بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
يحتاج الممثل (ممتهن مهنة التمثيل)، إلي (تدريب) خاص لكي يقوم بعمله التمثيلي، وقد وصل إلينا من مصر القديمة، إن عروضها المسرحية ، كانت منقسمة إلي نوعين، نوع يقدم داخل المعابد في مكان أعد خصيصا لتمثيل هذه العروض، ونوع آخر جوال كان يجوب المدن والقري المصرية ليقدم عروضه بها.
وبالطبع كان يقوم الممثلين والممثلات بـ (تدريب) خاص كي يقوموا بأداء الأدوار التي سوف يمثلها، وفي محاولة للتعرف على طرق التمثيل في مصر القديمة ، وماهية نوعية (تدريب) الممثل التي كان يقوم بها، في محاولة لاستنباطها مما وصل إلينا من عروض ونصوص مسرحية مصرية قديمة.
ونختار مسرحية (انتصار حورس) كنموذج أولي للتعرف على (تدريب) التمثيل التي أجرها الممثل، لكي يقوم بعمله.
وبداية ننوه أن في عصرنا الحالي ظهرت بعض الطرق لـ (تدريب) الممثل منها طريقة ستانسلافسكي ، وطريقة لي ستراسبرغ.. وغيرها من الطرق، ولكن سوف نلاحظ أن طريقة المصري قد تقترب من تلك الطرق أو تتعدها ، ونسوق مثال من مسرحية انتصار حورس:
مشهد البحيرة.. القارب
ما أسعد هذا اليوم ! يدي لديها السيطرة على رأسه!
لقد ألقيت على أبقار فرس النهر في مياه عمقه ثماني أذرع
لقد ألقيت حرابي على ثور مصري السفلي في مياه عمقها عشرين ذراعا
ونصل حربتي طولها أربع أذرع، وحبل طوله ستين ذراعا
وفي يدي رمح طوله ستة عشر ذراعا
وأنا شاب طولي ثمانية اذرع.
لقد ألقيت واقفا في حرب مغلي على ماء عشرين ذراعا.
لقد رميت بيدي اليمنى، وأرجحت بيدي اليسرى
كما يفعل رجل مستنقع جريء!
تدريب يقوم به الممثل
في هذا المشهد نستطيع استنباط نوعية الـ (تدريب) التي قام بها الممثل، لتمثيل هذه الشخصية، وبداية فقد تكلمنا في مقالات سابقة أن المسرح المصري القديم كان يقدم عروض، عن قوم من العماليق الذين عاشوا على أرض مصر، وعلموا المصريين الحضارة.
وفي هذا المشهد فأننا نجد أن حورس عملاق من العماليق، ولكن الذي يقوم بأداء هذا الدور ممثل عادي الطول، فكيف تمرن هذا الممثل على هذا الدور.. وهو لم يري ولم يشاهد العمالقة.
فكل ما نقل عنهم أقوال الكهنة فقط، وعلى الممثل في العرض أن يقدم تلك الشخصية، كما كانت في الماضي، ودعونا نتصور الطريقة التي انتهجها الممثل لأداء هذا الدور:
أولا : ذاكرة الممثل: يحدثنا ستانسلافسكي عن دور الذاكرة في الأداء التمثيلي، وكل من يمارس مهنة التمثيل مر على الذاكرة عنده، وهى الذاكرة الانفعالية، ولن نسهب على هذه الطريقة في الشرح فهي معروفة.
ولكن نركز هنا على الممثل المصري القديم في استخدام الذاكرة، فقد استخدم ذاكرته كمخزن لأحداث متخيلة وقعت في منطقة البراري (الدلتا) مستخدما خياله في تصور تلك الأحداث وكيفيه حدوثها، معتمدا على الإيهام النفسي لذاته بأنه يتشابه مع هؤلاء العماليق.
وقد قام بعمل تخيلي حسي، يفترض أنه عاشه بنفسه (عالم افتراضي) كي يصل لمرحلة الإيهام الخاصة به كممثل، وإذا لم يحدث هذا الإيهام النفسي للممثل لن يستطيع إيهام الجمهور بذلك، فهي عملية انعكاسية تقوم على الإيهام النفسي للممثل ينعكس أثرها على ذهن الجمهور.
مما يجعل ذهن الجمهور ينفتح، ويتخيل أو يشعر بأن الممثل الذي أمامه عملاق فعليا، ويدخل الجمهور في حالة العرض، ولهذا نجد أن الذاكرة عند الممثل المصري القديم تكون بمثابة مخزن (تخيلي.. عالم افتراضي)، يخرج إلي حيز الوجود أثناء القيام بالعرض المسرحي.
ومما ساعد الممثل المصري القديم في تخيل وتصور هذه الأجسام العملاقة، وجود تماثيل، وأعمدة، ومباني عملاقة بأرض مصر، مما أثري خياله عنها، كذلك المكان الذي يتم فيه هذا العرض به هذه الأشياء أيضا، فكل ما يحيط بالممثلين والجمهور، من تماثيل وجدران.. إلخ كبير حجم دال على العملقة.
التدريبات الجسمانية للممثل
هذا بالإضافة إلي التدريبات الجسمانية للممثل لهذا العرض من (تدريب) رياضي، تظهر صورة حور المحارب، القوي البنية، المفتول العضلات، بالإضافة إلى تدريبات الإبحار في القارب، فمن سوف يمثل هذه الشخصية في حاجة إلي (تدريب) بحرية، خاصة أن المشهد يتم في بحيرة صناعية داخل المعبد.
وهو (تدريب) ليس سهلا، يعتمد على اتزان الممثل في القارب أثناء تأديته المشهد واستخدامه الأسلحة في حالة الحرب، هذا بالإضافة إلى التدريبات الصوتية التي تمكن الممثل من استخدام طبقاته الصوتية بحيث تواكب الشخصية العملاقة، وتعبر عن حالات المعركة التي يمثلها الممثل.
وقد استخدم المؤلف في هذا المشهد الوصف التمثيلي لحجم الشخصية، وحجم الأسلحة، وعمق المياه التي تدور فيها المعركة، للمساعدة في عملية الإيهام النفسي للمثل حتى يتثنى للجمهور تخيلها ومعايشة العرض.
وبهذا يدخل الممثل والجمهور في حالة المعايشة الفعلية لأحداث سابقة، ولا توجد حواجز بينهما، ويمكن للجمهور التداخل مع العارضين (الممثلين) بانفعالاته الصوتية والإشارية، وهذا راجع لتحيز الجمهور لشخصية حور.
وهنا يكون العرض معتمدا على التأثير والتأثر بين الجمهور والممثل، فكلما انفعل ازداد الممثل في إثراء أدائه.
وهكذا نكون استنبطنا الطريقة التمثيلية عند الممثل في مصر القديمة، وتعرفنا على التدريبات التي يجريها، لكي يقوم بدوره أثناء العرض المسرحي، وننوه بأن المصري القديم، قد يكون اختار المعبد ، كمكان للعرض المسرحي، وأعد بداخله بحيرة، لمعايشة الأحداث الخاصة بهؤلاء العمالقة.
وهذا لأن كل ما في المكان كبير الحجم، ومناسب لحجم أجسامهم، ونشير مما سبق أن مصر من اوائل الدول في العالم التي ظهرت بها طرق تمثيل خاصة بالممثلين والممثلات، وسنحاول في المقالات القادمة توضيح هذا الطرق التمثيلية.