بقلم الكتب الصحفي: محمود حسونة
سقوط نظام بشار الأسد انعكس على (الفنانين السوريين)، أملاً لدى من كانوا يعارضونه، وألماً لدى الخائفين من القادم، واعتذاراً لدى النادمين على مواقفهم السابقة، وارتباكاً لدى التائهين بين الماضي والمستقبل.
النظام السوري الساقط لم يشرد فقط الملايين من أبناء شعبه الذين لجأوا إلى دول الجوار وإلى ما هو أبعد من جوار الجوار، ولكنه شرد أيضاً رموزاً من (الفنانين السوريين) هربوا خوفاً على حياتهم.
واختاروا نفي أنفسهم بأنفسهم بعيداً عن جغرافية الأرض التي تحولت بأفعال بشار الأسد وقبله بأفعال أبيه من أرض الإشعاع والنور والحضارة إلى أرض الخوف والظلام والتيه، إلى دول وجغرافيا أخرى يأمنون فيها على حياتهم ويمارسون فيها إنسانيتهم ويدافعون منها عن حقوقهم وحقوق شعبهم الذي احتمل ما لم يحتمله سواه.
احتمل 55 عاماً من القهر والذل والفقر وسلب حريته وإرادته وتحويله من شعب متعدد الثقافات والطوائف والديانات والمواقف والآراء إلى شعب مسلوب الإنسانية والحقوق.
مفروض عليه التصفيق لمن يقوده إلى الهاوية، يضطر فيه أحياناً الصديق للتجسس على على صديقه بل والأخ على أخيه، ويخشى فيه الإنسان على نفسه من أقرب الناس إليه.
(الفنانين السوريين) بعضهم هرب من سوريا، غاب عن أهله وناسه سنوات وسنوات، بعد أن انحاز لثورة اندلعت في 2011 تطالب بالحق في الحياة، هرب بموهبته لاجئاً إلى هذه الدولة أو تلك، المهم أن يجد مكاناً يمارس من خلاله القليل من فنه، ويتيح له فرصة الاستمرار في التواصل مع جمهوره.
حتى تتحقق الشفافية
نجوم سوريون في مصر ونجوم في تركيا ونجوم في الإمارات ونجوم في ألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، هربوا بعد أن ضاق عليهم الوطن بفضل ممارسات نظامه التي قتلت مواهب ومبدعين ومفكرين.
ولم يشفع لهم كونهم رموزاً ينبغي أن يتباهى بهم النظام ويفسح لهم مجال التعبير عن المعلوم والمستور حتى تتحقق الشفافية ويسود العدل ويكبر الوطن ويصبح متسعاً لكل أبنائه محتضناً لكل مواهبهم.
اليوم يعيش (الفنانين السوريين) الذين هربوا من سوريا قبل سنوات حالة من الفرح المستحق، فرحون بانتصار الارادة الشعبية وإزاحة الكابوس، فرحون بعد أن أثبتت الأيام أنهم كانوا على حق وأن لديهم القدرة على استقراء المستقبل.
فرحون بأنهم سيعودون إلى أهلهم وذويهم بعد سنوات من الهروب، آملون في مستقبل بلا خوف لسوريا والسوريين، ولذا فقد بادروا للتعبير عبر وسائل التواصل والاتصال عن فرحتهم.
جمال سليمان أكد أن (سوريا اليوم حرة والشعب السوري هزم نظام الاستبداد)، (مكسيم خليل) اعتبر سقوط النظام انتصار للشعب السوري، وأن المستقبل سيكون أكثر حرية، (أصالة نصري) عادت ترى سوريا حلوة (سورية الحلوة صارت حرة، وستُبنى من جديد بأيادٍ لا تفكر بالانتقام، بل ترى مستقبلاً أفضل).
(كندة علوش) غردت : (اليوم نبدأ معًا العمل على سورية الحرة، سورية المستقبل)، (مازن الناطور) هنأ السوريين بدموع الفرح من مقر إقامته بدبي عبر أكثر من فيديو على مواقع التواصل ومن خلال إطلالة عبر قناة العربية.
