرا: لدي يقين راسخ أنه يمكننا الآن إنقاذ الإعلام المصري مع (طارق نور)، فقط إذا اعتمدنا على الصحفيين والإعلاميين الحقيقيين فى قلب المشهد المرتبك، أولئك الموهوبين الذين ينتمون إلى المهنة بشكل حقيقى ويتمتعون بالكفاءة والمهنية التى تصب فى مصلحة تراب هذا الوطن.

إن النار التى تستعر حاليا فى جسد صاحبة الجلالة والقنوات الفضائية تأتى للأسف من مستصغر الشرر – أقصد صغار المهنة ممن لم يتربوا فى كنف الكبار – وهو الذى ضرب البنية الأساسية لمهنة تضيع تارة بفعل التكنولوجيا، وتارة أخرى بفعل التفاصيل الصغيرة مثل ترديد مقولة (عدم وجود كفاءات حقيقية تستطيع تحمل المسئولية).

لابد من انتباه (طارق نور) لخطورة التحكم في (الدراما) المصرية

خطورة التحكم في (الدراما)

كتبت عديد المقالات عن خطورة التحكم في (الدراما) المصرية، وحصر الشركات الوطنية المنتجة في خانة ضيقة، حتى خرجت غالبية تلك الشركات من الصناعة بخفي حنين، لأنها كانت تعاني الأمرين في التعاقد على شاشات عرض للأسف أغلقت عليها المتحدة إنتاجها وحدها، وزيادة في الفساد قصرت منصة (وواتش إت) على إنتاجها وحدها.

ومن ثم لابد من انتباه (طارق نور) لحقيقة أوضاع (الدراما) والإعلام المصري المتردية، وذلك باعتدال المشهد على مستوى تفكيك هذا الكيان وعودة القنوات وشركات الإنتاج إلى سابق عهدها قبل عام 2016، وعودة ماسبيرو ودعم الصحف القومية فربما نلحق ركب التطور من خلال إشعال المنافسة الشريفة من جديد، فقد قتلنا الإبداع!

وأذكر الإعلامي والإعلاني الكبير (طارق نور)، أنه قال في حوار سابق له، عبر فيه عن آرائه حول علاقة الدولة بالإعلام في مصر، مشيرا إلى أن هناك حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين.

وأكد أن السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو نقص المعلومات والتخوف من حق المواطن في المعرفة، وشدد على أن الإعلام يجب أن يكون شريكا في اتخاذ القرارات الهامة وأن الدولة بحاجة إلى إشراك الإعلاميين في الأمور الهامة قبل اتخاذ القرارات الصعبة، وهذا سيجعل الإعلاميين قادرين على توصيل الرسالة بطريقة إيجابية.

كما أكد (طارق نور) على أن العلاقة بين الدولة والإعلام ليست دائما حربا، بل هي مسألة تفاهم مشترك، حيث يرى أن من مصلحة الدولة دعم الإعلام وتوفير الإمكانيات اللازمة له، لا سيما في ظل التطور السريع للمحتوى الإعلامي في العصر الرقمي.

وأضاف (طارق نور) أن الحديث عن هيمنة الدولة على الإعلام لا يعكس الواقع بشكل كامل، حيث إن بعض القنوات الخاصة هى من طلبت دعما ماليا من الدولة لمساعدتها في الاستمرار، وهذا الدعم لا يعنى بالضرورة هيمنة أو سيطرة.

وأخيرا أشدد على (طارق نور) من موقع مسئوليته كرئيس للمتحدة: على أن للوطن أهمية كبيرة في حياة الإنسان فهو رمز هويته وتاريخه وفخره وكرامته، فالوطن هو ذلك المكان الذي يوجد فيه حقوقه مثل حقه في الانتخاب وحق في الامتلاك وحقه في العيش الكريم وحقه في ممارسة شعائره الدينية وحقه في عاداته وموروثاته من أجداده.

بل وحقه في الاستقرار والأمن من خلال وجود حكومة أو سلطات تكون مهتمة به وبتوفير كل ما يحتاجه للحياة من غذاء وأمن وعلاج وغيرها من الاحتياجات الإنسانية المختلفة، وعلى رأسها حاجته الثقافية والفنية التي لا ينبغي أن تكون حكرا على فئة دون غيرها من سائر فئات المجتمع، ومن ثم ينبغي أن نكون شركاء جميعا في الفكر والإبداع من خلال التنوع بين الأفراد والشركات والمؤسسات.

ظني أنه إذا استطاع (طارق نور) أن يستوعب كل منغصات الإعلام والفن المصريين على نحو حرفي، وقام بوضع خطة ذكية – كما عهدناه – تعتمد الكفاءة والمهنية، حتما سينجح في استعادة ذلك البريق الذي كانت عليه القوى الناعمة المصرية يوم أن كانت تحسب لها الريادة في العالم العربي والمنطقة بأثرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.