(سامر المصري) أكد عودته إلى سورية للقاء والدته بعد فراق استمر 13 عاماً معرباً عن سعادته بمغادرة الأسد من دون دماء، الأكثر تعبيراً عن الفرح هو الفنان (عبدالحكيم قطيفان) ابن درعا وأحد معتقلي النظام البعثي لمدة 8 سنوات، حيث انتشر عبر منصات التواصل فيديو وهو يرقص.
الغائبة الحاضرة في هذه المناسبة هي الفنانة السورية الراحلة (مي سكاف) التي اعتبرها سوريون رمزاً للنضال ضد الظلم والديكتاتورية، ومازال السوريون يرددون كلماتها: (لن أفقد الأمل … لن أفقد الأمل .. إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد.. ولن أقبل لابني أن يحكمه ابن بشار الأسد).
وكانت قد توفيت في منفاها بباريس العام 2018، وتعهد سوريون بإعادة رفاتها لتدفن في البلد الذي اضطرت لهجرته لأجل حريته.
الخوف من المجهول القادم
الفنانين السوريين) (الذين كانوا يؤيدون نظام بشار بعضهم سارع للاعتذار، وبعضهم ارتبك وبعضهم اعتذر ضمنياً لا صراحة، ومثلما كان الخوف دافعاً لهجرة فنانين وهروبهم من موطنهم، فإن الخوف أيضاً قد يكون دافعاً لاعتذار البعض.
الخوف من المجهول القادم والذي لا يمكن تحديد ملامحه رغم رسائل الطمأنة التي يرسلها (أحمد الشرع) للشعب السوري وللإقليم وللعالم، فقد تكون مجرد حقن تخدير حتى يجلس على الكرسي، وقد يكون من أكثر المستفيدين من دروس الآخرين، والحقيقة سيكشف عنها المستقبل.
وهذا لا ينفي مخاوف الكثيرين، ولو كان اعتذار بعض الفنانين خوف فهو الخوف المشروع خصوصاً أن الخوف على مستقبل المنطقة تجاوز الأفراد وامتد إلى دول.
الفنان (سامر إسماعيل) ارتبك، فقد أعلن في البداية تعرض منزله للسرقة من المسلحين ثم عاد ليحتفل بسقوط النظام، مؤكداً أن دعمه السابق له كان تحت ضغوط نفسية وخوفاً على عائلته.
(قصي خولي) اعتذر ضمنياً من خلال نداءاته عبر إنستغرام لإنقاذ المعتقلين العالقين في (سجن صيدنايا)، وكتب: (الشعب السوري واحد لا للطائفية جميعنا أبناء هذا الوطن).
الفنانة (سولاف فواخرجي) والتي كانت الأشد حماساً لحكم بشار، لم تعتذر ولكنها اعترفت أنها كانت على خطأ (في كل كلامي ولقاءاتي كنت أقول ربما أكون على صواب وربما أكون على خطأ، ودم السوري على السوري حرام).
(أمل عرفة) اعتذرت عن لوحة فنية شاركت فيها قبل سنوات، اعتبرها الجمهور استخفافاً بضحايا الحرب في سوريا، وسخرية من فريق الخوذ البيضاء الإغاثي، ووصفت اللوحة بالفاشلة مؤكدة أنها لن تدافع عن نفسها.
(أيمن زيدان) كان الأكثر ندماً على مواقفه واعتذر (ربما كنت واهماً أو أسيراً لثقافة الخوف، أو خاشياً التغيير لاعتقادي أنه سيقود إلى الدم والفوضى).
هذه قراءة في مواقف بعض وليس كل (الفنانين السوريين) من المعارضين للنظام السابق وممن اصطفوا بجانبه، وحتى الآن هناك بعض من كانوا مع النظام يلتزمون الصمت وعلى رأسهم (دريد لحام وميادة الحناوي وباسم ياخور)، ومن المؤكد أنهم في حالة ترقب وانتظار حتى تتضح ملامح المرحلة المقبلة.
وبصرف النظر عن تضارب المواقف فلعلها تكون الفرصة للاصطفاف، وعودة الجميع متلاحمين مبدعين معبرين عن أوجاع المرحلة، وكشف مستورها عبر الأعمال الدرامية والمسرحية والسينمائية.